كفالة الأيتام والعيش معهم
بقلم الدكتور عادل عامر
إن نطاق المسؤولية الأخلاقية لكافل اليتيم يشمل أن يكون سلوك الكافل هو نفسه ملتزم، وأن ينشئ اليتيم الذي يكفله على الالتزام الأخلاقي في السلوك، حيث تعتبر الأخلاق ضرورة من ضروريات الحياة المتحضرة، ومتطلبا أساسيا لتنظيم المجتمع واستقراره، وغيابها يعني غلبة شريعة الغاب، وبالتالي تخلف المجتمعات سلوكيا وحضاريا. وتظهر تجليات المسؤولية الأخلاقية لكافل اليتيم في التزامه بسلوك أخلاقي راقي، ويكون ذلك بأن يلتزم هذا الكافل بواجباته اتجاه اليتيم وفي تقديم الرعاية النفسية والمادية والاجتماعية دون تفرقة بسبب كون اليتيم قريبه أو أنه ليس من العائلة،
وأن يولي عناية خاصة لليتيم الذي تتميز بيئته الاجتماعية بدرجة عالية من الحرمان، إلى جانب التعامل معه كشخص طبيعي له الحق في أن يحي حياة كريمة، وأن يغرس هذه المبدأ فيه عند تعامل اليتيم مع المجتمع الذي يعيش فيه. وتزداد أهمية المسؤولية الأخلاقية لكافل اليتيم لكونه قدوة لليتيم ولكل الأشخاص الذين هم تحت رعايته ومسؤوليته، كما أنه مسؤول عن النمو الخلقي لديهم أي أنه في كل الجوانب مطلوب من كافل اليتيم أن يكون نموذجا يحتذى به، وعليه أن يتذكر جيدا أن نجاحه في كفالة ورعاية اليتيم مرتبط بالأخلاق والسلوك القويم، ولا يتسنى ذلك إلا بادراك مفهوم المسؤولية الأخلاقية، والتي تعرف بـأنها: ” معرفة ما هو التصرف الصحيح وما هو التصرف الخطأ ثم القيام بما هو صحيح “.
ويبقى على كافل اليتيم أن يدرك ما هو التصرف الصحيح، لأن هذا الأخير كثيرا ما تحيط به ظلال الغموض والحيرة، بل إن الفرد كثيرا ما يطلب منه الاختيار بين بديلين يبدو أن كليهما صحيح، ومن ثم فإن السؤال الصعب ليس هو ما الذي يجب علينا ألا نفعله، وإنما حقيقة هو ما الذي يجب أن نفعله ؟ ولتعزيز ثقة وإرادة كافل اليتيم في التحلي بروح المسؤولية الأخلاقية يقتضي عليه أن يعرف الآثار الإيجابية لكفالة اليتيم سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وبالنسبة لليتيم والمجتمع ككل ومدى الفضل الذي يجنيه في ذلك.
ففي المجتمع المصري، لا يزال نموذج الأسرة البديلة أمرًا غير مألوف، في ظل اعتقاد شائع بأن الدين الإسلامي يحرم التبني، إلى جانب آراء متداولة في المجتمع تحكم على التجربة بالفشل قبل بدايتها، مثل المثل الشعبي الشهير: “يا مربي في غير ولدك، يا باني في غير أرضك”. إلا أن مسلسلًا مصريًا جديدًا تحدى تلك المعتقدات عن طريق تقديم قصة امرأة غير متزوجة قررت الكفالة بعد تعلقها بطفل صغير، وتفاعل كثير من المشاهدين المصريين مع الشخصية بالثناء على قرارها.
عن أخذ طفل يتيم و ضمه لأسرتك، تنفق عليه من أموالك، وتعلمه أحسن تعليم، وتحسن تربيته حتى يبلغ، ويسمى اليتيم يتيماً قبل أن يصل لسن البلوغ، وضم اليتيم كانت ظاهرة منتشرة بشكل كبير في أيام الصحابة، و تعد كفالة اليتيم من الأدوية التي تعالج الأمراض النفسية، فكفالة اليتيم لا تكون فقط بالاهتمام المادي بل أيضاً الاهتمام به من كافة النواحي،
و يمكن أن تكون كفالة اليتيم بدون ضمه للأسرة بل الاهتمام به مادياً، من خلال الدفع للجمعيات الخيرية المختصة مثل: معهد الأمل للأيتام، و من يعمل على كفالة اليتيم يضمن دخول الجنة وملازمة الرسول،
ويمكن أن يتعدد الأفراد الكافلين لليتيم، و يمكن معرفة مقدار الكفالة الموضوعة لليتيم بحسب البلد ومستوى المعيشة الموجود فيها، بحيث يجب أن يتوافر لدى اليتيم كل أسباب الحياة مع عدم شعوره بأي نقص بينه وبين الأطفال الآخرين في المجتمع.
وبهذا نكون قد تعرفنا على اليتيم والآيات التي حثت على كفالة اليتيم والأحاديث النبوية الشريفة، مع معرفة كيفية كفالة اليتيم، وليس بالضرورة أن يعيش اليتيم مع الأسرة بل يمكن ان يصرف عليه ويهتم به عن طريق الجمعيات الخيرية، و كما يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- أنا وكافل اليتيم كهاتين.
لكن ما يجعل مُعالَجة هذا الموضوع مُلِحَّة في هذه اللحظة بالذات، هذا التفاوُت العجيب بين ما شرَعَه الإسلام في ضَمان حقوق اليَتِيم، وبين حالة الأيتام في هذا العصر الذي يضجُّ بالمشاكل والمشاغل، أنسَتِ الناس أنَّ هُناك فئةً اجتماعيَّةً تَئِنُّ تحت وطأة الفقر والإهمال، هي فئة الأيتام والأرامِل، فقريبٌ مِنَّا حرب غزة خلَّفت 1346 طفلاً في دائرة اليُتْمِ والحِرمان؛ منهم مَن فقَد أباه، ومنهم مَن فقَد أمَّه، ومنهم مَن فقَد أبويه معًا،
وخلَّفَت الحرب في العِراق خمسة ملايين يتيم، ومليار طفل في العالم تنقُصه واحدةٌ أو أكثر من الخدمات الأساسيَّة للبَقاء والنموِّ، وفي كلِّ يومٍ يَتزايَد أعداد الأطفال الأيتام بنحو 5760 طفلاً؛ أي: أزيد من مليونَيْن كلَّ عام، وتُشِير منظَّمة الأمم المتَّحِدة للطفولة “اليونيسيف” إلى أنَّ هناك أكثر من 210 ملايين طفل يتيم في جميع أنحاء العالم، وحسب منظَّمة الأغذية والزِّراعة وفي سنة 2007 يُوجَد في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 40 مليون طفل يتيم، من بينهم نحو 11,4 مليون يتيم؛ بسبب مرض السيدا تحديدًا. ونظَرًا لقلَّة العِناية بهذه الشَّرِيحة،
فإنَّ 10 % من الأيتام الذين يُغادِرون المَلاجِئ يُقدِمون على الانتِحار، ويتحوَّل أَزْيَدُ من 60 % من الفتيات إلى مُمارَسة البغاء، وينضمُّ 70 % من الأطفال الذُّكور إلي عالَم الجريمة، بالإضافة إلى استِغلال العديد منهم في مِهَنٍ غير آدميَّة، لا لشيءٍ إلا لأنهم أصبحوا أيتامًا، لا كافِل لهم ولا مؤوى، ولقد كان من دعاء النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – إذا أوَى إلى فِراشه: ((الحمد لله الذي أطعَمَنا وسَقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممَّن لا كافي له ولا مؤوى!)) لليتيم حالتان:
1 – أن يموتَ أبوه ويترك له مالاً، فتتكفَّل به أمُّه وترعاه أو جدُّه أو عمُّه أو أحد من أقاربه، فيحفظ له ماله، ويُحسِن استثماره، وهو في هذه الحال لا يكون محلاًّ للصَّدَقَة، ولكن يكون محلاًّ للرعاية وحسن التربية والتوجيه.
2 – أن يموت أبوه ولَم يترك له من المال شيئًا، وهذا تُنفِق عليه أمُّه أو أقاربه بالحسنى، فإن لم يكن له مَن يَكفُله، تولَّى أحد المحسنين – أو أكثر – أمْرَه، إمَّا بمباشرة الكفالة، أو بإعطاء المال لإحدى الجمعيات الخيرية الموثوقة لتَنُوب عنه في ذلك.
تعتبر مسألة كفالة اليتيم من المسائل الهامة في المجتمع المسلم، كون هذا اليتيم فرد من هذا المجتمع له حقوق يجب حفظها ومراعاتها وتوكيل من يكفلها له حتى يترعرع وينمو في بيئة سوية وسليمة وبالتالي يصبح فردا صالحا في المجتمع. وتتمثل حقوق اليتيم في حقه في الحياة الكريمة والتي لا تكون إلا بتوفير المأكل والملبس والمسكن لهذا اليتيم، مع توفير الرعاية الصحية والأخلاقية له وتعليمه وتثقيفه حتى لا يحرم من نور العلم والهداية، إضافة إلى ذلك حفظ ماله (إن كان له مال)
وتنميته واستثماره حتى لا تأكله الصدقة ودفع هذا المال له لما يكبر، لذلك استوجب الأمر على كافل اليتيم أن يتحلى بروح المسؤولية الأخلاقية، والتي تعرف بأنها اتخاذ القرار للتصرف بما هو صحيح، أي بما هو في صالح اليتيم، لأن كافل اليتيم يعتبر قدوة لليتيم الذي يكفله ولكل الأفراد الذين يرعاهم، وبالتالي تحفظ الحقوق ولا تضيع وتصان الأعراض ولا تهتك، ويقوى المجتمع ولا يضعف أو ينهزم أمام الشدائد بتماسك أفراده وتعاونهم وتآزرهم.