أخبارمقالات وآراء
الحكيم
في بدايات القرن الماضي إلى مابعد منتصفه كان يسمى الطبيب ب”الحكيم” وزيادة في الوقار ارتقى ليصبح الحكيم باشي فأصبح الطبيب ينال لقب الباشوية دون ان ينعم عليه احد بهذا اللقب ربما تأثرا بما ناله على ابراهيم باشا وهو ابن السيدة فاطمة خفاجة الفلاحة البسيطة المكافحة التي افنت عمرها لتجعل من فلذة كبدها رجلا تحكي به وعنه الاجيال وليصبح اول وزيرا للصحة واول نقيبا للأطباء بعد أن أنشأ دار الحكمة والبعض ينطقها بضم الحاء وآخرين بكسرها وفي الحالتين أما انها تدل على جمع تكسير للحكيم او بالمعنى الاخر وهو قمة العقل والاتزان.. وكلاهما مقبول سواء الاسم او الصفة…أما الحوار الذي أجرته الصحفية الشهيرة حسن شاه بضم الحاء بين آثار الحكيم والكاتب الكبير توفيق الحكيم في فبراير ١٩٨٣ على صفحات جريدة الاخبار والذي بدأه الحكيم بقوله انني تعجبت من كثرة الاخبار التي أراها على الصفحات وتخيلت أن آثار كتاباتي قد امتدت لتصل طول البلاد وعرضها ولكني اكتشفت ان هناك شابة رشيقة أصبحت ملؤ السمع والبصر ونجمة شباك السينما وتدعى آثار الحكيم وهي مازالت ذات الثلاث والعشرون ربيعا واستطاعت ان تكون نجمة مشهورة في سنوات قليلة وربما فاقت ما وصلت اليه في نصف قرن…واستمر الحديث رشيقا ومهذبا من الشابة الجميلة الخلوقة التي تركت أثرا طيبا في تاريخ السينما والتليفزيون سواء في دور زهرة سليمان غانم في الجزء الأول من ليالي الحلمية او انا لا اكذب ولكني اتجمل والحب فوق هضبة الهرم…ولا انسى مداخلتها لبرنامج العاشرة مساء مع المرحوم وائل الإبراشي ونحن على الهواء ومعي المرحوم حمدي احمد والمنتج السبكي..عندما اوقفنا فيلم حلاوة روح بعد اجتماع في مجلس حقوق الانسان لكل المهتمين بحقوق الطفل واصدرنا بيانا وارسلناه إلى رئيس الوزراء م. ابراهيم محلب فاوقف عرض الفيلم..ودخلت معنا على الهواء تؤيد هذا الإجراء وتستنكر ماجاء في الفيلم والذي يتعارض مع براءة الأطفال…أما كاتبنا الكبير الذي سافر إلى فرنسا في عشرينات القرن الماضي ليدرس الدكتوراه في القانون كما كان يريد والده الذي كان في سلك القضاء ووالدته ذات الاصول التركية…الا انه أمضى ثلاث سنوات قضاها في دراسة المسرح الفرنسي وغاص في المسرح اليوناني وملاحمهم واساطيرهم وعاد الى مصر واستكمل دراسته في التراث الفرعوني حيث كان يميل إلى المدرسة الرمزية…وتجلى ذلك في رائعته “عودة الروح”والتي كان يعتبرها الرئيس عبد الناصر الملهمة لثورة ١٩٥٢..وقد بدأ الشاب توفيق الحكيم ثوريا وقد شارك في ثورة ١٩١٩والقي القبض عليه وسجن… وخرج بعد الثورة واستطاع والده أن يعينه وكيلا للنائب العام في المحاكم المختلطة ..حيث أبدع كتابه يوميات نائب في الارياف ثم التحق بوزارة المعارف وترقى إلى أن أصبح مديرا لدار الكتب وكان مؤمنا بثورة يوليو ويحتفظ بعلاقة خاصة بالرئيس عبد الناصر وكان الوحيد الذي يستطيع أن يذهب ليقابله في اي وقت وبدون موعد سابق لدرجة ان الوزير القباني طلب من عبد الناصر إقالته لأنه كسول ولايجيد الإدارة فرد عليه عبد الناصر أخشى أن توصم ثورة يوليو بهذا الاثم..فاستقال الوزير…ومضى الحكيم رائدا للمسرح الذهبي والذي كان جسرا بينه وبين قراؤه فقد عشق المزج بين الرمزية والواقع على نحو فريد ومتميز كما في قصة ايزيس واوزريس عن كتاب الموتى..كما أنه يمتاز في إيجاز بدقة الوصف وتصوير المشاهد ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية…وبرغم غزارة إنتاجه المسرحي الا ان القليل منها الذي يمكن تجسيده على خشبة المسرح…فهو صاحب اول مسرحية ناضجة”اهل الكهف” واول رواية بمفهوم الرواية الحديثة “عودة الروح”١٩٣٢…ولم يكن مؤيدا للثورة على طول الخط فقد كان ناقدا لاذعا لبعض المسارات الديكتاتورية كما في “السلطان الحائر بين السيف والقانون” ١٩٥٩ وبنك القلق… وبرغم ماكان يشاع عنه انه عدو المرأة الا ان كتاباته في شهر زاد وايزيس ومسرحية الأيدي الناعمة وعصفور من الشرق كانت في مجملها تتحدث عن المرأة بمزيد من الاجلال والتقدير.. ومن مقولات المشهورة بعد أن أصبح لاعبي الكرة الأكثر شهرة ومالا..”لقد انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم فقد اخذ اللاعب في سنة واحدة مالم يأخذه كل ادباء مصر من ايام اخناتون”.. خاض معارك من النحاس باشا ومع الشيخ المراغي ومع اليسار المصري بعد صدور كتابه عودة الوعي فقد وجه انتقاد شديد لحقبة عبد الناصر ١٩٧٢… وكتب بيان المثقفين والذي وقع عليه نجيب محفوظ فساءت علاقته بالسادات وقال عنه انه رجل عجوز خرف إلى أن استطاع هيكل أن يجمعهم في لقاء حيث كان هيكل يحترم الحكيم الكاتب وهو يحب ويحترم هيكل الصحفي المحترف…مالفت نظري هو أن توفيق الحكيم كان يسمي الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وثورة يوليو “عصر الانحطاط الثقافي” مماجعلني استدعي روحه ليعيش معنا هذا العصر ربما غير رأيه–