مقالات وآراء

العلاقة المثلي بين الهوية والمواطنة والجنسية

الدكتور عادل عامر
المواطنة هي الانتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط اجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة. وتبعا لنظرية جان جاك روسو “العقد الاجتماعي ” المواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها. وينبثق عن مصطلح المواطنة مصطلح “المواطن الفعال” وهو الفرد الذي يقوم بالمشاركة في رفع مستوى مجتمعه الحضاري عن طريق العمل الرسمي الذي ينتمي إليه أو العمل التطوعي. ونظرا لأهمية مصطلح المواطنة تقوم كثير من الدول الآن بالتعريف به وإبراز الحقوق التي يجب أن يملكها المواطنين كذلك المسؤوليات التي يجب على المواطن تأديتها تجاه المجتمع فضلا عن ترسيخ قيمة المواطن الفعال في نفوس المتعلمين.
في القانون يدل مصطلح المواطنة على وجود صلة بين الفرد و الدولة ، بموجب القانون الدولي المواطنة هي مرادفة لمصطلح الجنسية، على الرغم من أنه قد يكون لهما معان مختلفة وفقا للقانون الوطني. والشخص الذي لا يملك المواطنة في أي دولة هو عديم الجنسية .
الهوية لازمة للمواطنة لأن المواطنين لا بد لهم من نظام سياسي وعلاقات اقتصادية واجتماعية وقوانين تضبط هذه العلاقات ولكن هذا إنما ينبني على معتقدات وقيم ومعايير أي على هوية معينة.
من هذا فإن الوطن الذي ينتسب إليه المواطنون ليس هو الذي يحدد هويتهم فالوطن الواحد تتعاقب عليه نظم مختلفة بل ومتناقضة فالروس كانوا مواطنين روساً حين كانوا ينتمون إلى الاتحاد السوفياتي وحين كان نظامهم الاقتصادي اشتراكياً وكان نظام حكمهم دكتاتورياً وهم الآن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وبعد حلول الرأسمالية محل الاشتراكية والديموقراطية محل الدكتاتورية.
فالهوية هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب، صالح أو غير صالح لوطنهم فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه وان اتفقوا على الحقائق الحسية.. وإذا صح هذا فإن المواطنين مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا إلى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط بل لا بد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم، لكن البعض يتوهم انه بإمكان المواطنين أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني فقط دون اعتبار للانتماء الديني والايديولوجي.
تعرف الهوية بأنها الخصوصية التاريخية والثقافية التي تجمع أفراد منطقة جغرافية معينة، وتميزهم عن غيرهم، وينتج عنها إحساسهم بالانتماء إلى أمة واحدة والارتباط بوطن معين، وتكوين نسيجه المتآلف، ومن ثم الالتقاء تحت مظلة وراية واحدة للمشاركة في صناعة حاضرة ومستقبلة والدفاع عن ماضيه.
وتتداخل تحت هذه الهوية هويات أخرى متعددة ذات مستويات مختلفة، وتتحدد مقومات الهوية بعناصر عديدة تتمثل في اللغة والثقافة والانتماء والولاء للوطن والعيش المشترك ومواجهة التحديات وغيرها. فإن الوطن الذي ينتسب إليه المواطنون ليس هو الذي يحدد هويتهم فالوطن الواحد تتعاقب عليه نظم مختلفة بل ومتناقضة فالروس كانوا مواطنين روساً حين كانوا ينتمون إلى الاتحاد السوفياتي وحين كان نظامهم الاقتصادي اشتراكياً وكان نظام حكمهم دكتاتورياً وهم الآن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وبعد حلول الرأسمالية محل الاشتراكية والديموقراطية محل الدكتاتورية.
فالهوية هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب، صالح أو غير صالح لوطنهم فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه وان اتفقوا على الحقائق الحسية.. وإذا صح هذا فإن المواطنين مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا إلى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط بل لا بد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم، لكن البعض يتوهم انه بإمكان المواطنين أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني فقط دون اعتبار للانتماء الديني والايديولوجي.
ثم يوضح أن هناك مشكلات يمكن حلها باعتبارها مشكلة بشرية تهم البشر جميعاً مثل مرض (الإيدز) مثلاً.. فالجميع يعرف أنه خطر على حياتهم وحياة أولادهم.. ولكن سيختلفون في وسائل العلاج المواكبة للعلاج الطبي فالمسلمون يرفضون أي ممارسة جنسية كانت قبل الزواج والمتدينون كذلك سواء كانوا من اليهود أو النصارى ولكن غير المتدينين قد يرون في مثل هذه الاقتراحات حداً من الحرية ويرون الاكتفاء بالعلاج الطبي لا السلوكي.
ومن هنا تتشابك الهوية مع المواطنة، إذ المواطنة انتماء لأرض ومجتمع، له حقوق وفضائل يحميها القانون ويرسخها سلوك الجماعة، وعليه واجبات وفروض تلزم المنتفع بتلك الحقوق والفضائل، وعليه فالهوية لازمة للمواطنة والعكس صحيح، وتشير دائرة المعارف البريطانية إلى “أن المواطنة علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة ، وبمـا تتضمنه تلك العلاقـة مـن واجبـات وحقـوق فـي تلـك الدولة، تـسبغ علـى المواطن حقوقا سياسـية ،مثـل حـق الانتخـاب وتـولي المناصب العامة”.
تطور مفهوم المواطنة في الغرب إبان عصر النهضة والتنوير، على أيدي المفكرين الفرنسيين وبخاصة جان جاك روسو، مونتيسكيو ولامارت، إذ اقترنت المواطنة بالعقد الاجتماعي المنظم للعلاقة بين الفرد والجماعة والدولة، وتجسد المفهوم في صياغات قانونية في وثائق الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات. وباتت للمواطن المقيم على أرض الدولة حقوقاً راسخة وشخصية اعتبارية مستقلة.
وبالتالي فإن المواطنة تقوم على دستور وقوانين وتشريعات مستمدة من الهوية الثقافية والتاريخية والدينية للمجتمع، لحماية هذا الإطار الهوياتي، والحفاظ عليه، لضمان حصول المواطنين على حقوقهم المتساوية في إطار النسيج الاجتماعي المكون للهوية باختلافاتها العرقية والمذهبية والدينية وما تحمله من أقليات لا يمكن أن تنفك عن المكون المجتمعي العام، وقد تخضع هذه الهوية لتغيرات وتحولات ومد وجذر على مدار السنوات.
هذا التسلسل يأخذنا بطبيعة الحال إلى مفهوم الجنسية، والتي تعرف بأنها علاقة قانونية بين الدولة والفرد، يترتب عليها بعض الحقوق والالتزامات، إلا أنها تختلف عن المواطنة ومن هنا منشأ التعقيد فكل مواطن لديه جنسية، ولكن ليس كل من لديه جنسية يكون مواطنا، إذ يترتب على المواطنة حقوق أخرى مثل الحق في المشاركة السياسية أو الحصول على العمل، أو الحق في الانضمام للسلك العسكري أو الدبلوماسي وغيرها وهذا الحق لا يحصل عليه كل من يمتلك جنسية البلد في كثير من دول العالم.
ولفهم أكثر دقة فإنه يوجد من يحملون الجنسية الأمريكية على سبيل المثال وليسوا مواطنين فهناك أشخاص وُلدوا في أراضٍ تملكها الولايات المتحدة يمكنهم حمل جواز سفر أمريكي، والعيش والعمل داخلها، لكنهم لا يمكنهم التصويت أو الترشح لانتخابات تشريعية أو رئاسية أو بلدية. وفي بريطانيا، ونتيجة الإرث الاستعماري،
فإن الوضع أكثر تعقيدًا؛ حيث إن هناك ستة أنواع من الجنسية البريطانية؛ منها “مواطنون بريطانيون”، ورعايا بريطانيون”، ومواطنون بريطانيون في الخارج”، ومواطنون تحميهم بريطانيا”، ومواطنون بريطانيون فيما وراء البحار”، و تختلف حقوق كل نوع من المذكورين؛ فعلى سبيل المثال، يسجل مواطنون في أراضٍ بريطانية في الخارج، ويحصلون على جوازات سفر بريطانية، لكن لا يمكنهم العيش أو العمل في بريطانيا.
وتتقاطع الجنسية مع الوطنية في أكثر من موضع خاصة من حيث الحقوق السياسية والجمعية التي يتمتع بها الفرد عندما يكتسب جنسية بلد معين مثل حقه في الانتخاب وفي ترشيح نفسه للمناصب السياسية وفي تشكيل الجمعيات الناطقة باسمه وباسم المجموعات التي ينتمي إليها . إلا أن هذا الفرد قد يكون منتمياً أساساً إلى هذا البلد بحيث يتطابق الانتماء الوطني مع الجنسية أو قد يكون الفرد مهاجراً إلى بلد جديد فيكتسب جنسيته بعد أن تتوافر له الشروط الضرورية للحصول عليها، ولكنه في الوقت نفسه، قد يحافظ على جذوره الوطنية وعلى علاقاته بالبلد الأم مثل العديدين من المهاجرين العرب في بلدان الاغتراب .
يوفر التمييز بين المفاهيم الثلاثة، كما يرتئي التقرير، مدخلاً مناسباً للتفتيش عن طريق للحد من الصراعات المتعلقة بالهوية التي استنزفت وتستنزف المجتمعات العربية وضربت وحدة الدول الترابية، كما ذكرنا أعلاه . ويخطئ من يظن أن هذه الظاهرة محصورة بالبلدان العربية التي توصف أحياناً بأنها معمل للفتن والاضطرابات وهلال للأزمات .
فمثل هذه التوترات، تطل على مسارح السياسة من جديد في بلدان أوروبية مثل بريطانيا حيث يحكم اسكتلندا حالياً الحزب الوطني الاسكتلندي الذي يعمل على تحقيق استقلال هذه المنطقة عن بقية المناطق البريطانية، ومثل إيطاليا التي باتت “رابطة الشمال” التي تدعو إلى انفصاله عن الجنوب “المتخلف” والمتوسطي”، شريكاً مهماً في الحكم تستثمر وجودها فيه من أجل تيسير مشروعها الانفصالي . وهكذا يمد البعدان العالمي والإقليمي التوترات الفئوية إلى البلدان العربية بزخم مضاعف .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: