حرب فلسطينية إسرائيلية بسبب "البطيخ"
حتى وقت قريب كان الحصول على بطيخة بمذاق حلو وحجم كبير مرتبطا برغبة واحد من أرباب العمل الإسرائيليين، ملوك البطيخ في الشرق الأوسط… وكان أمرا صعبا غالبا الحصول على أصناف جيدة، إذ على الإسرائيليين أن يشبعوا أولا، قبل أن يسمحوا بتصدير البطيخ للأسواق الفلسطينية.
لكن من هنا من سهل البقيعة الرحب على بعد عدة كيلومترات من نهر الأردن يمكن القول نسبيا إن أصول اللعبة اختلفت، إذ أصبح لمجموعة من المزارعين الفلسطينيين القدرة على التفكير بتجاوز أزمة البطيخ التي استمرت لنحو ربع قرن بعد أن توقف الفلسطينيون عن زراعة البطيخ بسبب فشل ذريع سببته أمراض التربة.
يظهر واحد من ملاك المشاريع الزراعية فخورا بما يحصل الآن. إنه إنتاج أول دفعة من البطيخ المقاوم في منطقة زراعية بكر. ‘لم يكن أحد يتخيل أننا سنحصل على بطيخ بهذا الشكل والغزارة. هذا إنتاج مهول’. قال موفق دراغمة وهو واحد من ثلاثة فلسطينيين في الضفة الغربية بدأوا بزراعة البطيخ المقاوم.
وساعدت اليابان عبر وكالة تنميتها ‘جايكا’ الفلسطينيين في تغيير خصائص أصول البطيخ عبر تطعيمه على القرع الذي يتمتع بجذور قوية تقاوم أمراض التربة.
وتظهر حقول بطيخ وقد بدأت تعطي إنتاجا وصفه مسؤولون في وزارة الزراعة ومزارعون بأنه ‘فاق التوقعات’.
وقال وزير الزراعة وليد عساف، ‘توقفت فلسطين التي كانت تزرع 30 ألف دونم عن هذه الزراعة بسبب مرض الناماتودا (….) انتشر المرض وفقدنا البطيخ المحلي وأصبحنا نستورده من خارج أرضنا’. واعتمدت السوق الفلسطينية على البطيخ الإسرائيلي طيلة العقود الثلاثة الماضية.
لكن موفق المزارع الشاب الذي يقول إنه قام بمهمة ‘انتحارية’ يعتقد أن الأمر بدأ يختلف الآن ‘نحن نزرع البطيخ هنا بأيد فلسطينية للأسواق الفلسطينية’.
ويظهر عمال يتحركون بصفوف طويلة لقطاف الدفعة الثانية من بطيخ استولد من القرع. وقال وزير الزراعة إن التفكير في الحصول على بطيخ محلي وبمواصفات جيدة بدأ منذ ثلاث سنوات، ‘استطعنا أن نعيد البطيخ خلال هذه السنوات الثلاث إلى المشهد الزراعي’.
هنا في سهل البقيعة ذي التربيعة الحمراء البكر البعيد عن مصادر المياه كان مجرد التفكير بالزراعة ضربا من المستحيل، لكن موفق خلال ساعتين يستطيع أن يجول بسيارته على مساحات واسعة من الأراضي تم إيصال المياه لها عبر أنابيب تغذي حقول البطيخ والبطاطا الصناعية وغيرها من الزراعات الأخرى.
واشتهرت الأراضي الفلسطينية بزراعة البطيخ الذي كان يصدر إلى الدول المجاورة لكنها فجأة بسبب أمراض التربة أصبحت تستورده من منتج إسرائيلي. غير أن القرع واليقطين أنقذ فكرة إعادة هذه الزراعات إلى الأرض الفلسطينية.
‘هذا أمر لم يتوقعه أحد’ قال موفق. يردد الأمر ذاته مزارعون آخرون.
وقال عساف، ‘بدأنا بالزراعة في ثلاث مناطق: طوباس، وأريحا، وجنين.(…) خلال الأعوام الماضية لم نسجل اختراقا كبيرا لكن الخبرة تراكمت لدى المشاتل والمزارعين وهذا مبشر للمستقبل القريب’.
في الحقول يمكن رؤية البطيخ والشمام كحقيقة بعدما كان مجرد حلم في رؤوس المزارعين، لكن موفق ذاته يقول إن هذا الحلم لم يكن سهلا أبدا ‘كانت معركة قاسية لإيصال المياه إلى هنا’ ويشير إلى سهل ممتد على مساحة كيلومترات تقع على أطرافه الشرقية المستوطنات الزراعية اليهودية’.
وقال عساف، ‘وصلنا هذا العام إلى اللحظة التي نقول فيها لدينا بطيخ فلسطيني بجودة ممتازة. كان النجاح في أريحا كبيرا ومبكرا’.
وتظهر أشتال البطيخ التي تغطي الحقول خضراء تغطي في معظمها ثمر البطيخ الناضج الذي ينتظر القطف. ‘إنه بطيخ بأقدام قوية’ قال موفق في إشارة منه إلى جذور القرع القوية.
‘بطيخ بأقدام قوية وعرش جميل’ أضاف موفق الذي يقول إنه أدخل زراعات جديدة إلى فلسطين بعضها لم يزرع البتة في أي مكان من الشرق الأوسط مثل الملفوف الصيني.
وغالبا ما تعاني الزراعة الفلسطينية التي تتركز شرق الضفة الغربية من مشاكل شح المياه والتصدير.
لكن الفلسطينيين يسعون إلى سد حاجة السوق من البطيخ خلال 3-5 سنوات.
ويقول عساف، ‘أنتجنا مبدئيا بطيخا بكميات غزيرة تفوق المعايير الموجودة (…) نحن نخطط في العام المقبل للانتقال إلى المكننة في تطعيم الأشتال المقاومة. إذا استمرينا بهذه الطريقة قد نكتفي من البطيخ خلال خمس سنوات’.
ويقول مسؤولون في وزارة الزراعة إن مساحة زراعة البطيخ ستتضاعف أربع مرات في العام المقبل.
ويقول موفق ذاته إنه سيضاف المساحة من أربع إلى خمس مرات في الموسم المقبل. ورغم الإنتاج الأولي الذي يعتبر ناجحا في التجارب المحلية، إلا أن وزير الزراعة يقول إن الإنتاج المحلي لا يغطي أكثر من 5% من حاجة السوق.
ويتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى ربع حاجة الاستهلاك. واقفا إلى طرف حقل أخضر وسط مساحات جرداء واسعة، قال موفق ‘زراعة البطيخ قصة نجاح حلوة.. حلوة جدا’.