آييلت اردوغان وروبرت السيسي
“تحالفات غامضة” و”منظمات دولية” هي التي اثارت المظاهرات في حديقة غازي في اسطنبول في حزيران 2013. وهذه “المنظمات الدولية” هي المذنبة ايضا في كشف التحقيق في قضية الفساد الاخيرة في تركيا. وليس لدى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أي شك في أن الولايات المتحدة ضالعة هي ايضا في الشؤون الداخلية لتركيا.
بشار الاسد هو الاخر اتهم في بداية الثورة في سوريا “منظمات دولية” ومحافل أجنبية في اشعال الثورة ضده، وحسني مبارك في مصر قبل سقوطه، اشار الى “دول ومنظمات اجنبية” كمسؤولة عن المظاهرات الكبرى ضده.
لا يوجد زعيم في الشرق الاوسط، في مرحلة ما من ولايته لم يصطدم بمنظمات تحاول الدفع الى الامام بحقوق الانسان ولم يتهمها في أنها تعمل حسب اوامر من الخارج لاصحاب مصالح “مضادة للوطن”. كل دولة في المنطقة تكافح بطريقتها هذه المنظمات، سواء بالقانون التعسفي الذي يمنع تلقي التبرعات الاجنبية دون اقرار الوزارة الحكومية للتكافل الاجتماعي، مثلما في مصر أو بمنع الاعفاء من الضريبة عن المنظمات التي لا تقرها الحكومة كـ “اتحادات من اجل الجمهور”، مثلما في تركيا.
وتنضم اسرائيل ببهجة الى جيرانها. فمثلما في تركيا حيث يقرر القانون بانه ستمنع اقامة جمعيات تتناقض مبادئها مع “طبيعة الدولة كما تقررت في الدستور او بخلاف مع المصلحة الوطنية او الوحدة الوطنية”، في اسرائيل ايضا فان جمعيات يدعو عملها الى مقاطعة اسرائيل او تقديم جنود الجيش الاسرائيلي الى المحاكمة امام هيئات دولية سيكون مآلها الخنق الاقتصادي. فالمبادران الى القانون – آييلت شكيد (البيت اليهودي) وروبرت اليتوف (اسرائيل بيتنا) – لا يخفيان هدفه: “فالقانون سيمنع تبرعات اجنبية وسيحمي الديمقراطية الاسرائيلية”. اردوغان ومبارك ما كان يمكنهما أن يصيغا الامر بشكل افضل.
البشرى المشجعة هي أن مندوبي القومية اليمينية بالذات يجتهدون جدا للانخراط في الساحة. وبهذه الوتيرة فانهم كفيلون بان يدعوا الى فرض حكم عسكري، بالطبع لحماية الديمقراطية، إذ أن ما هو خير لمصر خير لاسرائيل ايضا.
الحجة المؤثرة حقا هي تلك التي تسعى الى منع التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية لاسرائيل. ولكن لماذا الاخذ بالصغائر؟ فدولة عزيزة، وطنية، واثقة بحقها، لا يمكنها أن تعفي نفسها من المس بالحجارة الصغيرة التي تخدم أسيادا غرباء. فلماذا لا يتم الاعلان فورا عن الحرب على القوة العظمى التي تتدخل صبح مساء في الشؤون الداخلية لاسرائيل؟ تلك التي تتبرع للدولة بثلاثة مليارات دولار في السنة وتحاول استخدام هذا المال كرافعة لتغيير السياسة الاسرائيلية.
وتفوق هذه المساعدة مئات الاضعاف اجمالي التبرعات التي تحصل عليها كل الجمعيات معا. فلماذا لا تفرض مقاطعة على هذه المساعدة التي لا مثيل لها من حيث التدخل الاجنبي في المصالح الوطنية لاسرائيل؟ ولماذا التزلف للاتحاد الاوروبي كي يوافق على ادخال اسرائيل في برنامج “هورايزن 2020″؟ فهذا هو ذات الاتحاد الذي يتبرع ايضا للجمعيات المطروحة ويفرض عقوبات على بضائع اسرائيلية من المناطق. مبدأ المساواة يتطلب أن كل مؤسسة تبرعا من الاتحاد الاوروبي – سواء كانت هذه “جمعية معادية” أو جامعة – ان تدفع ضريبة بمعدل 45 في المئة.
غير أن تفكيرا لحوحا ما لا يشفي. فكيف يحتمل ألا تنجح دول قوية كالولايات المتحدة، ساعدت دولة اسرائيل باكثر من 233 مليار دولار منذ قيامها ودول الاتحاد الاوروبي، في اخضاع السياسة الاسرائيلية؟ فلم تخلى أي مستوطنة ولم تنتهي أي مفاوضات ولم يلغَ أي قانون مناهض للديمقراطية، رغم ضخ الاموال القذرة الى جمعيات اليسار، واليمين يسيطر بلا عراقيل. واضح أن في تلك الجمعيات تهديدا خفيا ما، مخبأ، مجهول وفظيع لدرجة أن أمن اسرائيل استدعي لخدمة العلم.
هآرتس 26/12/2013