أخبارمقالات وآراء
عدو شريف افضل من صديق مخادع

لا اخشى على ظهري من عدو شريف بقدر ما اخشى على صدري من صديق مخادع…هذه كلمات الحائز على نوبل في الادب ١٩٨٨ الكاتب والروائي “نجيب محفوظ” صاحب الاسم المركب الذي اختاره والده على اسم الطبيب الذي قام بولادته المتعسرة وهو اسم مركب تيمنا باسم رائد طب النساء والتوليد د.نحيب محفوظ باشا…الرجل الذي عاش دهرا في الظل يكتب قصصه وحكاياته من الواقع الذي عاش فيه في احد احياء القاهرة القديمة..حي الجمالية بكل مايحمله من عبق التاريخ وخصوصية الحارة المصرية في الاصالة والعادات والتقاليد المحافظة والطقوس الفاطمية المتوارثة عبر الاجيال والتي تركت بصمتها على المكان والزمان فريح شهر رمضان تهب عليها من اول شعبان ومظاهر الاعياد هي الاصل الذي تتناقل تفاصيله كل احياء القاهرة وباقي بر مصر المحروسة…في تلك الاجواء عاش وترعرع محفوظ وكانت عينه ترقب واذنه تسمع وعقله يسجل القصص والاحداث والروايات والخرافات والطقوس ورقصات الصوفية وطلعة المحمل وموالد ال البيت التي يأتي اليها المريدين من كل حدب وصوب…وانصهرت كل هذه الاحداث في بوتقة عقله الباطن وطفق ينسخها على اوراقه…فالسيد احمد عبد الجواد بطل الثلاثية التي اتقنها وقدمها المرحوم يحى شاهين محفورة في خيال المصريين لانها تمثل جزء من تراثهم وحياتهم حتى مشاهد ثورة ١٩١٩ وماقبلها والتي اتقنها المخرج حسن الامام تكاد تكون المرجع التاريخي لهذه الثورة برغم ان الكاتب لم يبلغ الا السابعة من عمره وقت قيام هذه الثورة ولكن ذاكرة الاطفال غريبة فهي احيانا تنقل المشهد وكأنه حدث امس واخرى تنساه وكأنه لم يكن بينها وبينه عهد..ابدع محفوظ ٣٥ رواية وتقريبا ٢٢٣ قصة و٧ مسرحيات وكان صاحب زاوية في جريدة الاهرام تسمى وجهة نظر يطل منها اسبوعيا من ١٩٨٠ حتى ١٩٩٤ ثم اكتفى بحواراته التي كان ينقلها كتابة في الاهرام الكاتب الكبير محمد سلماوي… وبرغم انه كتب سيناريو العديد من الافلام منذ منتصف الاربعينات حتى نهاية الخمسينات حيث تعلم هذا الفن على يد رائد الواقعية في السينما المصرية المخرج صلاح ابو سيف الا انه لم يكتب السيناريو للافلام التي اقتبست من رواياته مفضلا ان من يقوم بذلك شخص اخر حتى لايطغى خيال الكاتب على السيناريو… والغريب ان هذا الرجل الذي كتب اجمل ماقيل في المرأة انه تزوج بطريقة شبه سرية واخفى زواجه قرابة العشر سنوات ولم يعرف ذلك الا عندما تشاجرت احدى بناته في المدرسة مع طالبة والدها صديق الشاعر صلاح جاهين فذاع الامر…ولم يكن ذلك لاي سبب سوى انه قال انا اخترت سيدة تناسبني لان امي كانت ترتب زواج من احدى قريباتها الثرية وانا انسان غير اجتماعي لا احب ان ازور احد ولا ان يزورني احد…واحتاج زوجة تعينني على الكتابة ولاتنغص علي حياتي…هذا الرجل هو نفسه الذي كتب عن الحب اروع الكلمات..”اذا كانت ثمرة الحب ناضجة فاقطفها بلاتردد فان حكمة الدنيا لتذوب حسرة على ثمرة حب ناضجة يزهد فيها الانسان” وقال ايضا” عرفت الحب لاول مرة في حياتي..انه كالموت تسمع عنه كل حين خبرا ولكنك لاتعرفه الا اذا حضر وهو قوة طاغية يلتهم فريسته ويسلبه اي قوة دفاع..يطمس عقله وادراكه..انه العذاب والسرور اللانهائي” وقال عن المرأة..عندما تغضب تفقد ربع جمالها ونصف انوثتها وكل حبها” وان كلمة رجل جمعها رجال وكلمة امرأة لاجمع لها لان المرأة لها كبرياء حتى في اللغة العربية تأبى ان تجمعها بغيرها” ويذكر انه منذ ان كتب رواياته تميز بتصوير الشخصيات والمواقف بطريقة شديدة الواقعية مع سرد سلسل يركز فيه على العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والتجسيد الدقيق لتفاصيل الحياة اليومية…ومن الشائع انه كتب الثلاثية الاجتماعية قصر الشوق والسكرية وبين القصرين…ولكن لابد ان نذكر انه كتب ثلاثية تاريخية ايضا..عبث الاقدار،/رادوبيس/كفاح طيبة١٩٣٩-١٩٤٤ وفي ١٩٤٥ كانت رواية القاهرة الجديدة بدأ فيها الخط الروائي الواقعي واستمر من خان الخليلي الى زقاق المدق والسراب حيث الواقعية النفسية الى بداية ونهاية قمة الدراما والواقعية الاجتماعية اما الرمزية فكانت في اولاد حارتنا ١٩٥٩ والتي منع الازهر نشرها وطبعت في لبنان وتم تسريبها الى مصر وهي واحدة من اربعة روايات استحق محفوظ بهم جائزة نوبل وكانت ايضا سببا في محاولة اغتياله حيث افتى عمر عبد الرحمن شيخ الجماعات الاسلامية بقتله على انه مرتد ولكن الله كتب له النجاه ومن المفارقات ان الشيخ الغزالي زاره في المستشفى ليدحض فتوى عمر عبد الرحمن ..وقد ادلى محفوظ بحديث قال فيه انه سامح من حاولوا اغتياله وانه يتمنى انهم لا يعدما….ويذكر ان محفوظ كان قد عينه الوزير ثروت عكاشة رقيبا على المصنفات الفنية وربما كان هذا له دور كبير في ارتفاع مستوى الذوق العام في اواخر الخمسينات والستينات حتى انه في اخر حياته المهنية كان رئيسا لمؤسسة السينما…وتحضرني قصة اللص والكلاب وبطلها سعيد مهران او شكري سرحان في الفيلم الذي استقى قصته من حكاية سفاح الاسكندرية محمود امين سليمان الذي يجيد التنكر والتحرك بين محافظات القاهرة والجيزة والاسكندرية وكان يقطن محرم بك ولكنه في قصته جعل المكان حي القلعة وحصر التحرك في القاهرة والشخصيات في الرواية الى ٢٠ شخص بينما في قصة السفاح كان العدد يربوا على المائة..واعجبني ما قاله على لسان الشيخ عبد ربه التائه في ” اصداء السيرة الذاتية”١٩٩٤ عن حب الدنيا…سمعت البعض يأخذون عليك حب الدنيا فرد الشيخ..ان حب الدنيا اية من ايات الشكر ودليل ولع بكل جميل وعلامة من علامات الصبر” ومن حضرة المحترم…ان مأساة الادمية انها تبدأ من الطين وان عليها ان تحتل مكانتها بعد ذلك بين النجوم” واخيرا من ليالي الف ليلة..تعلمت ايضا يامولاي ان الحرية حياة الروح وان الجنة نفسها لاتغني عن الانسان شيئا اذا خسر حريته”… وهذا غيض من فيض لا يمكن ان نحصيه في صفحات او دقائق لتاريخ قامة من علامات القرنين العشرين والواحد والعشرين ايضا وان شدة استغراقه في المحلية والجذور هي من فتحت طريق الى العالمية… وفي الختام مقولة اتخذها محفوظ دستورا فعاش طويلا..”لاتخبروني عمن يكرهني او يتكلم عني بسوء..اتركوني احب كل الناس واظن ان كل الناس يحبونني” فأراح واستراح