أخبارتحقيقات وتقارير

هذا هو أول من بنى مسجدا في بريطانيا ولقبوه بشيخ الإسلام

هو واحد من الشخصيات الإنجليزية البارزة التي كثر ذكرها في الربع الأخير من القرن 19، ولا يزال يتردد حتى يومنا هذا. إنه شيخ الإسلام عبد الله كويليام أفندي، الذي آمن من أعماق قلبه بالإسلام في ظل غلبة وهيمنة الإمبراطورية البريطانية في ذروة مجدها على العالم أواخر القرن 19 وأوائل القرن 20.

أما ما هو لافت في سيرة الرجل، إعجابه العميق بفضائل وثقافة الدولة العثمانية، ولم يكن هذا الإعجاب مجرد كلمات، بل تجسّد في أفعاله أيضا، ومن شدة ولعه بالدولة العثمانية، كان يحرصُ على ارتداء ملابس تشبه في شكلها وهيئتها ملابس العثمانيين في ذلك العصر، فكان لا يفارق الطربوش رأسه، وتزيّنت بزته بالنياشين والميداليات التي أهداه إياها السلطان عبد الحميد الثاني.

عاش كويليام في إنجلترا خلال العصر الفيكتوري، وخاصة في مدينته ليفربول، حيث تميّز بشخصية متعددة الجوانب ومواهب متنوعة، فبينما كان يمارس مهنته في المحاماة، أولى اهتمامًا كبيرا لعلوم الأحياء والطبيعة وغيرها من المجالات العلمية. ولم يكد يعتنق الإسلام حتى انصرف بحماسة إلى تأليف كتابه الأول “اعتقاد الإسلام” (The Faith of Islam)، الذي حظي بانتشار واسع داخل إنجلترا وخارجها، كما تُرجم إلى عدة وُلد كويليام لعائلة مرموقة في مدينة ليفربول شمال غربي إنجلترا، حيث أكمل تعليمه الأولي بتميز، وحصل على عدة شهادات تقدير، وعندما بلغ 17 عاما، واجه صعوبات مالية دفعته للالتحاق بمكتب محاماة كممارس مبتدئ في بداية مسيرته المهنية.

وفي عام 1873، وبُغية تغطية نفقات دراسته، عمل لمدة 5 سنوات في شركة “سميث ووليام راديكلف”، إلى جانب عمله كمراسل لعدد من الصحف المحلية مثل “ذي بوركوباين” (The Porcupine) و”غود تامبلار” (Good Templar” و”ليفربول ألبيون” (Liverpool Albion)، وذلك لتأمين متطلباته المعيشية، وأدى نجاحه في هذه الوظائف إلى دعوته لاستكمال دراسة القانون من جانب شركة “سميث وويليام راديكلف”، ثم في مدارس عمادة بلدية ليفربول، حتى تمكن في عام 1878 من التخرج والحصول على لقب المحاماة. ورغم ذلك، واصل عمله في مجال الصحافة، حيث استمر كمراسل ومحرر في عدة وسائل إعلامية.

من الناحية الأخلاقية والدينية، كانت عائلة ويليام على ارتباط وثيق بحركة “الاعتدال” (Temperance)، وهي مجموعة من المسيحيين الملتزمين الذين امتنعوا تماما عن شرب الخمر، وكانت على صلة بالكنيسة الميثودية ويسليان (Wesleyan Methodist Church)، فمنذ سن مبكرة، وتحديدا عندما كان في السابعة من عمره، بدأ ويليام حضور اجتماعات أعضاء حركة “الاعتدال”، حيث استمع إلى جده وهو يلقي خطبًا بليغة تدافع عن فوائد الامتناع عن شرب الخمر وأثر ذلك على المؤمنين في الدنيا والآخرة.

وقد تركت هذه اللقاءات أثرا عميقا في نفسه، واعترف لاحقًا في بعض مؤلفاته بأنه لم يتناول الخمر مطلقًا، تنفيذًا لوعد قطعه أمام الحاضرين في أحد تلك الاجتماعات.

لاحقا وبسبب مرض اعتراه، نصحه الأطباء للاستشفاء في مناطق معتدلة في جنوب أوروبا في إسبانيا وفي شمال أفريقيا في المغرب والجزائر، وقد أتاحت له الرحلات التي قام بها إلى الجزائر والمغرب عام 1882 فرصة ثمينة لكي يتعرف على الإسلام عن كثب.

وفي رحلة أخرى إلى جبل طارق، قرر كويليام استغلال الفرصة لزيارة مدينة طنجة، حيث استقل العبّارة في طريقه إلى هناك، وخلال الرحلة، لفت انتباهه مشهد مجموعة من الحجّاج المغاربة الذين كانوا ينقلون الماء بالدِّلاء من البحر إلى متن السفينة، ثم يتوضؤون ويؤدون صلاتهم بخشوع وطمأنينة، دون أن تؤثر عليهم شدة تقلب السفينة أو الرياح العاتية.

وقد أثارت هذه الحالة الإيمانية اللافتة فضوله، ودفعه ذلك إلى محاولة فهم طبيعة ما يقومون به والدين الذي يمنحهم هذا السكون الروحي، ولعل هذا ما جعله في طنجة يصاحب رجلا مسلمًا يجيد الإنجليزية، فتعمق من خلاله في معرفة الإسلام عن قرب.

جعله ذلك ينكبّ على مطالعة تفسير القرآن الكريم، إلى جانب كتاب “الأبطال” للمؤرخ البريطاني توماس كارليل، وعند عودته إلى إنجلترا، أصبح ذهنه منشغلا أكثر بإيجاد الوسيلة الفعالة لنشر هذا الدين بين الغربيين. ومن اللافت أنه كان على وعي تام بأن صورة الإسلام قد شُوّهت في أذهان الإنجليز بفعل أيديولوجيين ومستشرقين معادين له على مدى قرون، وأدرك أن محاولة دعوة هؤلاء إلى الإسلام بأساليب تقليدية لن تؤدي إلا إلى نفورهم بدلاً من تقريبهم من

**داخلية** عبد الله كويليام (ويليام هنري كويليام) مواقع التواصل – @RianConnolly
توفي كويليام في 28 أبريل/نيسان 1932، ودُفن في مقبرة بروكوود في لندن، وهي المقبرة ذاتها التي دُفن فيها لاحقًا زميلاه ومؤسّسا الجمعية الإسلامية البريطانية لورد هيدلي ومارماديوك بكثال. (مواقع التواصل)
شيخ الإسلام وعلاقته بالعثمانيين
سلك كويليام نهجا مختلفا عقب إسلامه في تلك السنوات، حيث استغل عضويته في “جمعية المدافعين عن حظر الكحوليات” وحرصه على حضور اجتماعاتها الدورية ليطرح الحديث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام بأسلوب تدريجي ذكي، إذ كان يعرض أفكاره من خلال الاستناد إلى أحدث الإحصائيات العلمية أو تسليط الضوء على الجوانب التي تثير إعجاب الحضور.

وفي ندوة عقدها يوم 17 يونيو/حزيران 1887 تحت عنوان “التعصب والمتعصبون”، أعلن إسلامه رسميا أمام الجميع، واتخذ اسم “عبد الله”. وأشار لاحقا إلى أنه في اليوم السابق لهذه الندوة لم يكن هناك أحد غيره قد اعتنق الإسلام أو وُلد مسلما في بريطانيا، ولكن كان قد سبقه البعض دون أن يدري.

ومن بين الحاضرين، كان جيم علي هاملتون، وإليزابيث موراي كاتس -التي حملت لاحقا اسم فاطمة- من أكثر الأشخاص طرحا للأسئلة حول الإسلام، وقد كان لأسلوب كويليام الحواري القوي ونهجه الدعوي الذكي المتوافق مع الثقافة الغربية، دور بارز في إقناعهما، ليصبحا من أوائل من اهتدى إلى الإسلام على يديه.

وفقًا لمؤلف سيرته رون جيفز، فبحلول يوليو/تموز 1887، كان كويليام قد ساهم مع ثلاثة من الأعضاء الآخرين في تأسيس أولى المؤسسات التي ستمثل الإسلام في بريطانيا، وهي “معهد ليفربول الإسلامي” و”اتحاد المسلمين البريطانيين”.

ورغم الجدل بين الباحثين حول ما إذا كانت أولى المؤسسات الإسلامية في بريطانيا قد تأسست في ليفربول أم في لندن، فإن مؤلف سيرته رون جيفز يوضح أن أول مؤسسة إسلامية فتحت أبوابها للعامة وبدأت في الدعوة إلى الإسلام كانت في ليفربول. أما مسجد ووكينغ في جنوب لندن، فقد تم افتتاحه رسميًا عام 1889.

ونظرًا لزيادة عدد المترددين والأعضاء في معهد ليفربول الإسلامي ليصلوا إلى 12 عضوًا، اضطروا إلى الانتقال من “قاعة فيرنون” (Vernon Hall) إلى مكان أكبر في “بروغام تيراس” (Brougham Terrace). وفي عام 1889، قرر كويليام جمع خُطبه التي كان يرسلها إلى المهتدية البريطانية فاطمة موراي قبل اعتناقها الإسلام، والتي كان يعرض فيها حججه وبراهينه لدعوتها إلى الإسلام؛ في كتاب مستقل بعنوان “اعتقاد الإسلام

وعلى نفقته الخاصة، تمكن من طباعة ونشر 2000 نسخة من هذا الكتاب، ثم في العام التالي طبع 3000 نسخة إضافية، وبفضل هذا الكتاب وحججه القوية وتوزيعه الجيد، استطاع كويليام وأصدقاؤه من المسلمين الجدد أن يُوصلوا صوتهم إلى شرائح أوسع من المجتمع الإنجليزي، ونتيجة لذلك، وصل عدد المعتنقين للإسلام في تلك الفترة إلى 50 شخصًا، كما نفدت جميع نسخ الكتاب بسبب الإقبال الكبير عليه.

وبفضل جهوده الملحوظة التي بذلها، جذب معهد ليفربول الإسلامي اهتمام العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين رفيعي المستوى من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، بعد زيارة حقّي بك، المندوب الشخصي للسلطان العثماني، إلى المعرض الذي أُقيم في مدينة شيكاغو الأميركية، وعند عودته، استُقبل في مدينة ليفربول من قِبل كويليام ولطفي بك، قنصل الدولة العثمانية، في المحطة المركزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى