لماذا نختلف مع جماعة الإخوان المسلمين !؟
قد يتساءل أحد القراء : لماذا هذا الاختلاف الكبير مع الجماعة ؛ رغم أنها تنطلق من الكتاب والسنة ؛ بمعنى أنها جماعة سنية، ليست شيعية، ولا أباضية، ولا خوارجية، ولا صوفية خالصة، ولا قاديانية، ولا تنكر أصلا ثابتا من أصول الإسلام؟!
والحق أنها ليست بذلك أبدا؛ ولكنها وإن كانت من أهل السنة والجماعة؛ إلا أنها تنطلق من فهمها للإسلام على اجتهادات شخصية لمنظري الجماعة؛ فتفسر النصوص تفسيرا يتفق مع رؤيتها الخاصة للحياة وللأحياء، وتشمل تلك التفسيرات والاجتهادات السياسةَ ونظامَ الحكم، والاقتصادَ، والمرأةَ، وحتى الآداب والفنون!
ولعل من المفيد أن أجمل جوانب الاختلاف مع الجماعة في الأمور الآتية:
– الاجتهادات الفردية في تفسير النصوص ؛ وتقديم رؤى تتفق حينا وتتفرق أحيانا مع غايات النص القرآني الكريم على الأخص ؛ إذ إن اعتماد منظري الجماعة على النص القرآني أكثر من اشتغالهم على تفسير النص النبوي الشريف ؛ كعناية سيد قطب بالتفسير في كتابه « في ظلال القرآن « وتفسيرُه للآيات الكريمة في مواضع كثيرة تفسير ذاتي إنشائي، ينطلق من خيالاته الخاصة للمعاني ؛ كمعنى الأمة، والوجود الإسلامي، والكفر والإيمان، والحاكمية، وهي الأفكار التي ضمنها في كتابه الشهير « معالم على الطريق « الذي أصبح منفستو الجماعة ودليلها في العمل الإسلامي، وسيد في كتابيه يوشك أن يقع في منزلق التكفير لمن يختلف معه في اجتهاده لمعنى الحاكمية والجاهلية ودار الإسلام ؛ ولكن ثمة من تخلق في هذه الأجواء المشبعة برائحة النفي فأقدم على التصريح لا التلميح بكفر الواقع كله ونفيه والهجرة منه؛ وهو شكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة، ومهديها المنتظر كما كان يدعي، وغير بعيد عن ذلك أيضا ما ورد في كتاب محمد عبد السلام فرج « الفريضة الغائبة « واجتهاده في فهم شروط الجهاد متى يجب وأين وفي أية حالة يكون جهاد دفع أو طلب، ومن تلك الاجتهادات العابثة في تفسير النصوص وتكييفها لصالح نمو وتمكين الجماعة سياسيا ما أورده صلاح الصاوي في كتابه «الثوابت والمتغيرات» فقد رسم منهج العمل لحماية الجماعة وتذليل كل ما من شأنه أن يقف أمام تحقيق وجودها؛ حتى وإن اضطره ذلك إلى استخدام وسائل غير أخلاقية في سبيل أهداف أخلاقية كبرى كما يدعي!.
وهذه الاجتهادات المجنحة الشاطة أبعدت الجماعة عن المنهج السلفي في فهم إشكالات الواقع بكل جوانبها؛ حتى إن نفرا من متأخريهم ذهب يجتهد وينحت مصطلحات لا تكاد نجد لها أسسا أو منطلقات في التراث الإسلامي ؛ ليميز أدب وفنون المجتمع الذي ينشده بما يفرقه عن آداب وفنون من لم يؤمن بنظرية الجماعة في مفهوم الأدب أو الفن الإسلاميين!
– أن لديهم شطحات صوفية يصل بعضها إلى شطحات العوام؛ كالتوسل بالقبور والصالحين، واعتقاد نفعهم أو ضرهم، وطلب شفاعتهم. وهذا المنزلق الخطير يبعدهم عن منهج السلف الصالح الذي ينص على أن النفع والضر بيد الله سبحانه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو شفيع أمته يوم القيامة.
– تنظر الجماعة إلى مفهوم عام مرتبك فضفاض للأمة، وتلغي مفهوم المواطنة والاعتزاز بالوطن، فتضيع الحدود والعلامات والواجب والمستحب تجاه الأمة الكبيرة، وتجاه الوطن الصغير، وهو معنى لا أساس له في القفزة البعيدة النائية نحو الأقطار البعيدة التي قد لا يجمعها مع الوطن إلا رابط الدين؛ بينما تختلف كل الاختلاف في الموروث واللغة والمصالح؛ بينما ينصرف الاهتمام عن الوطن وقضاياه والاعتزاز به والانتماء إليه بكل روابطه الدينية واللغوية والتاريخية والمستقبلية!
ومن هنا رأينا الاستهانة الكبيرة ببلادنا إبان فورة الإرهاب، وما ارتكبته القاعدة من أعمال عدوانية، وهو ما عبر عنه أيضا محمد مهدي عاكف أحد مرشدي جماعة الإخوان حينما سئل عن مصر؛ فقال «طز في مصر»!.
المصدر: ضوء .. د. محمد عبدالله العوين