مقالات وآراء

القمة الثلاثية وتداعياتها

الدكتور عادل عامر

أتت القمة الثلاثية اليوم في بغداد بين مصر والأردن والعراق  في إطار العلاقات التاريخية والأخوية التي تجمعهم، وكذا تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مستجدات الأوضاع السياسية في المنطقة، التي تشهد تحديات غير مسبوقة تهدد أمن الوطن العربي والشرق الأوسط على أكثر من صعيد.

قمة بغداد تمثل تتويجا لهذه الجهود؛ إذ تستضيف العاصمة العراقية للمرة الأولى اجتماع القادة الثلاثة بعد اربع من القمم التي جمعت المسؤولين في البلدان الثلاث؛ فالعواصم الثلاث التي اطلقت هذه الشراكة منذ ما يقارب العامين تمكنت من تجاوز العديد من العقبات والانشغالات والتحديات وعلى رأسها وباء كورونا والتوترات الناجمة عن الصراع المتصاعد في منطقة الخليج العربي التي أعقبت اغتيال قائد فيلق اقدس اللواء الإيراني قاسم سليماني في العراق.

فالدول الثلاث تمكنت من مأسسة العلاقة فيما بينها متجاوزة عناصر التوتر ومتجنبة الملفات السياسية المعقدة القادرة على تمزيق الشراكات الاقتصادية؛ فالاقتصاد بات الرافعة المفضلة الأكثر متانة لتطبيع العلاقة بين الدول الثلاث وتطويرها بعيدا عن الأجندة الخارجية والداخلية المتباينة للعواصم الثلاث.

تقدم واستقرار وديمومة يصعب أن تتحقق في حال الممانعة الأمريكية أو الإيرانية أو حتى السعودية؛ حقيقة فتحت الباب لاستضافة بغداد اللقاء الثلاثي؛ فالشراكة مشروع جذاب لدول الجوار وقواها الإقليمية؛ فالدول الثلاث تمكنت من تحقيق اختراق مهم في المنطقة وفي ظرف حساس ومعقد، قاعدته الأساسية العلاقة الاقتصادية الثنائية، والاتفاقات المشتركة التي لا تستهدف أحدًا في الإقليم بل تمثل نقطة جذب واتفاقات مقبولة .

 والسيسي هو أول رئيس مصري يزور العراق منذ غزو الكويت في عام 1990، مما أدّى إلى توقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قبل استئنافها في وقت لاحق وتهدف القمة إلي  دعم تنفيذ المشروعات الاستراتيجية لآلية التعاون الثلاثي، خاصةً على المستوى السياسي والأمني، وهو ما يؤكد حرص الدول الثلاث على الحفاظ على زخم تفعيل مسارات التعاون بينهم، مع إدراكهم للظروف الراهنة المرتبطة بجائحة كورونا وما صاحبها من إجراءات احترازية وتداعيات اقتصادية.

وتعزيز سبل تعزيز مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، وذلك بهدف تأسيس مرحلة جديدة من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث، قائمة على الأهداف التنموية المشتركة، لاسيما في ضوء الروابط التاريخية والشعبية المتينة بينهم.

وكذلك تهدف إلى أبرز القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً مستجدات القضية الفلسطينية، حيث أكد القادة الثلاث دعم الشعب الفلسطيني للحصول على حقوقه المشروعة، بما فيها إقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، مع الإشادة بالجهود المصرية في هذا الصدد

والتي أفضت مؤخراً إلى وقف التصعيد في قطاع غزة، فضلاً عن المبادرة المصرية لإعادة إعمار القطاع. و تطورات الأوضاع في المنطقة، حيث أكد الرئيس أهمية تضافر جهود جميع دول الوطن العربي والشرق الأوسط لمواجهة التحديات التي تهدد المنطقة واستعادة الاستقرار بها، كما تم التوافق بين القادة الثلاث حول أهمية العمل المكثف للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في إطار الحفاظ على وحدة واستقلال دول المنطقة وسلامتها الإقليمية.

و تكثيف التشاور والتنسيق بين الدول الثلاث حول أهم قضايا المنطقة، في ظل التطورات الدولية والإقليمية المتلاحقة، والتي تستلزم التعاون المتبادل لمواجهة التحديات والأخطار المشتركة، خاصة مع التدخلات الإقليمية المرفوضة التي تهدد الأمن القومي العربي، وهو الأمر الذي يستلزم معه التكاتف وتوحيد الصف العربي. و جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، حيث أكد الزعماء الثلاثة أهمية مواصلة الجهود المبذولة نحو تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق فيما بينهم في هذا الصدد لصالح شعوبهم والشعوب العربية بأسرها.

لأنها تستهدف إلي الحفاظ على الأمن المائي العربي، والترحيب بموقفي العراق والأردن المساندين للموقف المصري بشأن سد النهضة، وهي القضية التي تمثل إحدى أولويات السياسة المصرية، لتهديدها المباشر للأمن القومي المصري بمختلف جوانبه، مجدداً التأكيد على أن موقف مصر الثابت يقضي بضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.

إن “مصر تسعى للتوصل لتسوية سياسية، بناء على مخرجات قمة برلين، وإعلان القاهرة وقرارات الشرعية الدولية، ودعمت المفاوضات التي تضم كافة الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، وصولاً لاتفاق لجنة الحوار الوطني الليبي في جنيف، واختيار رئيس الوزراء، ورئيس المجلس الرئاسي، ثم تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة”. وهو ما يشكل في مجمله خطوة هامة على الطريق السليم، إلا أننا نؤكد صعوبة تحقيق الاستقرار المرجو، من دون إنهاء كافة التدخلات الخارجية في ليبيا، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة، مع ضرورة استمرار احترام وقف إطلاق النار، وصولاً للانتخابات الليبية في ديسمبر المقبل”.

اتفقت القمة  بعدم إمكانية حل الأزمة السورية عسكرياً”، وأن “هناك حاجة للتوصل لحل سياسي يُنهي العمليات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويحقق المطالب المشروعة للشعب السوري، مع ضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية، وحماية مؤسسات الدولة من الانهيار”. تدعم مصر جهود التسوية السياسية للأزمة في إطار عملية جنيف، ووفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وجهود المبعوث الأممي”.

وفي الشأن الفلسطيني، تواصلت القمة  جهودها في دعم القضية الفلسطينية ذات الأولوية، باعتبارها قضية العرب المركزية، عاملة على تثبيت وقف إطلاق النار بين الجانبين، والذي نجحت الجهود المصرية في التوصل إليه، وإطلاق جهود السلام مُجدداً، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحل الدولتين بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.

وقد ركزت العراق  ” الاجتماع السابق على الاستثمار والتعاون الاقتصادي، واتفقنا على رؤية مشتركة، ونجحنا في الوصول إلى تصورات”، مضيفاً: “الآن نحن في مرحلة الوصول إلى تنفيذ هذه المشاريع، في مجال الربط الكهربائي والزراعة والنقل، وكذلك الأمن الغذائي الذي طرحه الملك عبد الله في الاجتماع الماضي، وفي مجال العلاقات المالية والمصرفية، وتطوير البنى التحتية لها”.

هناك العديد من مذكرات التفاهم جرى التوقيع عليها في السابق بين الدول الثلاث، وأيضاً سنوقع مذكرات واتفاقيات في المستقبل القريب”، و أنه سيتم العمل على “إقامة سكرتارية دائمة، لتنسيق العمل بين الدول الثلاث وتطوير ومتابعة ما نتفق عليه”.

والعراق تعمل  على تطوير التنسيق في المجال الأمني والاستخباري، وخصوصاً فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب وتمويله، إضافة إلى التنسيق في مجال التعليم والثقافة ومجالات الشباب والرياضة والفنون والصحة”. فمصر  لديها  كل العزيمة للتعاون مع العراق والأردن، والاستمرار في تنفيذ مخرجات القمم الثلاثية، والاستمرار في كل النشاطات التي تعود بالنفع للشعوب الثلاثة”.

والعراق متفقة علي أن قادة الدول الثلاث في حالة تعاون وتضامن مستمر، من أجل مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة”.

والأردن عازمة  أن “البلدان الثلاثة تقف اليوم معاً في مواجهة التحديات المشتركة، لأن مصالحنا وأمننا مشترك”. أيضاً دعم المملكة لمصر والسودان في موقفهما “العقلاني”، بشأن ضرورة التوافق على ملف سد النهضة.

إذ تم التأكيد على أهمية تعزيز مستوى التنسيق بين البلدان الثلاثة، والاستفادة من التواصل الجغرافي في تنمية آفاق تعاون أوسع في مجالات الاقتصاد والتجارة والتنمية، والتأسيس لمشاريع البنى التحتية، ونقل الطاقة ومد أنابيب النفط.

مع  أهمية مواصلة الجهود من أجل مواجهة التحديات القائمة في مكافحة الإرهاب والتطرف، وتداعيات وباء كورونا، والتغير المناخي وحماية البيئة، وضرورة مواصلة الاجتماع بشكل دوري لتنسيق المواقف وتعزيز التعاون الثلاثي.

أن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في المنطقة، والتأكيد على أن “العراق الآمن والمستقر ذا السيادة، وإعادة دوره العربي والإقليمي هو عنصر مهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية في كل المنطقة”، فضلاً عن أهمية التنسيق الثلاثي المشترك في تخفيف التوترات، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وإيجاد حلول للأزمات في سوريا واليمن وليبيا.

مع وقوف الأردن إلى جانب العراق في الحفاظ على أمنه واستقراره، مشدداً على أهمية الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتجارية، وضرورة تعزيز التعاون الثلاثي المشترك بين العراق والأردن ومصر، بما يحقق المصالح المشتركة، وفقاً للبيان.

أن تعافي العراق يمهد لمنظومة متكاملة للمنطقة، “أساسها مكافحة التطرف واحترام السيادة والشراكة الاقتصادية”. علاقاتنا الراسخة في التاريخ مُنطلق لمستقبل واعد لشعوبنا وشبابنا، رسالة بليغة وسط تحديات إقليمية جسيمة”.

الاتفاقات الثنائية لم تقتصر على الأردن وبغداد، أو الأردن والقاهرة بل شملت بغداد والقاهرة التي استضافت لجان ووفودا من العراق تحضيرا للقمة المرتقبة بدءا من كانون الأول ديسمبر العام 2020؛ فالطابع الثنائي للعلاقات يتوج بالعادة في قمم ثلاثية لتعزيز العلاقة وتطوير الشراكة الاقتصادية.

ورغم ذلك يبقى الأردن الجسر الرابط بين بغداد والقاهرة بحجم تبادل تجاري بين الأردن ومصر خلال العام 2020 تجاوز الـ 514 مليون دولار، ما يعادل 360 مليون دينار أردني، وبكفة يميل فيها الميزان التجاري لصالح مصر بـ 313 مليون دولار، فيما بلغت الاستثمارات المصرية في الأردن مليار دولار مقابل 300 مليون دولار يستثمرها أردنيون في مصر بزيادة بلغت 70% خلال العامين الفائتين.

فالأعوام 2019 و2018 شهدت انتقال اكثر من 70 مصنعا أردنيا إلى مصر، فضلا عن المستثمرين السوريين الذين استطبتهم القاهرة؛ تحدٍّ يسعى الأردن لمعالجته عبر الشراكة والتكامل لا عبر التنافس والتصارع مع دول الجوار؛ فالدور الأردني قابل للنمو عبر مزاوجة عمان بين العمالة المصرية المقدرة بـ 600 الف وافد مصري و400 الف عراقي باستثمارات عراقية تفوق العشرة مليار دولار .

معادلة يسعى الأردن إلى تطويرها من خلال الشراكات وتعزيز التعاون الثنائي لتحسين تموضعه ضمن تجمع اقتصادي إقليمي من الممكن أن يضم سوريا ولبنان مستقبلا ضمن جهود إعادة الأعمار والبناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى