المغرب يفتتح ورشة ضخمة لترميم فاس التاريخية
ترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس الاثنين بساحة الرصيف بفاس. حفل التوقيع على اتفاقيتين تتعلقان بترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية ومعالجة المساكن المهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة للعاصمة العلمية للمغرب.
ويندرج برنامج ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية وبرنامج معالجة السكن المهدد بالانهيار بالمدينة العتيقة لفاس. في إطار الجهود الحثيثة الرامية إلى تأهيل المظهر المعماري العتيق للعاصمة الروحية والعلمية للمغرب والحفاظ على تراثها التاريخي، وتحسين ظروف عيش المواطنين وتمكينهم من الخدمات الضرورية، إضافة إلى ترميم وإعادة تأهيل البنايات والتجهيزات العمومية وتنشيط الحركة الاقتصادية والرقي بالأماكن السياحية لإحدى المدن الأكثر جذبا بالمملكة.
ويقول مسؤولون مغاربة إن عمليات ترميم وصيانة المباني التاريخية والأثرية بمدينة فاس تهدف إلى رد الاعتبار للنسيج العتيق لهذه المدينة في إطار عملية تنموية شمولية تتجاوز الجانب التقني لتشمل كل الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية بهدف تحقيق تنمية مستدامة تدمج هذا التراث الأصيل في مسلسل النهوض بهذه المدينة المصنفة ضمن التراث العالمي الإنساني.
ويشمل التدخل معالجة ما مجموعه 3 آلاف و666 بناية مهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة (المدينة القديمة ومشور فاس الجديد) وذلك بغلاف مالي يصل إلى 330 مليون درهم بالإضافة إلى التدخل لفائدة 5 مدارس عتيقة و4 أبراج و3 فنادق و 3 مدابغ وسورين وقنطرتين وذلك بغلاف مالي سيتم توفيره من طرف مجموعة من الشركاء.
وقال وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة المغربي نبيل بنعبد الله إن برنامج ترميم المآثر التاريخية عبئت له استثمارات في حدود 285.5 مليون درهم. مشيرا إلى أن هذا البرنامج يهم ترميم وإعادة تأهيل خمس مدارس عتيقة وأربعة أبراج و ثلاثة فنادق وثلاثة مدابغ وسورين وقنطرتين وثمان بنايات مختلفة.
وأضاف أن مختلف التدخلات المدرجة في إطار هذا البرنامج ستساهم في تعزيز المدارات السياحية على مستوى المدينة العتيقة بفاس وتحسين المشهد الحضري. وفي التنمية السوسيو- اقتصادية للمدينة والحفاظ على الطابع العريق والأصيل لهذه الحاضرة المصنفة منذ سنة 1981 تراثا عالميا للإنسانية من طرف منظمة اليونسكو.
وتعكس المدينة القديمة لفاس، التي تمتد على مساحة تقدر بـ280 هكتارا يقطنها حوالي 160 ألف نسمة، بحق غنى وتنوع وعراقة التاريخ المغربي بما تتوفر عليه من مآثر تاريخية ومعالم حضارية ومباني أثرية تختزل خبرات ومهارات عريقة في مجالات الثقافة والهندسة المعمارية وفن العيش.
وعرفت الحاضرة الإدريسية، التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منذ سنة 1981 ضمن التراث العالمي الإنساني. العديد من الانهيارات التي همت مجموعة من المباني القديمة بعد أن دخلت في دورة متسارعة من التصدع والتدهور خاصة بفعل الكثافة السكانية المتنامية مما عقد مقاربات واستراتيجيات التعاطي مع هذا الفضاء المبني لترميمه وصيانته.
ووعيا منها بالمخاطر المحدقة بهذه الحاضرة وبتراثها أعلنت منظمة (اليونسكو) سنة 1976 مدينة فاس “كنزا ثقافيا للإنسانية” قبل أن تطلق سنة 1980 نداء للتضامن الدولي من أجل إنقاذ هذا التراث الثقافي والمعماري العريق.
ويروم مشروع إنقاذ وترميم النسيج العمراني للمدينة العتيقة لفاس الذي تشرف عليه وتتولى تدبيره وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس (وكالة التخفيض من الكثافة وإنقاذ فاس سابقا) والذي يمول من طرف السلطات العمومية والعديد من الشركاء الدوليين. إنقاذ هذا النسيج المهدد بالانهيار وترميمه وصيانته دون المس بقيمته الحضارية والتاريخية.
وترتكز عملية رد الاعتبار لمدينة فاس وإنقاذ مآثرها التاريخية والعمرانية على مقاربة مندمجة تهتم بالنسيج العمراني العتيق للمدينة القديمة في شموليته سواء تعلق الأمر بالبنايات التاريخية او بالفضاء الحضري بكل مكوناته كالأسوار والمواقع التاريخية والتجهيزات الأساسية والمدارات السياحية.
وتقوم هذه الاستراتيجية على تجاوز عمليات ترميم هذا البناء العتيق والمحافظة عليه إلى دمجه في النسيج الاقتصادي وإدخاله في الدورة الاقتصادية والاجتماعية مع تمكينه من الجاذبية التي تستقطب الناس للسكن فيه وذلك حتى لا تتحول المدينة العتيقة إلى مجرد (متحف أثري) مخصص لأغراض سياحية.
وبخصوص برنامج معالجة السكن المهدد بالانهيار بالمدينة العتيقة لفاس. أكد الوزير المغربي أن التدخلات انطلقت منذ سنة 2004، ومكنت من إعادة إسكان 476 أسرة. وتدعيم 1592 بناية. وإصلاح 283 أخرى.
وقال بنعبد الله. إن البرنامج الجديد. الذي يمتد من 2013 إلى 2017، يهم معالجة 3666 بناية مهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة. مشيرا إلى أن هذا المشروع. الذي رصد له مبلغ 330 مليون درهم. يهم هدم 143 بناية ومعالجة 1586 أخرى مصنفة ضمن الدرجة الاولى من التدهور.
وسجل الوزير المغربي أن التدخل. على مستوى الدرجة الثانية من التدهور (941 بناية) والدرجة الثالثة (996 بناية)، يتطلب وضع نظام لليقظة واتخاذ تدابير وقائية (مراقبة ورصد التدهور. دراسات. تدخل استعجالي. ومواكبة اجتماعية وقانونية للأسر المعنية.
ومن جهته، قال فؤاد السرغيني المدير العام لوكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، إن عدد المباني المهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة لفاس يقدر حاليا بـ1700 بناية تتطلب عمليات ترميمها وصيانتها ورد الاعتبار غلافا ماليا يقدر بحوالي 450 مليون درهم.
وأوضح أن الدراسات، التي أنجزتها الوكالة والمعطيات التي جمعتها منذ إنشائها وبداية اشتغالها على هذا الملف سنة 1991، بينت أن البناء المهدد بالانهيار يظل أحد الإشكالات الكبرى التي يعاني منها النسيج العمراني للمدينة العتيقة بالنظر لتعقيداته التقنية والطوبوغرافية والاجتماعية والاقتصادية وكذا لارتباطه بحياة الناس وأمن الأسر القاطنة به.
ويؤكد السرغيني أن ظاهرة البنايات المهددة بالانهيار بالمدينة القديمة تكشف بالملموس عمق الإشكالية الحقيقية للنسيج العتيق والصعوبات التي تعترض كيفية التعاطي معه على اعتبار أن هذا النسيج ليس مجرد ملجأ لشريحة من السكان اتخذته سكنا لها ولكنه واقع اجتماعي واقتصادي قائم يحتاج إلى تصورات جديدة ومبتكرة لمعالجته.