مقالات وآراء

مملكة بلا مفاجآت.. الامير «مقرن بن عبد العزيز» يستعد لإستلام الحكم

بعد عامين من محاولة توجيه مسار الربيع العربي، انغلقت المملكة العربية السعودية نفسها.

فتح الملك الثمانيني، عبدالله، الطريق، في العام الماضي، لجيل جديد من الأمراء الأصغر سنا ليحلوا بسرعة محل أعضاء الأسرة الحاكمة المسنين والأقل أهلية وقدرة.

في الواقع، ليست آثار وتداعيات موجة الانتفاضات في منطقة الشرق الأوسط هي التي تشغل بال المراقبين السعوديين هذه الأيام، ولكن ما يهمهم أكثر هو إدارة الانتقال من أبناء إلى أحفاد ابن سعود، مؤسس المملكة.

التغيير قادم إلى المملكة العربية السعودية، ولكن مع ذلك، فإن المتوقع أن تظل بعض الحقائق الأساسية حول المملكة كما هي. فالعربية السعودية لا تزال حليفا قويا للغرب، وسوف تُبقي على تدفق النفط، وربما الأهم من ذلك، ستبقى بمنأى عن الانتفاضات التي انتشرت في أنحاء العالم العربي.

وبينما رأى محلل وكالة المخابرات المركزية السابق، بروس ريدل، أن “الثورة في المملكة العربية السعودية ما عادت أمرا غير وارد”، فإنه في حقيقة الأمر، وبالنسبة للغالبية العظمى من السعوديين، لا تزال الثورة حدثا مبهما تقريبا. ويهدف نهج العائلة الحاكمة في عملية الاستخلاف إلى إبقائه على هذا النحو.

ومن المرجح، ظاهريا، أن يتولى الأمير مقرن بن عبد العزيز، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي الأجنبية، وفي 67 من عمره، وهو في سن الشاب مقارنة بإخوته، السلطة في السنوات المقبلة، بعد وفاة أخويه عبد الله وولي العهد الأمير سلمان. عين مقرن النائب الثاني لرئيس الوزراء هذا الشهر، وهو ما يعني تقليديا الثالث في ترتيب العرش. وأما هل يصبح ملكا في خمسة أشهر أو خمس سنوات، فهذا يعتمد على صحة الملك وولي العهد.

ولكن هذا ليس كل شيء. ربما كان أكثر أهمية من تعيين مقرن هو تمكين الملك عبد الله للأمراء الأصغر سنا من أدوار بارزة داخل المملكة. وترقيتهم تعني تحسين الحكم مع تعزيز الدعم الخارجي، بما يسمح للمملكة العربية السعودية مواصلة الإصلاح الداخلي بوتيرة خاصة بها.

ويجب على واشنطن ولندن وحلفاء المملكة العربية السعودية التقليديين الآخرين، بشكل خاص، أن لا يقلقوا من هذا الانتقال. ولا تزال ضمانات دفاع الولايات المتحدة وبريطانيا تعززان موقف الردع للمملكة، وخاصة بالنظر إلى التهديد المفترض من إيران وبرنامجها النووي.

بغض النظر عن الطريقة التي تُدار بها معركة الخلافة بين جيل الشباب، فإنه ببساطة ليس هناك اتجاه داخل بيت آل سعود لتقويض أركان سياستها الخارجية.

المملكة العربية السعودية قد لا تكون الحليف الأكثر قبولا للبعض في الغرب. ذلك أن معاملتها للنساء والأقليات تخلت عن كثير مما هو مطلوب. ولكن أولئك الذين يعرفون المملكة، يعلمون أن السعوديين، وفي جميع مناحي الحياة، يتحركون ببطء إلى الأمام بثبات، سواء أكان ذلك في مناقصة عقود البناء، أم الإصلاح السياسي أم التغيير الاجتماعي.

الإصلاح قادم إلى المملكة العربية السعودية، وإن كان ببطء. ومن ذلك تعيين 30 امرأة خلال يناير الماضي في مجلس الشورى الشورى، وهو مجلس استشاري من 150 عضوا مع القدرة على صياغة القوانين، الذي طال انتظاره، ولكن مع ذلك يعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للمملكة، وخاصة أنه صدر بعد أقل من ستة أشهر من السماح للرياضيات السعوديات للمرة الأولى بالتنافس في دورة الألعاب الاولمبية. وكلا هذين التحركين يمثلان خطوة إيجابية إلى الأمام بالنسبة لهذا البلد، وسوف يكون لهما آثار دائمة وأساسية على النسيج الاجتماعي في المملكة العربية السعودية.

كما إنها خطوات اتخذها الملك عبد الله على محمل الجد. واعتمادا على قوة شخصيته، فإن العاهل المسن (الملك عبدالله) أزال الكثير من العقبات في طريقه، فالمستشارون والشيوخ المحافظون المعطلون الذين اعترضوا على هذه الإصلاحات الاجتماعية هي شهادة على عزم الملك.

ولكن سواء أحسنت السعودية سجلها ووضعها الداخلي أم لا، فإنها ستظل حليفا إقليميا لا غنى عنه للولايات المتحدة وحلفائها. ويرتبط مصيرها بمصالح العديد من الدول الغربية، وخاصة قدرة المملكة على إنتاجها المستمر لحوالي 9250000 برميل من النفط يوميا. وهي تدعي أيضا أنها قادرة على إضافة 1 مليون برميل إلى السوق العالمية في وقت قصير، إلى جانب أكثر من 3 مليون إضافي مع مرور الوقت، مما يجعلها الدولة المنتجة الحقيقية في العالم التي لا بديل عنها، القادرة على الحفاظ على تدفق النفط حال تعطله في مكان آخر.

وعلاوة على ذلك، فقد وجدت الدول الغربية والمملكة العربية السعودية عدوا مشتركا ممثلا في تنظيم القاعدة، الأمر الذي عزز التعاون بينهما بشأن القضايا الاستخبارية ومكافحة الإرهاب.

هذا الشهر، انكشف أمر وجود قاعدة أميركية للطائرات من دون طيار في المملكة، وقد استُخدمت لتوجيه الضربات الضوية القاتلة ضد تنظيم القاعدة في اليمن. وكان تبادل المعلومات مفيدا أيضا في تحديد العديد من التهديدات للدول الغربية… ومما يدل على أهمية المملكة العربية السعودية في جهود مكافحة الإرهاب، لقاء وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف بأعلى الدوائر في زياراته إلى العواصم الغربية، مما لا يُتاح إلا نادرا لنظرائه من الدول الأخر

وللسعوديين الكثير من النفوذ في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما يضمن عدم معاداتها للمصالح الغربية. لنأخذ البحرين، على سبيل المثال، والتي بدأت حاليا جولة أخرى من الحوار الوطني، لتضميد الجراح الطائفية التي نكأتها انتفاضة فبراير 2011، حيث إن المساعدة السعودية -المالية منها والعسكرية- تعتبر أداة حيوية وفعالة بالنسبة للنظام حكم عائلة آل خليفة في سعيها لتأمين مملكتهم الصغيرة.

وحتى حزب المعارضة الشيعي “جمعية الوفاق” يُقر بالدور المركزي الذي على المملكة العربية السعودية أن تضطلع به لإقناع المتشددين من الموالين للحكومة من أجل التوصل إلى اتفاق معقول. شئنا أم أبينا، لا يمكن إجراء أي اتفاق سياسي في البحرين من دون بعض موافقة المملكة العربية السعودية.

في اليمن، الحديقة الخلفية التقليدية للمملكة العربية السعودية، سيكون من غير المعقول أن نتصور الرئيس عبده ربه منصور هادي يكسب السيطرة على كامل تراب البلد من دون مساعدة السعودية وتمويلها، أو من دون هجمات الولايات المتحدة بالطائرات من دون طيار على المتشددين من الأراضي السعودية.

كما سيلعب المال السعودي أيضا دورا هاما في تحديد موازين القوى في سوريا والعراق ومصر، وكل منها يمر باضطرابات داخلية هائلة. وترى المملكة العربية السعودية، في نهاية المطاف، في هذه الدول الثلاث أهدافا للتوسع الإيراني، الذي تقاومه بشدة.

وهذا يعني، في حالة سوريا والعراق، أنها تعارض أيضا إمكانية استمرار التمكين الشيعي من الحكم. الاتصالات القبلية الوثيقة التي عقدها أعضاء في عائلة آل سعود الحاكمة في مناطق شرق سوريا ومحافظة الانبار العراقية، تسمح للسعوديين بتوسيع نفوذهم في تلك المناطق. على هذا النحو، يجب أن يفهم تأثيرها في مجرى الأحداث واحترامها.

وأولئك الذين يؤمنون بالرؤى، يسردون العديد من العوامل، يرون أنها تنذر بكارثة وشيكة في المملكة، ويشيرون في هذا إلى انفجار الشباب وارتفاع معدلات البطالة لما دون 35 من العمر، والمسائل الأمنية في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، والاستهلاك الضخم للنفط بما يفوق طاقتها، وقضايا المرأة والتوتر بين الليبراليين والمحافظين واحتمال عدم الاستقرار في الأسرة الحاكمة في عملية تسليم السلطة إلى الجيل الأصغر من الأمراء.

وهذا التحليل، يفترض أن السعوديين سيسعون إلى سقوط بالجملة لمملكتهم، إلا إذا لم يتعرضوا لاضطهاد كبير من هياكل الحكم والمؤسسة الدينية المحافظة. ولكن هذا التحليل يستند لسوء فهم أساسي لما هي عليه المملكة العربية السعودية، وكيف ينظر السعوديين لحكومتهم…

[بقلم: مايكل ستيفنز (MICHAEL STEPHENS) / مجلة “فورين بوليسي”]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: