أخبارمقالات وآراء
العيد الكبير والكساء الشعبي الملون وحذاء باتا المتين..ايام طفولتنا البريئة
في العيد الكبير كما كنا نسميه في بلدتنا لم يكن من الطقوس أن يتم إعطاء عيدية للاطفال بحجة انه عيد اللحمة،بمعنى انه يكفيك انك سوف تأكل اللحمة حيث كان ذلك هو نوع من الرفاهية فكثير من البيوت لاتعرف لون اللحمة الا مرة أسبوعيا وربما شهريا،اما لبس العيد فهو أيضا ليس من ضمن الطقوس وبكتيره هي بيجاما كستور مخطط لو كان الجو شتاء او من الكساء الشعبي الملون لون صادف العيد في الصيف وحبذا لو كانت طويلة قليلا لتستخدم لمدة أطول، ويتم تنضيف الكوتشة البيضاء التي سبق شرائها من باتا او من محل الغزال الذي يقع على الجانب الاخر من الطريق أمام منزلنا،ويأتي يوم العيد فيقوم أخي الكبير بذبح الخروف ويساعده باقي الاسرة في السلخ فالافطار الفاخر مع الفطير العرايشي المعد مسبقا ،ويتم التعامل مع لحمة العيد على انها ثروة قومية فبعد أن يتم التوزيع واستقبال مايأتي للحجة وهيبة”ياسمين”من اقاربها كعادة اهل سيناء في اهداء الارحام من لحوم الأضاحي،تقوم في مساء ذاك اليوم بتحويل الحصيلة إلى مسبك يتم تخزينه في صفائح الجبنة الكبيرة مع وضع طبقة من الدهن المسال بالحرارة على سطح اللحم وتتركه حتى يبرد ثم يتم حمله إلى غرفة الخزين”البايكة” وما ادراك ما البايكة فيها طرب وسرور، صفائح الردة ولو أدخلت يدك فيها ربما تجد حبات الطماطم الخضراء تكاد تنضج حيث يأتي بها عم الشلبي من السرداب الذي يزرعه في ارضنا في الريسة على البحر خلف النخيل الذي ورثناه وفي صفيحة الذرة ربما تجد البيض الذي تم جمعه في اليوم السابق من حوش الفراخ واكيد هناك حكمة فلايمكن خلط الأوراق فمقاسات الحرارة معروفة، وطبعا كل هذا لانه لايوجد لدينا ثلاجة،فلم تعرف طريقها إلى بيتنا الا في أول السبعينات،أما العجر وهو البطيخ الصغير والذي يأتينا أيضا من السرداب أما ان يستخدم مشويا في الاكلة السيناوية الشهيرة”اللصيمة” او أن يقطع ويتم تخليله او اضافته إلى جرة”بلاص” المش وكنا نسميه العز الدايم فقد تجد فيه فلفل بلدي وهو مشهور بأنه شديد الحرقة او خيار ،فهو الذخيرة التي تستخدم وقت الازمات فاحيانا كنا بالليل اذا طال السهر في المذاكرة وصوصوت عصافير البطن نلجأ اليه مع قليل من زيت الزيتون مع العيش البلدي الذي كان يتم تسخينه على صاجة على البابور وعندما تقدمنا كانت الحلة الكهرباء فاذا اسعدك الحظ وقطمت قرون الفلفل فسوف تدمع عيناك ويسيل انفك وتحمر اوداجك وتتقد قريحتك فتسهر طوال الليل تذاكر وتحاول إطفاء الحريق في نفس الوقت، ولم يكن لاكنتاكي ولاماكدونالد ولا حتى الدمياطي في عصرنا الذهبي، أما باقي الضحية فلا يتم التفريط في اي جزء منها”ولاتنتوفا يالينا”بصوت سمير غانم في المتزوجون، فالامعاء تتحول الى ممبار واللسان ولحمة الرأس لها تصرف والارجل أيضا، حتى الفرو يتم وضعه على السطح مع الملح حتى ينشف تماما ثم يتم غسله واستخدامه للجلوس عليه في ليالي الشتاء القارصة حيث نتحلق حول الكانون”المنقد” للتدفئة او لتناول الإفطار او العشاء فالكانون جزء اساسي من الطقوس وبراد الشاي فالبيت كانت مفتوحة منها للسما ،ولا اعرف اذا كان سبب هذه التسمية انه يستخدم في شهور الشتاء كانون اول وكانون تاني،أما انها جاءت صدفة،ويظل الكنز الذي تم تخزينه سيد الموقف عند الطهي وعدم توافر بروتين طازج ،فالبروتين موجود وعناقيد البامية التي تم تجفيفها والمعلقة على شباك البايكة حاضرة والملوخية التي تم تجفيها في موسمها وفركها لتتحول إلى مسحوق يتم استخدامه عند اللزوم وكذلك البسلة والقائمة عامرة، وبدون ديب فريز ولاحملة فريزر نفسه، فهكذا تجد أن في متناول يديك في المنزل بوفيه مفتوح ولكن بمفاهيم ذلك العصر الجاف وسنواته العجاف وكنت استغرب من جرة المش التي لاتنضب والتي كان اهم ملامحها تلك الليفة التي تغطي فوهتها فهي من ليف النخيل وليس من شجرة اللوف والحمدلله كله موجود ولكن الاخير كان يستخدم للاستحمام والليف نستجلبه مع الجريد من النخيل الذي كنا نذهب اليه في رحلة الصيف وليس “المصيف” الشهيرة والتي هي فقط لجمع محصول البلح ومخلفات أشجار النخيل فكل بند له استخدامه الخاص ولا يسرح بك خيالك كثيرا لتظن انها رحلة ترفيهية نعم انك على البحر ولكن هناك أعمال يجب أن تؤديها ولامانع من اللعب مساء حتى تغفو من التعب فننام في” الشاليه الخاص بنا” العريشة المعدة من جريد النخيل وتحت ظلاله ..وهكذا يمر العيد الكبير او عيد الضحية علينا في طفولتنا البريئة بقليل من المصروف فالعيدية محدودة للغاية وكل سعادتنا باللمة مع الشوربة واللحم والفطير وغمس أكف ايادينا في دم الخروف ثم نضعها على الباب الخارجي ..وكأنها علامة اننا قد ذبحنا الاضحية، ولا اعرف سر هذه العادة حتى الان…كل سنة وانتم طيبين ومعيدين ومضحيين…