ما بين السعوديات في بلاط الأمراء وفبركات نكاج الجهاد .. بالبلغاري
راقبت بإهتمام كل زوايا التصوير للفيلم الشهير الذي بثته فضائية ‘تي .في’ البلغارية عبر قصة مراسلة حربية دخلت مدينة معلولا السورية وتحدثت بلغة واضحة للمسيحيين في أوروبا عن الإسلام ‘الإرهابي’، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالجهاديين في سوريا.
بالنسبة لي مشهد قطع الرؤوس وتصوير جرائم الذبح وإطلاق الرصاص لإنفاذ عقوبة الإعدام، بدون محاكمة عادلة، لا يمكن قبوله أو تبريره، وما زلت أتصور بأنه يضر بمصالح الإسلام والمسلمين وينطوي على بشاعات تساند النظام الديكتاتوري المجرم في دمشق.
لكن الفيلم البلغاري يبدو طريفا عندما يتعلق الأمر ببعض التفاصيل، فكل الإقتحامات وعمليات التصوير ومن مختلف الزوايا تمت من وراء بندقية ومجنزرات الجيش النظامي السوري، ولا أحسب أن جيشا نظاميا في أي بلد يمكن أن يسمح لكاميرا حرة بأن تلتقط ما تشاء من الفضاء.
يعني بإختصار المراسلة البلغارية الرشيقة التي تتقافز خلف الكاميرا فعلت ذلك وهي بحماية الجيش النظامي.
‘نكاج الجهاد’.. بالبلغاري
مسألة أخرى: عندما شرحت المراسلة – بالبلغاري طبعا- لجمهورها إحدى العبارات على حائط كنيسة في معلولا كانت الكاميرا تظهر العبارة كما يلي: جبهة النصرة ‘مرة’ من هنا.. لاحظوا الخطأ الإملائي البسيط في مفردة ‘مرت’.. قياسا بفصاحة جماعة النصرة اللغوية وكثرة خطبائهم، أزعم – وأجري على ألله – أن كلمة مرت بالتاء المربوطة كتبها شخص جاهل لا علاقة له بأدبيات الدين ولا باللغة.. من هو؟ أنا شخصيا لا أعرف قد يكون مرافق المراسلة البلغارية الرشيقة وعلى الأرجح بلغاري هو أيضا.
عندما تعلق الأمر بالحديث عن ‘جهاد النكاح’ صورت الكاميرا لوحا على الحائط كتب تحته ‘جدول النكاح’ ويؤشر على عقود زواج، مدة بعضها نصف ساعة وعدة رجال يتناوبون على إمرأة واحدة.. أنا شخصيا كمشاهد لا يؤمن بالعنف ولا بجبهة النصرة لم يقنعني إطلاقا هذا الجزء وشعوري المهني انه مستحيل ومفبرك.
على سيرة جهاد النكاح، الصحفية الإستقصائية المعروفة في شمال إفريقيا الزميلة ماربا موكريم، حاولت تتبع هذا الموضوع بكل طاقتها وسافرت لعدة بلدان وأبلغتني في عمان بأنها أخفقت في العثور ولو على فتاة واحدة فقط من ضحايا ما يسمى بجهاد النكاح.
لكن الأمر لم يقف عند هذه النقطة، فالنساء اللواتي إستضافتهن المحطة البلغارية للإدلاء بإعترافات بإسم جهاد النكاح كن متورمات العيون وتدفقن في شروحات ‘جنسية’ تماما لا مبرر لها مما أشعرني بأني أحضر فيلما من تلك الأفلام إياها المعنية بالإباحية و’البورنو’.
السعوديات في بلاط الأمراء
الجهد الذي يذلته محطة ‘العربية’ في تفسير وشرح خلفيات المصافحات والمجاملات بين إسرائيليين وأمير الإستخبارات السعودي تركي الفيصل لا مبرر له إطلاقا، فالقصة أوضح من واضحة والأخوة في القيادة السعودية يقولون يوميا بكل اللغات ان إسرائيل لم تعد عدوهم، وخصمهم اليوم، ما دامت إيران تتصدر المشهد.
بالنسبة لي لا يفاجئني التطبيع ولا محاولة الغزل السعودية بالإسرائيليين فالبراغماتية تقتضي بأن يكون عدو عدوي صديقا لي.
لكن نفسي أفهم حاجة واحدة بس: البراغماتية السعودية في السياسة تصل لمستويات لا يمكن تخيلها.. طيب خير وبركة.. لماذا يترك الشأن الداخلي للمتطرفين جدا من مشايخ ‘المولينكس′، الذين يمنعون المرأة السعودية من قيادة سيارة؟
السؤال بطبيعة الحال للأمير تركي الفيصل: معقول يا رجل.. إنفتاح سياسي مباغت مغرق في الواقعية ويبدل مكان البندقية على أساس طائفي بدون ولو قطعة إنفتاح إجتماعي داخلي؟ تصافح إسرائيل ولا تسمح لشقيقتك وإبنتك، وهي إبنتنا بكل الأحوال أيضا بقيادة سيارة!؟
عندما تحدث الجولاني!
شاهدت المقابلة التي بثتها محطة ‘الجزيرة’ لزعيم تنظيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، فقد بدا لي الرجل منطقيا، وهو يرد على الحملة الإعلامية لقناة ‘الدنيا’ والتلفزيون السوري، لكن المشاهد والصور، التي أظهرت كتفي الرجل وأعلى رأسه فقط أثارت فضولي.
في المحصلة قالت جبهة النصرة عبر زعيمها موقفها، ووعدتنا بدولة إسلامية ‘فل أوبشن’ في سوريا الحبيبة، وبصرف النظر عن الممارسات المحسوبة على بعض الجهاديين في سوريا، والتي تثير اللغط، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإصطفاف الأطفال الصغار وتصويرهم وهم يكبّرون للإعدامات الميدانية في مشهد أنا واثق من أنه يؤذي الإسلام والمسلمين ولا ينفعهم بشيء.. بصرف النظر عن ذلك حققت ‘الجزيرة’ سبقا بمقابلتها للجولاني، لم يكن من الممكن تحقيقه لولا الموقف السياسي للمحطة من الحدث السوري.
هذا حصريا برأيي السبب المباشر للتقارير التي تقول بأن الجزيرة ‘فبركت’ المقابلة وأن الرجل المتحدث لم يكن الجولاني.
طبيعة المقابلة تطرح فعلا تساؤلات، نتوقع أن تجيب عليها ‘الجزيرة’.
أحد الخبثاء من أصدقائي، وفي وقت مبكر سبق الخبراء الذين عجت بهم وسائط معادية لـ’الجزيرة’، وهو يطرح ثلاث ملاحظات: ساعة باليد اليسرى خلافا للتعاليم الدينية.
ومكان يبدو مرفها تم التصوير فيه، قياسا بقائد مجاهد يفترض أن لا يملك وقتا لنفض الغبار عن جبينه، إضافة لإستخدام الجولاني لعبارة ‘أنصار السنة’، وهي تختلف عن العبارة الجهادية المعتادة ‘أهل السنة والجماعة’، وأخيرا إستعمال لقب ‘دكتور’ في وصف أيمن الظواهري بدلا من ‘الشيخ’.
ملاحظات لا يمكن تجاهلها بكل الأحوال، وأنا شخصيا لا أعتقد بالفبركة، وإن كنت أحتمل إستخدام جبهة النصرة لشخصية شبيهة وبديلة لأسباب أمنية.
‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في عمان