فريدريش ميرتس يريد دورًا أقوى لألمانيا في العالم!

المستشار الألماني الجديد يريد تعزيز دور ألمانيا في السياسة الخارجية. ولكن حتى الآن لا توجد سوى بوادر قليلة تدل على ذلك. العلاقة مع واشنطن في طور التحسن، لكنها مع بعض الجيران توترت بسبب سياسة ميرتس تجاه الهجرة. ألمانيا عادت إلى المسار الصحيح”: أعلن المستشار فريدريش ميرتس (من الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ) قبل ثلاثة أشهر خلال عرض اتفاق الائتلاف الحكومي في برلين عن مطالبة حكومته بدور جديد لألمانيا.
وميرتس يتهم الحكومة السابقة بقيادة أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) بالفشل: بأنَّها كانت متحفظة ومترددة جدًا في دعمها أوكرانيا، وغير طموحة في السياسة الأوروبية، وتعليمية جدًا تجاه شركائها.
وأعلن ميرتس أنَّ السياسة الخارجية أولوية رئيسية. ورسالته: ألمانيا تريد تحمّل المزيد من المسؤولية. ويجب أن يكون دورها قياديًا في الاتحاد الأوروبي. وأن يصبح لديها أقوى جيش بين دول حلف الناو الأوروبية. وفي الوقت نفسه، يجب على أوروبا “الاستقلال” في سياستها الدفاعية “عن الولايات المتحدة الأمريكية”، كما قال ميرتس مباشرة بعد فوزه في الانتخابات في شباط/ فبراير، وذلك لأنَّه لم يعد يرى في الولايات المتحدة الأمريكية شريكًا موثوقًا به في عهد دونالد ترامب.
ميرتس يفعل ما يريده ترامب
فهل يحقق ميرتس هذه المطالب؟. لقد رأت معظم وسائل الإعلام نجاح زيارته الافتتاحية لواشنطن من خلال مرور مؤتمره الصحفي المشترك مع ترامب من دون خلافات تذكر. إذ إنَّ ميرتس لم يقل شيئًا تقريبًا وكان يبدو متوترًا، بينما كان ترامب يتحدث أكثر. ووعد بزيادة ألمانيا نفقاتها الدفاعية، بينما كان الرئيس الأمريكي يبدو راضيًا. ويرى أستاذ العلوم السياسية يوهانس فارفيك من جامعة هاله-فيتنبرغ أنَّ “ترامب لا يهتم بالشراكة، بل بالتبعية”، كما كتب لـ DW. ، أشار هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية إلى أنَّ ميرتس بدلًا من أن يمضي نحو “الاستقلال، عاد إلى المسارات الأطلسية التقليدية”. وأنَّ: “ابتعاد أوروبا العلني عن واشنطن سيكون عملًا متهورًا وغبيًا، نظرًا لاعتماد أوروبا الأمني الكبير على الولايات المتحدة الأمريكية”. وكذلك يقول فارفيك: “لا يمكن الحديث عن استقلال” سياسي أو حتى عسكري.
ويؤيد هذه الرؤية أيضًا رد ميرتس المتحفظ جدًا على مبادرة السياسة الأمنية من زعيم الكتلة النيابية للاتحاد المسيحي، ينس شبان، الذي دعا إلى مظلة نووية أوروبية بقيادة ألمانية. وأخيرا تحدث ميرتس على القناة الأولى الألمانية (ARD) عن مهمة “تنشأ على المدى البعيد جدًا”. وعلى الأرجح أنَّ هذا لا يشير إلى مشروع خلال فترة تشريعية. هل تستطيع ألمانيا أن تحل محل الولايات المتحدة في أوكرانيا؟
استمر الخضوع – كما وصفته وسائل إعلام مختلفة – في قمة الناتو في لاهاي، حيث تملّق الأمين العام مارك روته لترامب بوصفه “الأب ترامب”. واستجابة لطلب الرئيس الأمريكي فقد تعهَّد الأوروبيون بتخصيص 5 بالمائة من ناتجهم الاقتصادي للنفقات الدفاعية. ورسالة ترامب منذ فترة طويلة هي: مَنْ لا يدفع لن يحصل على حماية من الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك كان هدف قمة الناتو الرئيسي هو الحفاظ على الولايات المتحدة الأمريكية كضامن للأمن في أوروبا. ويبدو أنَّ هذا قد تحقق في الوقت الحالي. وفي المقابل لم يتم في قمة لاهاي حتى التطرّق لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، والذي تريده ألمانيا أيضًا، لأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت في عهد ترامب عن هذا الهدف.
وبشكل عام، يبدو أنَّ دونالد ترامب بات يفقد اهتمامه بالحرب في أوكرانيا والحل السلمي. والآن، أوقفت واشنطن تسليم كييف صواريخ باتريوت المضادة للطائرات، بذريعة أنَّ أمريكا نفسها تحتاج هذه الصواريخ.
وهذا يثير السؤال إن كان الأوروبيون وألمانيا بشكل خاص يريدون التدخّل. وحول ذلك يقول يوهانس فارفيك إنَّ الأوروبيين إذا أرادوا تعويض الدور الأمريكي، فهذا لن يكون “واعدًا جدًا بالنجاح في سياسة القوة والتمويل. ولذلك على الأرجح أن تتجه برلين وبروكسل عاجلًا أم آجلًا نحو التحول الأمريكي الكامل” وفي الوقت نفسه، ما يزال المستشار ميرتس غامضًا في مسألة تزويده أوكرانيا بصواريخ تاوروس بعيدة المدى. وحول ذلك قال مؤخرًا في برنامج “مايشبرغر” على القناة الأولى الألمانية: “هذا الخيار قائم ويبقى كذلك”. بينما رفض المستشار السابق أولاف شولتس دائمًا تسليم أوكرانيا هذه الصواريخ، بحجة أنَّ ذلك قد يدخل ألمانيا إلى الحرب. ولكن ميرتس قال من باب الاحتياط: من المؤكد أنَّ “ألمانيا لن تصبح طرفًا في الحرب”. أما كيف ينظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ذلك، فهذه مسألة أخرى. عمليات مراقبة الحدود توتّر العلاقات مع بولندا
سافر المستشار مباشرة بعد توليه منصبه إلى باريس ووارسو كدليل على أنَّه يولي أهمية خاصة لهذين الشريكين الأوروبيين. وظهر أنَّ لقاءه كان وديًا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي المقابل، لقد أفسد ميرتس علاقته مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك عندما بدأ قبل فترة قصيرة بمراقبة الحدود لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين، الذين ترفض بولندا استعادتهم، وقد بدأت الآن بمراقبة حدودها مع ألمانيا. وفي هذا الصدد يقول هينينغ هوف إنَّ ميرتس بدأ “بداية خاطئة، لأنَّ سياسات الهجرة الرمزية كانت أهم بالنسبة له من التضامن الأوروبي وعلاقات حسن الجوار مع بولندا”. مجرد متفرجين في الشرق الأوسط
والأزمة الكبرى بجانب حرب أوكرانيا – صراع الشرق الأوسط – تجري عمليًا من دون تدخل الأوروبيين. لقد هاجمت إسرائيل، وبعدها ببضعة أيام الولايات المتحدة الأمريكية، أهدافًا في إيران لمنعها من صنع قنبلة نووية. ولم تكن هناك أية مشاورات مع الأوروبيين. واقتصر دور ألمانيا إلى حد بعيد على الدعوة لاحقًا إلى خفض التصعيد.
ويبدو أنَّ المستشار ميرتس فخور بإبلاغه بالهجمات مباشرة بعد تنفيذها. وحول ذلك قال للقناة الأولى الألمانية: “كنت من أوائل من تم إبلاغم بالهجمات، إن لم أكن أولهم”. وعلق يوهانس فارفيك مستسلمًا: “نحن نرى هنا مدى تراجعنا. أوروبا وألمانيا لا دور لهما هنا. وميرتس لن يتمكن من تغيير ذلك”.