دين

الحاج عمر ميتا.. الياباني الساموراي المسلم يترجم القرآن لليابانية

الحاج عمر ميتا يترجم القرآن لليابانية (1892 ــ 1974)

في الوقت الذي استطاعت فيه الحركات والتنظيمات المتشددة والمتطرفة – وعلى رأسها تنظيم ” داعش ” – أن يشوهوا الإسلام بأفعالهم الشريرة؛ كان هناك سفراء للإسلام الحق؛ تحلوا باﻷخلاق الحميدة، والطهارة وحسن المظهر؛ فهؤلاء هم سفراء الإسلام بحق الذين سنتعرف على واحد منهم في كل يوم من أيام رمضان، وسفيرنا اليوم هو الحاج عمر ميتا.. الساموراي المسلم الذي ترجم القرآن الكريم لليابانية.

نشأ في عائلة بوذية من محاربي السامورايولد عمر ميتا أو “ريوتشي ميتا” في 19 ديسمبر 1892 لعائلة بوذية من محاربي الساموراي ، في بلدة تشوفو في محافظة ياماجوتشي غرب اليابان، وكان “ميتا” منذ الصغر ضعيف البنيان، وعندما بلغ الرابعة وعشرين من عمره، كان قد تخرج في كلية ياماغوتشي التجارية، وبعد فترة وجيزة من التخرج انتقل إلى الصين التي كان يتوق لزيارتها.

الصين بوابة العلم والإيمان بالنسبة له

كانت الصين بالنسبة لعمر ميتا بوابة العلم والإيمان؛ حيث تعلم الطب هناك ومارسه في مناطق مختلفة في الصين؛ مما أتاح ذلك الفرصة له للتعرف على الصينيين وتقاليدهم، فتعلم اللغة الصينية، وكسب تجربة الحياة، كما ساعدته مهاراته في ممارسة الطب على تعزيز الاتصال البشري، ومن خلال هذه الاتصالات الشخصية بدأ يتعرف على الحياة الفعلية للمسلمين، وطريقة التفكير الإسلامية والمجتمع المسلم، فمنحه ذلك فرصة لمعرفة حقيقة الإسلام عن قرب.

تأثر عمر بنمط حياة المسلمين في الصين؛ مما حدا به في عام 1920 لكتابة مقال عن ” الإسلام في الصين ” في مجلة “أبحاث الشرق الأقصى الاقتصادية” اليابانية، بعدها بعام قابل عمر ريوتشي ميتا، الحاج عمر ياماوكا، أول مسلم ياباني يحج إلى بيت الله الحرام، كما قابل الشيخ عبد الرشيد إبراهيم العالم التتري الروسي، الذي أسهم في نشر الإسلام في اليابان، فاستمع إلى محاضراتهما ومناقشاتهما التي جرى فيها شرح تعاليم الإسلام والتعريف بالعالم الإسلامي، ولم يكن ميتا قد أعلن اعتناقه الإسلام رسمًيا برغم أن قلبه تحول تدريجيًا نحو الإسلام.

نقطة التحول في حياة ميتا

كان عام 1941 نقطة التحول في حياة ميتا؛ حيث ترسخ الإسلام في قلبه فالتقى الشيخ “وانج ريلان” إمام مسجد نيوتشى في بكين؛ ليعلن عمر ميتا رسميًا اعتناقه الإسلام وعمره وقتها 49 عامًا ليصبح بعدها خادمًا لدين الله، فيتم تكليفه بمهمة مستشار المجلس الأعلى ل اتحاد الجمعيات الإسلامية الصينية لما له من خبرات واسعة في شئون المسلمين الصينيين وعلاقاته الوثيقة معهم.

عاش عمر ميتا في بكين حتى نهاية الحرب العالمية في عام 1945، بعدها استقال من منصبه، وعاد إلى مسقط رأسه في اليابان؛ ليتولى مهمة تدريس اللغة الصينية في جامعة كانساي في أوساكا، ثم جامعة كيتا كيوشو في جزيرة كيوشو، لكن بعد مرور بعض الوقت فقد زوجته، فيتخلى عن وظيفته التعليمية في عام 1952 ويستقر في طوكيو، ليشارك في الأنشطة الدينية للإسلام، التي أفرزت تأسيس أول جمعية إسلامية في اليابان بالتعاون مع المسلمين الأجانب المقيمين هناك.

عندما استقر عمر ميتا في طوكيو كان عمره 60 عامًا، وفي تلك الأيام كانت آثار تدمير الحرب على المدن في جميع أنحاء اليابان لا تزال شاخصة أمام الشعب الياباني لتفرض حالة من الضيق الشديد، ولكن “رب ضارة نافعة”؛ حيث عمل عمر ميتا على نشر الإسلام بين اليابانيين، وتعريفهم حقيقة الإسلام، وتعليمهم اللغة العربية.

في عام 1958، ذهب ميتا إلى مكة وأتم فريضة الحج، ليعود بروح الشباب ويبدأ عمله بحماس، حتى يجري انتخابه رئيسًا لجمعية المسلمين في اليابان في عام 1960، بعد وفاة “صادق إميزومي” أول رئيس للجمعية، وخلال فترة رئاسته للرابطة الإسلامية اليابانية، نشر عدة أعمال منها كتب: “فهم الإسلام” و”مقدمة في الإسلام”، وترجمة كتاب “حياة الصحابة” للإمام محمد زكريا من الأردية لليابانية، وقد ترجم المرحوم حافظ عبد الرشيد أرشد هذا العمل إلى اللغة الإنجليزية.

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اليابانية

قبل ترجمة عمر ميتا لمعانب القرآن الكريم لليابانية، تم نشر أربع ترجمات يابانية أخرى في 1920 و1937 و1950 و1957، لكن كل هذه الترجمات قدمها علماء يابانيون غير مسلمين كانوا يفتقرون إلى الفهم للقرآن الكريم والإسلام والمسلمين فخرجت الترجمات بكثير من عدم الإنصاف؛ لذلك شعر الحاج عمر ميتا بالحاجة إلى الترجمة اليابانية السليمة لمعاني القرآن الكريم على يد مسلم ياباني ومن النص العربي الأصلي، فقرر أن يقوم بترجمة معانيه برغم كبر سنه وبلوغه 69 عامًا، وكان هذا بدعم من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.

زيارته لمكة المكرمة ونجاته من حادث خطير

وفي عام 1961 غادر الحاج عمر إلى باكستان، واستقر في لاهور لفترة من الوقت لمواصلة الترجمة، ودراسة اللغة العربية ـــ في آن واحد ـــ مع علماء اللغة العربية والقرآن هناك، وخلال هذا الوقت تواصل مع مهندس الاتصالات والداعية الباكستاني عبد الرشيد أرشد، ليُدعى بعده حاجي عمر لزيارة مكة، وأثناء إقامته هناك أجرى اتصالات واسعة مع علماء علوم القرآن في مكة والمدينة وجدة والطائف والرياض وغيرها، وأحرز تقدمًا كبيرًا في عمله، ليصاب بعدها في حادث مروري هو وحافظ أرشد، يُتوفي على أثرها أرشد وينجو حاجي عمر بمعجزة ويعود بعدها إلى اليابان عام 1963.

وفاته بعد طباعة معاني القرآن الكريم بعامين

واستمر في الترجمة حتى اكتمل مشروعه عام 1968، وراجعت رابطة العالم الإسلامي النص ليتم طباعته في 10 يونيو 1972 وكان عمر ميتا، آنذاك 80 عامًا، ليلبي بعدها بعامين نداء ربه في ديسمبر 1974، بنفس مطمئنة تاركة صدقة جارية وهي القرآن الكريم باللغة اليابانية.المصدر:بوابة الاهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: