عاصفة اليسكا : لاجئون ومشردون … ووجبات ساخنة… ووعد بصور عارية
مر أسبوع كامل على منطقة الشرق الاوسط تحت وطأة عاصفة اليسكا الثلجية التى ضربت معظم دول جنوب حوض البحر المتوسط الذى تقع فى نطاقه معظم دول الربيع العربى ( تونس وليبيا ومصر وسوريا ) ودول الجوار بمن فيها الدولة العبرية فى ظاهرة طبيعية لم تشهدها المنطقة منذ 120 – 150 عاما مضت.
وكتجربة شخصية فلقد عشت أسبوعاً قاسياً فى موطنى مدينة العريش الواقعة على ساحل البحر المتوسط أقصى شمال شبه جزيرة سيناء فى مقدمة الطرف الشرقى تقريباً من حزام العاصفة … فالبرودة قاسية كادت أن تجمد الأطراف….شوارع سُدت معظمها بمستنقعات وبرك مياه الأمطار وحبات البّرد التى توالى سقوطها ليلاً ونهاراً…مما أدى إلى إنقطاع الكهرباء عن معظم أحياء المدينة ومعها انقطعت – بطبيعة الحال – شبكات التواصل الإجتماعى على الانترنت…وأضطر معظم السكان الجلوس فى بيوتهم طلباً للدفء.
وكان هذا البيات الشتوى الإضطرارى فرصة لي للتأمل فلقد ساءنى المشهد العربى: فهناك مالايقل عن مليونى سورى يعيشون أسوأ فترات حياتهم تحت رحمة أقسى عاصفة ثلجية وهم فى مخيمات الحدود بين سوريا ولبنان والاردن يطحن وطنهم صراع الأسلحة وصفقات التوازنات الإقليمية والدولية الإنتقائية وشكوى منظمات المساعدات الدولية من كارثة انسانية لهؤلاء اللاجئين فوق طاقاتها وإمكانياتها فى الوقت الذى اعربت فيه عارضة الأزياء اللبنانية ميريام كلينك عن تعاطفها مع اللاجئين السوريين في لبنان قائلة : أنها ستتصوّر عارية على الثلج “عند أوّل ثلجة”…..وفى ليبيا تعيش المليشيات المسلحة على دفء الصراع على البترول التى تراجعت صادراته الى اقل من 10%.
وفى تونس فإن أطراف الحوار الوطنى شغلتهم سخونة التوازنات السياسية عن برودة العاصفة الطبيعية فى محاولة مستميتة لنجاح تجربتهم رغم قسوة تحديات البحث عن حلول توافقية آخرها إنتخاب القوى التونسية لعلي مهدي جمعة وزير الصناعة السابق رئيساً للوزراء … اما فى مصر فهناك من تجرأ على أن يدفىء نفسه من برودة الجو القارس بمظاهرات الرفض فى وقت تتهيأ فيه مصر للإستفتاء على الدستور يومى 14 و15 يناير 2014 كخطوة أولى على مسار خارطة الطريق …. اما اليمن التعيس فهو خارج حزام العاصفة الطبيعية فيكفيه عواصف التفجيرات بالعربات المفخخة وملاحقة الطائرات الامريكية بدون طيار لكل مشتبه بإنتمائه لتنظيم القاعدة….فى وسط هذه الحالات الشتوية بدول الربيع العربى تناقلت وكالات الانباء صوراً للجليد الذى غطى شوارع لبنان وأشجار الأرز.
وفى الاردن الذى شارك ملكه عبدالله الثانى فى دفع عربتين علقتا بالجليد المتراكم فى شوارع عمان …وفي تزامن مع سقوط الجليد في تابوك السعودية تم الاعلان عن تشكيل قيادة عسكرية لدول الخليج… وفى جانب أخر تسربت أخبار عما يطرحه وزير الخارجية الامريكى جون كيرى على الفلسطينيين بقدس موحدة يعلوها العلم الإسرائيلى وانتشار عسكرى للجيش الاسرائيلى فى أغوار الأردن وجبالها لعشر سنوات قادمة إختبارآ لحسن النوايا واقامة مطار مدنى فلسطينى مدرج هبوطه وإقلاعه فى الأردن وصالاته فى اريحا بالضفة الغربية …!! …. ونسى الراعى الامريكى قضايا جوهرية كعودة اللاجئين الفلطسينيين إلى ديارهم وإقامة دولتهم طبقا لحدود 1967وغيرها من القضايا الجوهرية.
وكانت إسرائيل الدولة الأسعد حالاً فلقد غطت الثلوج القدس وتل ابيب وجبل الشيخ وعددآ كبيرآ من الطرق والممرات التى وصل الجليد فيها إلى إرتفاعات غير مسبوقة فيمايزيد عن نصف متر وسقطت الأمطار على اسرائيل بكاملها بما فيها صحراء النقب وكونت سيولاً عارمة أطاحت بجزء من الجدار العازل الذى أقامته مؤخراً على حدودها الجنوبية مع مصر…. ولم ينس فلسطينو قطاع غزة توجيه الادانة الى اسرائيل التى يتهمونها بإطلاق مياه السيول نحو سكان القطاع مما أدى إلى إغراق منازلهم وتشريد اربعة الاف شخص ولكنها.
وفى المقابل فإن العاصفة فى مجملها عززت أرصدة المياه الاسرائيلية للعام الثانى على التوالى ….وعندما إنقطعت الكهرباء عن أحياء كاملة فى إسرائيل بدأت على الفور شركة الكهرباء فى تواصلها مع الجمهور عبر جميع وسائل الاعلام و صفحتها على الفيسبوك لنشر جداول الاعطال فى كل منطقة واسبابها والبرنامج الزمنى للإصلاح وعودة التيار وفى ذات الوقت الذى كانت تتلقى فيه اخطارات المواطنين عن سقوط اعمدة الانارة وتقطع اسلاك الكهرباء وتبادر على الفور بدفع طواقم الخدمة لإصلاحها.
كما أعلنت عدة مؤسسات إسرائيلية عن تشغيل فورى لمراكز خدمات لسكان هذه المناطق التى عزلتها العاصفة تتولى تقديم خدمات فورية للمواطنين الإسرائيليين مجاناً من بينها وجبة ساخنة ومدفأة وبطانية والرعاية الصحية وتم تشغيل بعض وسائل المواصلات العامة الممكن تسييرها للمواطنين مجاناُ والغاء ايام دراسية فى العديد من المناطق المنكوبة بخيرات المياه جليداً وسيولاً …. وباشرت الاجهزة المسئولة تقدير قيمة التعويضات المبدئية التى ستسددها الخزانة الاسرائيلية للمتضررين المدنيين وبلغت 300 مليون شيكل ….ولاعزاء للمواطن العربى : ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاءآ…!!
