مقالات وآراء

العد التنازلي لزوال دولة "إسرائيل"

بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لاغتصاب فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني، وذلك على حين غفلة وجهل وهزيمة نفسية منيت بها الأمة إبان الاستعمار، وتراجع المنهج الإسلامي والروح المعنوية والوعي والفكر، لا بد من الحديث عن حقائق مرتبطة بحتمية زوال الدولة اليهودية، وأن العد التنازلي قد بدأ لهذا الزوال.

إنها الأرض التي باركها الله وبارك ما حولها. والأرض المباركة لا يُعمَّر فيها ظالم، وهؤلاء حياتهم كلها ظلم. فقد ظلموا أنفسهم ابتداء بكثرة تجنيهم على أنبيائهم، وحبهم مخالفتهم، وكثرة أسئلتهم، وما فيهم من صفات الحسد والبغضاء والكبر، وغير ذلك من صفات سيئة امتاز بها اليهود عبر الزمن. ولذلك كانوا منبوذين محتَقرين من الشعوب كلها؛ فعاشوا في أوروبا في أحياء خاصة بهم، وعوملوا أسوأ معاملة بما كسبته أيديهم، ولسوء أخلاقهم. ولكنهم استطاعوا التجمع على مصالحهم، وكانت الحركة الصهيونية، وبروتوكولات حكماء صهيون، وسوغت غاياتُهم وسائلَهم ولو بمخالفة الدين والأخلاق، واستطاعوا السيطرة على معظم مفاصل القرار السياسي العالمي بالمال والنساء والإعلام، ونجحوا في استخراج وعد لهم بإنشاء وطن لهم على أرض فلسطين. وها هو العالم في معظمه يدعمهم ويؤازرهم ويتعاطف معهم.

لم يعتبر اليهود مما جرى لهم من تشريد وازدراء، فطبقوا ما حصل لهم على شعب آخر هو شعب فلسطين، وهذه بذاتها خسة وحقارة، أن أطبق على شعب ما ذقته من شعوب أخرى! فلو أن اليهود انتقموا من شعب آذاهم لكان في الأمر منطق ما، ولكنهم فتكوا بشعب لا علاقة له بما حصل لهم، وهذا ظلم واضح، يضاف إليه الظلم العالمي الذي مكّن لليهود. والظلم الأكبر هو هذا التراخي والتلكؤ والاستسلام للقرارات العالمية الظالمة التي سمحت لكيان الدولة اليهودية بالبقاء في فلسطين.

لن يعمّر الله لظالم على الأرض المباركة؛ إذ لم يعمَّر الصليبيون رغم قوتهم واجتماع كلمتهم وكثرة جيوشهم وبقائهم قرابة قرن كامل، فكانت هزيمتهم في حطين. وكذا التتار، وكل الذين مروا على هذه الأرض. وعندنا من الله وعد أن الله قضى لبني إسرائيل أن يفسدوا في الأرض مرتين ويعلو شأنهم علوا كبيرا، وبعث عليهم في الأولى عبادا له ذوي بأس شديد، فهزموهم. وإن كان معظم المفسرين ينظرون إلى أن الإفسادين قد مرّا، وذلك زمن نبوخذ نصر، إلا أن الذي بعثهم على هذا التفسير هو استبعاد أن يكون لهؤلاء المستضعفين كيان وقوة من جديد.

والذي عليه معظم مفسري هذا العصر أن الإفساد الثاني هو هذا الذي نعيشه. فلم يكن لبني إسرائيل هذا العلو والإمداد بالمال والبنين والقدرة على النفير واستعطاف الشعوب معهم إلا في هذا الزمن، ولا يمكن أن يكون هذا من ضمن قوله تعالى: “وإن عدتم عدنا” (الإسراء، الآية 8)، لأنه قال: “لتفسدن في الأرض مرتين” (الإسراء، الآية 4)، وعبر عن الثانية بـ”الآخرة”، وفيها دلالة على أنه لا إفساد آخر بعد الثاني، وهو الذي نحياه الآن.

وإشارة أخرى هي عند اليهود أنفسهم، أن قيام الدولة بالنسبة لهم هو مؤشر قوي على قرب زوالهم. ويتحدث الشيخ محمد أحمد الراشد عما جرى العام 1948، حين كان في بغداد وجيرانه من يهود العراق. إذ إنه لما أُعلن تأسيس الدولة اليهودية بكوا. فلما سئلوا عن ذلك وكان المتوقع أن يفرحوا، أجابوا بأن ذلك تعجيل بزوالهم؛ فمدة الدولة عندهم هي ست وسبعون سنة (والسنة عندهم قمرية، فالمدة هي أربع وسبعون سنة شمسية). ويعني هذا أن زوال دولتهم وانتهاء أمرهم كقوة هو في العام 2022. وهناك فرق يهودية أميركية ضد قيام الدولة اليهودية، لأن قيامها تعجيل بزوالهم.

ولا أريد أن يفهم القارئ أنني أجزم بذلك، فالخبر عندهم، ولا أقتنع كثيرا بدراسات بعض المسلمين من خلال الأرقام، خاصة في سورة الإسراء، بشأن هذه الفرضية؛ ولكن المؤشرات كلها والدلالات تبعث على الاطمئنان بقرب زوال دولتهم، وذهاب سلطانهم.

إن الذي يجري في عالمنا العربي عموما من صحوة وبناء إرادة وحرية، لا يمكن أن يكون عبثا؛ بل الله يهيئ الأمة للأفضل إن شاء الله. وإن ارتفاع الصوت العالمي سياسيا ضد الدولة اليهودية أمر سليم وصحي، وإن التغيير الذي حصل ويحصل في الدول المجاورة لفلسطين، والصحوة الإسلامية عموما، كلها حقائق على ضرورة أن يتغير المنهج العالمي الذي يحكم ويوجه، وأنه آن للحق أن يظهر ويعلو، وللباطل أن يزول.

لقد تحدثت سورة الإسراء عن اجتماع اليهود في الأرض المباركة، ليتحقق عليهم النصر نتيجة الإفساد الثاني: “فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا” (الإسراء، الآية 104). وها هي المعادلة قد تغيرت منذ الانتفاضة الأولى، حين أدركت الشعوب كم كانت ساذجة مهزومة روحيا وإيمانيا. فالطفل بحجارته أخاف جنودا مدججين بأسلحتهم؛ فهم أحرص الناس على حياة، وهم أجبن الناس، لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بنوها ويبنونها. وقد ضرب الله عليهم الذلة أينما كانوا، ولولا مدد الناس لهم لما كان لهم كيان: “ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس” (آل عمران، الآية 112).

وهم الذن سيبدأون القتال نتيجة لغرورهم. وقد عُلم عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دقته في الرواية، فالنص عنده كما رواه البخاري في صحيحه، أنه قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تُقَاتِلُكُمْ يَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ”. وحتى الروايات الأخرى تتحدث عن مجمل القتال الذي سيكون بين المسلمين واليهود على أرض فلسطين، وهذه النفسية السيئة عند اليهود في استشعار الخطر من كل مكان، فليذوقوا ما أذاقوه لغيرهم. وإن هذه الصحوة العامة والبصيرة بأحوال الأمة، واسترجاع دورها الحضاري الريادي، كل ذلك دليل على ضرورة تغير الحال، والله وعد أن يغير ما بنا إن غيرنا ما بأنفسنا، وهو ما يحصل فعليا، ووعد الله لا يتخلف “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (الرعد، الآية 11).

فليعش اليهود من الآن فصاعدا نفسية الذي ينتظر نهايته؛ إذ إن العد التنازلي قد بدأ فعلا، والناس يزدادون وعيا رغم حملات التضليل والتجهيل والإغواء لتغيير الهوية والتأقلم مع واقع ظالم، وعبثا حاولوا؛ فالحق يعلو ويأبى إلا أن ينتصر، والتضحيات مستمرة، والظلم الواقع منهم ما يزال يتكرر، ولن يبقى الناس عميا عن الحقيقة. فأفول نجم يهود قد اقترب، والتحدي الأكبر هو في الطريق، ولا بد لها من مزيد وعي وتوحد وعبودية خالصة لله، فلا ننسى عبارة “عبادا لنا”، وعبارة “يا مسلم”؛ إذ الهوية إسلامية لا عرقية، وهنا مكمن القوة والثقة “فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيرا” (الإسراء، الآية 7).
وطــن نــيــوز.. د. محمد المجالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: