مقالات وآراء

آخر اسرار القذافي .. عرض التنحي مقابل حماية فرنسية وسوريا تعاطفت معه

بدت المعارضة الليبية غير قادرة على الحسم بعدما طال القتال وكانت طرابلس في قبضة معمر القذافي. استدعى نيكولا ساركوزي محمود جبريل رئيس الحكومة الليبية على عجل ودعاه الى النظر في مشروع حمله الى الفرنسيين بشير صالح مدير مكتب العقيد. كان المشروع ينص على تنحي القذافي مع بقائه في بقعة ليبية بحماية فرنسية وإبقاء الباب مفتوحا امام سيف الإسلام القذافي للترشح لاحقاً. وقال ساركوزي لجبريل: «نحن من ندفع الأموال لتمويل هذه المعركة العسكرية ونحن من نخسر». قطر أيضاً شجعت جبريل على دراسة العرض.

في موازاة ذلك اقترح وزير الخارجية الأردني السابق ومبعوث الأمم المتحدة الى ليبيا عبد الإله الخطيب مشروعاً للحل يقوم على تقاسم السلطة وتنحي القذافي مع بقائه رمزاً.

خافت المعارضة الليبية من بقاء القذافي على الأرض الليبية وراهنت على نجاح انتفاضة طرابلس وهكذا كان.

يروي جبريل تلك الوقائع لينتقل بعدها الى ما أصاب الثورة بعد انتصارها وهنا نص الحلقة الرابعة:

> تعرضتم خلال الثورة لمواقف صعبة خصوصاً بعد ان طالت فترة القتال؟

– مررنا بمواقف شديدة في المعركة السياسية، وبلحظات ضغوط شديدة. الرئيس نيكولا ساركوزي ضغط علينا بشدة، ففي إحدى الفترات مر الموقف العسكري بحالة جمود في جبهة البريقة، فقال لنا ساركوزي: «أنتم لا تستطيعون حسم المعركة عسكرياً وترفضون أي حل سياسي، فماذا تريدون بالضبط؟ فنحن مَنْ ندفع الأموال لتمويل هذه الحملة العسكرية ونحن مَنْ نخسر». كان أملنا في تلك الفترة بالله سبحانه وتعالى وبانتفاضة طرابلس، ففي المعركة العسكرية كانت هناك فعلاً استحالة أن نصل من البريقة الى طرابلس، نحو 800 كيلومتر، فهذا بحاجة الى خط إمداد عسكري قوي جداً وتخطيط رهيب ودعم بالسلاح، وهذا الأمر بدأ يتدنى، خصوصاً بعدما بدأ القذافي عن طريق بشير صالح وعن طريق ابنه سيف الإسلام يُحدث بعض الاختراقات في بعض الدول. إذ بدأ بعضها يخشى من فشل الثوار عسكرياً وأن القذافي يتجه الى التقسيم. وطُرِحَت فكرة التقسيم بحيث تُعتبر مصراتة منطقة عازلة، ويأخذ الثوار المنطقة الشرقية والقذافي يأخذ ما قبل مصراتة، وكان هناك مخطط حقيقي للتقسيم. عندما دخلنا طرابلس وجدنا في مكتب البغدادي المحمودي خريطة لتقسيم ليبيا إلى خمس مناطق، كانت معدّة من النظام السابق معتبراً ذلك المحاولة الأخيرة، فإن لم ينتصر عسكرياً فسيدفع باتجاه تقسيم ليبيا خمس مناطق. وبالتالي، مَنْ يسعون الى التقسيم الآن يخدمون النظام السابق من حيث لا يدرون.

> هل كان الدور التركي مشابهاً للدور القطري أم مكملاً له؟

– الدور التركي كان ينصَب على الجانب السياسي والمعنوي بينما الدور القطري كان للجانب التمويلي والدعم العسكري فكان هناك تكامل لا شك بين الدورَيْن. الدور القطري كان مدعوماً من الفرنسيين مثلاً أو مرحباً به بينما الدور التركي لم يكن مدعوماً من الفرنسيين، وكانت هناك دائماً علاقة غيرة ما بين الأتراك والفرنسيين. في اجتماعاتنا مع الفرنسيين كانوا دائماً يحذروننا من الأتراك وفي اجتماعاتنا مع الأتراك كانوا دائماً يحذروننا من الفرنسيين، الى درجة أنه في إحدى المرات كانت ستحدث مشكلة في دورة مجموعة الاتصال التي عُقِدت في تركيا. الفرنسيون بداية كانوا يريدون عقد دورة مجموعة الاتصال في فرنسا والأتراك كانوا يريدون أن تعقد في اسطنبول، ثم تم الاتفاق أن تعقد في اسطنبول على أن يعقد أول اجتماع لأصدقاء ليبيا في فرنسا والذي عقد في 1 ايلول (سبتمبر) 2011. دائماً كانت هناك تلك العلاقة، علاقة المنافسة وعلاقة عدم قبول الآخر. وكانت هذه إحدى المنعطفات في الطريق الطويل في ديبلوماسية الثورة إذ كان لا بد من المناورة داخل كل هذه العلاقات المتناقضة ما بين الدول المختلفة سواء الدول العربية أو غير العربية.

> هل كان هناك تناقض بين الدورين الإماراتي والقطري؟

– على المستوى الظاهري لم يكن هناك تناقض إذ لم يكن القطريون يحرضون على عدم التعامل مع الإمارات ولا الإماراتيون كانوا يحرضون على عدم التعامل مع القطريين، رغم أن مشروع الإسلام السياسي بالنسبة للإمارتيين لم يكن مقبولاً كبديل بل كانوا يدعون الى خيار وطني بينما كان القطريون يدعمون مشروع الإسلام السياسي.

> الأتراك أيضاً كان برنامجهم الحقيقي دعم الإسلام السياسي؟

– نعم وبشكل واضح.
> والأميركيون أيضاً حاولوا تكييف هذه الحالة الجديدة كجزء من برنامج كبير؟
– نعم طبعاً. أنا أعتقد أن حالة «الربيع العربي» بصفة عامة حالة غير مسبوقة خلقت حالة سيولة تميزت بغياب المشروع وغياب القيادة في كل حالات «الربيع العربي» فكانت تلك فرصة سانحة لتمرير أو دعم المشروع الذي كانت تتبناه أميركا لدعم ما يُسمى «الإسلام السياسي المعتدل» لاحتواء التطرف الإسلامي السياسي.
> كيف كان موقف مصر من الثورة؟
– كان موقف المجلس العسكري متحفظاً. التقيت رئيسه المشير محمد حسين طنطاوي فتذرع بخوفه على الجالية المصرية في ليبيا ولم يكن هذا الموقف مقنعاً.
> والجزائر؟
– كان موقفها التحفظ او اكثر قليلاً.
> وسورية؟
– وقفت سورية مع نظام القذافي. تحدثت بعض التقارير عن مشاركة طيارين سوريين في غارات لسلاح الجو الليبي على معاقل الثوار قبل تدخل الناتو. تحدثت تقارير اخرى عن حصول ابناء القذافي على اموال من سورية بعد اندحار نظامه ولا اعرف ان كانت هذه المساعدة من اموال ليبية كانت مودعة هناك.
> بعدما طال القتال طرحت عليكم مشاريع تسويات. ماذا كان مشروع بشير صالح (مدير مكتب القذافي) وهل سوّقه مع الفرنسيين؟

– كنت في زيارة الى اميركا ومعي زملائي علي الترهوني ومحمود شمام والسفير علي الأوجلي، الذي كان سفيرنا في واشنطن ولعب دوراً كبيراً في ترتيب هذه الزيارة. وكانت تلك الزيارة حراكاً مستمراً بين الكونغرس والبيت الأبيض ووزارة الخارجية، حيث التقينا هيلاري كلينتون ومستشار الأمن القومي. وفي ما بعد (في زيارة أخرى) كان هناك لقاء مع جو بايدن (نائب الرئيس). وكانت هناك لقاءات متعددة مع وليام بيرنز، الذي هو نائب وزير الخارجية ومن الشخصيات الرصينة، وكانت هناك لقاءات مع جون كيري ومع جون ماكين اللذين كانا من أكثر الداعمين في الكونغرس للقضية الليبية. في أثناء الزيارة ورد اتصال من فرنسا الى السفارة الليبية في واشنطن يطلب من محمود جبريل العودة الى باريس للقاء الرئيس ساركوزي لأمر عاجل.

فرنسا تراجع حساباتها

تركت بقية الأخوة وعدت من واشنطن الى باريس وتوجهت مباشرة من المطار الى الإليزيه. الجلسة كانت في الحديقة خارج قصر الإليزيه وكان الرئيس ساركوزي ووزير الخارجية آلان جوبيه ووزير الدفاع ورئيس الحكومة ورئيس المخابرات، أهم الشخصيات الفرنسية كانت حاضرة وكنت أنا وحيداً في الطرف المقابل. تحدث ساركوزي، وهو عادة المتحدث الوحيد في الجلسات إلا اذا طلب من شخص آخر ان يتحدث. قال: أمس جاءنا بشير صالح مبعوثاً من القذافي وهو يعرض مشروعاً نعتقد أنه قد يكون مشروعاً مهماً ونرى أنه جدير بالدراسة. هو يعرض أن يتخلى القذافي عن السلطة شريطة عدم مقاضاته، ويمكن أن يبقى في سرت أو في منطقة تراغن في الجنوب، وهي منطقة بشير صالح، ويمكن لفرنسا أن توفر له الحماية العسكرية في منطقة محددة من بضعة كيلومترات لا يُسمح لأحد بدخولها وتكون منطقة مخصصة لإقامة القذافي. يمكن أن تُجرى انتخابات يترشح لها أحد القيادات من المجلس الانتقالي ونريدك أنتَ (وأشار إليّ) أن تكون رئيس ليبيا، وفي الدورة الثانية من الانتخابات (بعد أربع سنوات) يُسمح لسيف الإسلام القذافي بالترشح. فما هو رأيكم في بقاء القذافي داخل ليبيا أو خروجه من ليبيا؟.

أجبت: هذه المبادرة لا بُد أن تُعرض على المجلس الوطني الانتقالي لدراستها والرد عليها بشكل رسمي. قال لي: ما هو رأيك الشخصي في هذه المبادرة؟ قلت رأيي الشخصي أن وجود القذافي داخل ليبيا سيسبب مشكلة لأنه طالما هو موجود فهذه دعوة لأتباعه لاستمرار مقاومتهم للثورة، وهو لو انتقل الى خارج ليبيا فهذا أيضاً سيسبب مشكلة لأنه سيحوك المؤامرات لإسقاط النظام الجديد. قال: لا داخل ليبيا ولا خارج ليبيا! قلت له: مكانه الحقيقي أن يكون في قفص وأن يقدَّم للمحاكمة فهذا المكان الطبيعي للقذافي. أما بالنسبة لرئاسة ليبيا فهذا قرار للشعب الليبي وليس لمحمود جبريل. وقلت لساركوزي أنني سأرد عليه بعد حوالى ثلاثة أو أربعة أيام.

خرجت من اللقاء وسافرت فوراً وتحدثت الى مصطفى عبدالجليل وأرسلت اليهم في المجلس الوطني الانتقالي النقاط الرئيسية في المبادرة الفرنسية ليكونوا على إطلاع وليبدوا رأيهم في تلك المبادرة. قلت لمصطفى عبدالجليل أنه بالنسبة لي فإن أي مبادرة تتيح استمرار النظام في أي شكل من الأشكال هي انتحار لأن القذافي في حال استمرار نظامه في السلطة فإن كل الوجوه التي تقدمت في هذه الثورة ستنتهي وستُنسَف كل أحلام الليبيين. عقدة الانتقام لدى القذافي ونظامه عقدة متأصلة. وبالتالي، من وجهة نظري، هذه المبادرة يجب أن لا تُعطى الأهمية الكافية. وقلت له: أنا رهاني الحقيقي هو على انتفاضة طرابلس، لو تمت بالكيفية المخطط لها فستؤدي الى سقوط النظام، وإذا لم تنجح الانتفاضة فأنا على المستوى الشخصي سأتقدم باستقالتي وأترككم لكن لن أشارك في مشروع سياسي بهذا الشكل. تلك المبادرة الفرنسية كانت في بداية تموز (يوليو) 2011. أرسلنا ردنا الى فرنسا وقلنا إن أي حل لا يؤدي الى إقامة نظام جديد يتفق وأحلام الليبيين مرفوض فاستمرارية النظام غير مطروحة للنقاش.

> هل كانت قطر موافقة على مبادرة ساركوزي؟

– ربما بشكل غير مباشر لأن حمد بن جاسم (رئيس الوزراء السابق) لمح في لقاء بيننا، بحضور محمود شمام، إلى أن المبادرة جديرة بالدراسة وربما يمكن أن تُدرَس جوانبها الإيجابية. ضمنياً الرأي ربما كان أن هذه المبادرة أفضل من الاستمرار نحو المجهول. كل المبادرات التي كانت تُطرَح كانت من منظور رؤيتهم أن هناك عجزاً عسكرياً لإنهاء الأمر، وقال لي ذلك ساركوزي صراحة. أيضاً حمد بن جاسم لمح الى ذلك بشكل صريح بأن المسافة بعيدة للوصول الى طرابلس وإلى متى سيدعمكم المجتمع الدولي عسكرياً وأنتم غير قادرين على حسم هذا الموضوع بشكل نهائي. خصوصاً أن جبهة البريقة كانت في حركة كرّ ووفر، الثوار ينتقلون من جدابيا الى البريقة ثم تعيدهم قوات النظام الى جدابيا، فيحاولون مرة أخرى، وهذا تكرر مرات عدة كطابة كرة الطاولة. هذا أعطى انطباعاً أن لدينا عجزاً في أن نحسم عسكرياً وبدأت المبادرات تتوالى.

مبادرة عبدالإله الخطيب (وزير الخارجية الأردني السابق) مثلاً التي كانت بتكليف من أمين عام الأمم المتحدة. الخطيب طرح مبادرة بعد أن زار حكومة القذافي مرتين أو ثلاث مرات، حيث التقى البغدادي المحمودي رئيس الحكومة، والتقى سيف الإسلام القذافي على انفراد، وعبدالعاطي العبيدي، الذي كان وزير الخارجية بدلاً من موسى كوسى، وزارنا نحن. المبادرة كانت تقوم على تشكيل مجلس رئاسي مؤلف من شخصَين من المجلس الوطني الانتقالي وشخصين من النظام – لكن يتم اختيارهما من الشخصيات غير المعروفة بولائها الشديد للنظام من التكنوقراط – ويتفق الأربعة على تعيين شخص خامس رئيساً موقتاً للبلاد على أن يتنحى القذافي ولكن لا يُحاكَم ويستمر كرمز فقط. أيضاً فكرة تقاسم السلطة رُفِضَت من قبلنا.

أقصد أن المبادرات كانت رد فعل لرؤية المجتمع الدولي أن الثوار غير قادرين على الحسم العسكري فجاءت انتفاضة طرابلس لتحسم هذا الأمر والحمد لله أنها تمت بالكيفية المطلوبة. لكن ما تبع الانتفاضة هو هذا الانحراف الحقيقي في مسار الثورة، فخريطة الطريق التي قدِّمَت الى المجتمع الدولي كانت تدعو الى دولة مدنية، دولة التسامح، دولة القانون، دولة الديموقراطية… عندما جرت الانتخابات وظهرت نتيجتها بفوز «تحالف القوى الوطنية» للأسف فإن تيارات عديدة تُمسِك السلاح وجدت أن هذا الأمر لا يروق لها فاكتشفنا أننا ربما تسرعنا في اجراء الانتخابات في ليبيا فقد كانت قضية بناء الدولة أهم بكثير، أن تبنى الدولة أولاً ثم تجري الانتخابات في ظل دولة بجيشها وشرطتها وقضائها وليس في ظل تشكيلات مسلحة منتشرة.

> هل قدَّم القذافي أي عرض لك خلال الثورة؟

– سيف الإسلام أرسل إلي عبر أحد الأخوة الذي يعرفني ويقيم في المغرب، وهذا الأخ، لأنه لم يكن يعرف مكاني ولا رقمي في أثناء الثورة، اتصل بصديق لي اسمه تميم عثمان في لندن وقال له إنه يريد محمود جبريل لأمر عاجل لأن سيف الإسلام اتصل به ويريد التحدث معي. اتصل بي تميم عثمان واتصلت أنا بدوري بعلي زيدان، الذي هو رئيس الوزراء الآن وكان في ميونيخ في ألمانيا في ذلك الوقت، وقلت له: اتصل أنت بهذا الشخص في المغرب وأبلغه أن محمود جبريل غير موجود والاتصال به غير متاح وإذا كان هناك أي شيء يمكن إبلاغك أنت به لكن أنا لا أتحدث مع أي شخص. وقام علي بالاتصال بذلك الشخص المقيم في المغرب الذي قال له إن سيف أراد التحدث الى محمود جبريل ليلتقي به. وعندما بُلِّغ بالرد الذي قلته لعلي زيدان توقف الأمر عند هذا الحد.
مرة أخرى كان هناك طلب من أحد أتباع سيف للقاء وأيضاً رفضت، وذهب علي زيدان للقائه في النروج. أرادوا إيجاد مخرج وحل بعدما وجدوا أن العملية صعبة عليهم مع وجود القصف الجوي للحلفاء أحسوا أن القضية عسكرياً ستكون نهايتها خاسرة بالنسبة لهم فكانوا يبحثون عن حل سياسي، وهذا الحل السياسي كان العنوان الرئيسي له اقتسام السلطة.

الوالد يستغل الابن

> كيف تنظر الى سيف الإسلام الذي حاول الإعلام تلميعه وتقديمه كإصلاحي قبل اندلاع الثورة؟
– رؤيتي له أنه شخص مذبذب ليست لديه رؤية واضحة للتنمية، مثل مَنْ يتسوق من واجهات المحال المغلقة في شوارع أوروبا، Window shopper يرى المعروضات ويُعجب بها ويختار ما يريد منها ولكنه لا يشتري شيئاً. أنا أعتقد أن سيف تم استغلاله من قبل والده بشكل واضح، فهو أحس بعلاقته بالدوائر الغربية والقذافي يهمه استمرارية هذا النظام، فقسَّم العمل ما بين أبنائه، فمعتصم كان مخصصاً للتعامل مع الحرس القديم واللجان الثورية، سيف يتحدث مع مَنْ يسمونهم «الإصلاحيين» والغرب لإظهار أن هناك انفتاحاً، لكن الهدف الأسمى «أينما تمطر فخراجها لي»، كلهم أبنائي في النهاية.

> هل كانت علاقة سيف جيدة بالأجهزة الغربية؟

– أنا أعتقد أن علاقته بالبريطانيين تحديداً كانت علاقة قوية وبجهاز المخابرات البريطاني، وأعتقد أنه في العفو عن تيارات الإسلام السياسي والمصالحات والمراجعات لعب البريطانيون دوراً كبيراً جداً في اقناع سيف بهذا التوجه. أعتقد أن سيف كان لديه اعتقاد أنه سيحكم من خلال «الإخوان المسلمين» وأنهم سيساعدونه في الوصول الى الحكم وأنه سيجعلهم حلفاء له وشركاء في الحكم. هذه قراءتي، أغلبهم جاؤوا من بريطانيا ولم يشاركوا في مؤتمر المعارضة في 2005 ضد النظام ربما لأن بوادر هذا الصلح ما بين النظام و»الإخوان» بدأت تتبلور على الساحة البريطانية بمباركة المخابرات البريطانية. سيف دفع ثمن الاقتناع بهذه الصيغة لأنه كانت هناك مراهنة من الدوائر الغربية على ان «الإسلام السياسي» سيسود في المنطقة.

> كنت ذكرت أنه عثر في مكتب البغدادي المحمودي على خطة لتقسيم ليبيا؟

– أجل وُجِدَت خريطة لتقسيم ليبيا الى خمس مناطق بينها منطقة للقذافي بحيث تتبع المنطقة الغربية نظاماً والمنطقة الوسطى تتبع نظاماً آخر وتكون مصراتة منطقة عازلة ما بين نظام القذافي ونظام الثورة. كان هناك تصور بهذا الشكل حتى أنهم وضعوا نسباً من الثروة النفطية لحصة كل منطقة ما يدل على أنهم فكروا جيداً في الأمر.
> حصلتم في الانتخابات على العدد الأكبر من الأصوات ومنعتم من رئاسة الحكومة؟
– طبعاً.
> ثم استقلت؟
– استقلت في 23 تشرين الأول (أكتوبر) يوم إعلان تحرير التراب وتخليت عن المكتب التنفيذي وبدأت وزملائي جولة في كل المدن الليبية زرنا فيها حوالى 38 مدينة التقينا بالناس وسألناهم احتياجاتهم وأحلامهم. كانت نتيجة هذه الجولة تأسيس «تحالف القوى الوطنية» ووضع له ميثاق شارك في إعداده الكثير من الأحزاب والشخصيات الوطنية وأعلن هذا الميثاق وكانت حركة التفاف شعبي كبيرة جداً حوله. يدعو الميثاق الى قيم نعتبرها سامية لا يختلف عليها اثنان من الليبيين مثل إبعاد الأيديولوجيا، الحديث عن التنمية، الحديث عن ليبيا لكل الليبيين لا إقصاء لأحد، انتهى عصر التهميش، أن كل الليبيين مدعوون لإعادة بناء وطنهم، لا محاكمة إلا بقانون… وأعلنت ستة مبادئ رئيسة: سيادة الوطن – وحدة التراب – الشريعة الإسلامية بوجهها المعتدل تكون هي الإطار المرجعي – التنمية المكانية – لا مركزية نظام الدولة، وهذه أوجدت التفافاً من الليبيين حول هذه الثوابت الرئيسة. كنا نتحدث عن التعليم، عن الصحة، عن السكن، عن البطالة، التي هي فعلاً قضايا حياتية بالنسبة للناس. ودعونا الى حوار وطني وأن الاستحقاق استحقاق وطني وليس استحقاقاً سياسياً. فالاستحقاق السياسي يبدأ عندما يُصاغ الدستور ويُعتمد لأنه هو الذي يحدد قواعد الحراك السياسي. حراك سياسي من دون دستور مثل مباراة كرة قدم من دون حَكَم فقد تتحول الى مصارعة ثيران بدل أن تكون مباراة بقواعدها وبلوائحها. للأسف هذا الأمر لم يُستمع اليه وانتهينا الى ما انتهينا اليه الآن من تشظ للسلطة، وتشظ حتى داخل المدينة الواحدة، وفرقة وتشتت، واغتيالات، وصراعات. ما كان للثورة الليبية أن يكون هذا مآلها لو اعتُمِدَت خريطة الطريق ولم تُغيَّر من المجلس الوطني الانتقالي، فالمجلس الوطني الانتقالي أنجز إعلاناً دستورياً بشكل سريع، بعد تحرير طرابلس، واعتمد هذا الإعلان وهو مناقض تماماً لخريطة الطريق التي قدمناها للعالم والتي جلبنا على أساسها الاعترافات.
> لماذا تصرف المجلس الوطني على هذا النحو؟
– لو راجعنا الإعلان الدستوري سنجد أنه نسخة عمّا تم انجازه في العراق كأننا سنمر تماماً بالتجربة العراقية نفسها. أولاً مدَّ الفترة الانتقالية، الفترة الانتقالية في غياب مؤسسات الدولة وفي غياب جيش وشرطة هي دعوة صريحة الى الانفلات الأمني والفراغ السياسي وهذا ما حدث. ثانياً، صياغة قانون انتخابات بطريقة تتيح لتيارات معينة فرصة الالتفاف على ما يسمونه «الصوت المتحوِّل» بحيث أن بقايا ما يحصل عليه المرشح يُضاف الى المرشح الذي يليه. فانتهى الأمر أن بعض التيارات فازت بالانتخابات ليس بسبب الأصوات التي حصلت عليها ولكن بما تبقى من أصوات لكائنات أخرى فأضيفت اليها، فحصلت على مقاعد. قانون الانتخابات كان غير ديموقراطي على الإطلاق ورغم ذلك رضينا بهذا القانون وخضنا الانتخابات وفاز «تحالف القوى الوطنية» بغالبية مقاعد الكيانات السياسية، إضافة الى المستقلين الذين يشكلون غالبية. ثم اكتشفنا أن بعض المستقلين دخلوا الانتخابات كمستقلين بينما هم في حقيقة الأمر ينتمون الى «العدالة والبناء» (أو «الإخوان») ورغم ذلك حصل «تحالف القوى الوطنية» على النسبة الأكبر من المقاعد كقوة منفردة، ولكن فاعلية هذا الكيان داخل المؤتمر أمر آخر. «الإخوان المسلمون»، أو ما يُعرف بحزب «جبهة الإنقاذ»، التي كانت حركة معارضة لنظام القذافي منذ عام 1980-1981، كانت لديها كوادر مؤطرة وكوادر مدربة ذات خبرة سياسية وخبرة تنظيمية، بينما «تحالف القوى الوطنية» أسِّس في 21 شباط (فبراير) 2012 ودخل الانتخابات في 7 تموز (يوليو) 2012 أي خلال خمسة أشهر ورغم ذلك اكتسح الانتخابات فكانت ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ التنظيمات السياسية العربية. لكن هو يمثل حركة شارع والشارع هو حصاد لتجربة القذافي التي امتدت 42 سنة التي كانت في أساسها التصحر السياسي وغياب الخبرة السياسية وغياب التأطير التنظيمي لهؤلاء الأعضاء داخل المؤتمر ما جعلهم في مواجهة مَنْ يمتلكون الخبرة التنظيمية والخبرة السياسية من حيث التأثير، بحيث أصبح تأثير الأقلية أكبر بكثير من تأثير الغالبية. ثم استُعمِل السلاح لمنع «تحالف القوى الوطنية» من ترؤس الوزارة وكانت هناك تهديدات أن مَنْ يصوِّت لمرشح «تحالف القوى الوطنية» في الوزارة – الذي هو أنا – سيتم منعه بالقوة، بل تم التهديد بقصف مبنى المؤتمر بصاروخ لو تم التصويت لمحمود جبريل. الكثير من الأعضاء جاؤوا وحدثوني أنه خوفاً على سلامة العملية السياسية، وخوفاً على الشرعية، وحتى لا يدخل البلد في متاهات، اختاروا مبدأ السلامة بدلاً من أن يدخلوا في هذه المغامرة، فمُنِع «تحالف القوى الوطنية»، وانتخِبَ مصطفى أبو شقور ثم رفضت التشكيلة وكلف علي زيدان عندما دخل في انتخابات مع مرشح «الإخوان» واسمه محمد الحراني ففاز علي زيدان في الانتخابات كمستقل.
كانت ظاهرة غريبة. للمرة الأولى في التاريخ السياسي المعاصر يرغم حزب الغالبية على الجلوس في مقاعد المعارضة، فعادة حزب الغالبية هو الذي يحكم والأقلية هي التي تعارض. في ليبيا حصل العكس. في ليبيا أجرينا انتخابات من دون دولة وعادة الدولة تقام أولاً ثم تُجرى الانتخابات، يبدو أن أمورنا دائماً تأخذ شكلاً مناقضاً.

الكلمة للسلاح

> ماذا عن قانون العزل؟
– أقر بقوة السلاح في حزيران (يونيو) 2013 وأنا مشمول بالعزل، وهو ينص على إقصاء الدولة وليس إقصاء النظام. في تجربة البعث كان الحديث عن اجتثاث البعث: كل مَنْ له فكر أو مؤطر في تنظيم البعث سواء كان في الحكومة أو خارج الحكومة عُزِل، أما في ليبيا فكان عزلاً للدولة، كل مَنْ عمِلَ في الدولة الليبية من منصب معين فما فوق، منذ 1969 عام تولي القذافي السلطة الى حين إقرار قانون العزل، يُعزَل. ترتب على ذلك إفراغ حقيقي للدولة الليبية من كوادرها. افرغ الجهاز الإداري للدولة. والغريب أن الشخصيات التي قامت بأدوار واضحة في الثورة والذين هم مشمولون بحكم محكمة القذافي بالإعدام تأتي الثورة لتعزلهم، بينما الأشخاص الذين لم يشاركوا في الثورة ولم يأتوا إلا بعد أن استقرت الأمور تصدروا المشهد الآن ليتحدثوا عن العزل وليصنفوا الناس هذا مع الثورة وهذا ضد الثورة! أنا مشمول بالعزل وعبد الرحمن شلقم مشمول أيضاً.’الحياة اللندنية’

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى