من مانجا مرسي إلى بيض الببلاوي ثم كفتة عبد العاطي .. مصر غارقة في بحور السخرية
أكد أثريون مصريون أن قدماء المصريين عرفوا فنون السخرية من حكامهم، وأن حرية التعبير عن الرأي كانت جزءا أصيلا من ثقافة الفراعنة وقد إشتهر المصريون على مر التاريخ بخفة ظلهم وإطلاقهم النكات فى أصعب الأوقات ففى أصعب المواقف تجدهم يسخرون من الأوضاع المحيطة بهم وذلك للتخفيف عما يشعرون به من قهر ومرارة.
وقد خرجت روح الدعابة والسخرية من إطارها الإجتماعى الساخر لإطار أخر وهو السخرية السياسية و خاصة بعد قيام الثورة نتيجة إنشغال المصريين بالسياسية حيث ظهرت العديد من برامج السخرية السياسية وخصوصاً بعد إهتزاز صورة العديد من الشخصيات المنتمية للنظام السابق.
وكان بعضهم فنانين ورياضيين ومثل هؤلاء مادة خصبة لبرامج السخرية السياسية التى حظيت بإقبال جماهيرى كبير ونسبة مشاهدة عالية مثل “بنى أدم شو” للفنان أحمد أدم وبرنامج “قلة مندسة” لمحمود عزب و زلطة شو وبرنامج ” البرنامج” لباسم يوسف الأكثر جدلاً و إنتشاراً وقد تناول الأحداث السياسية لمصر بأسلوب ساخر وأنتقد فيه العديد من السياسييين والشخصيات العامة ورجال دين أيضاً وقد وجهت لهذا البرنامج العديد من الإتهامات بالتطاول على رموز دينية بالإضافة لإتهامة بإهانة الرئيس .
الطب النفسي يؤكد : التهكم اليومي موقف رافض للواقع
السخرية سلاح مزدوج للمصــريين تعكس تأثير الأحداث
ولم تقتصر ظاهرة البرامج السياسية الساخرة على مصر فقط فقد ظهرت فى العديد من دول الربيع العربى مثل تونس حيث أنتقدت بعض البرامج شخصيات سياسية على رأسها رئيس الدولة والغنوشى زعيم حركة النهضة وقيادات أخرى بالدولة وقد تم منع هذه البرامج من العرض .
وأخيرا إلى مصر حيث اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وعدد من الدول العربية موجة من السخرية بعد الإعلان عن توصل القوات المسلحة المصرية إلى علاج لمرض الايدز ومرض الكبد الوبائي “فيرس سي” ونشر موقع إيلاف تفرير حول هذا الموضوع يقول إحنا شعب إبن كفتة” بدلاً من “شعب إبن نكتة” و”لواء أركان طرب” بدلاً من “لواء أركان حرب”، وصولاً إلى شعار “إحنا اللي عملنا الإيدز طحينة” و”عاش عبدالعاطي كفتة” وغيرها من الشعارات والعبارات والكلمات الساخرة، إجتاحت مواقع التواصل الإجتماعي في مصر وغيرها من الدول العربية خلال الأيام الماضية، في ما يمكن تسميته أعلى موجة تهكم وسخرية منذ قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي، تفاعلاً مع ما تم الإعلان عنه في مصر قبل أيام عن توصل القوات المسلحة المصرية إلى علاج للإيدز، وأن للأمر علاقة بالكفتة.
عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ومن خلال البرامج التلفزيونية، وعلى رأسها برنامج البرنامج لباسم يوسف، وحتى في ما يتعلق بالواقع اليومي في مصر، وصلت موجة السخرية العاتية إلى أعلى مراحلها، وأصبح التهكم على أي شيء وكل شيء هو السمة الغالبة في مصر، خاصة أن حرية تبادل المعلومات أو ما يسمى بالاعلام الموازي عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والحرية الاعلامية غير المسبوقة التي تصل إلى حد الإنفلات، وكذلك كثرة المواقف المثيرة للسخرية تسبب في هذه الحالة.
مرسي والمانجا
ولكن هناك مواقف شهيرة كانت لها أصداء هائلة، أشهرها ما أعلنه الرئيس السابق محمد مرسي عن وصول مصر إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي من المانجا، مما تسبب في ردود أفعال ساخرة بصورة إهتزت معها صورة رئيس الجمهورية بشدة، وبلغت حدة التفاعل مع قصة الإكتفاء الذاتي من المانجا، إلى تأليف أغانٍ وتصوير كليبات تتهكم على إكتفاء مصر من المانجا، وكان المبرر في ذلك أن مصر لم تصل إلى ما هو أهم، وهو الإكتفاء الذاتي من القمح “رغيف الخبز”.
بيض الببلاوي
وفي عهد رئيس الوزراء المستقيل حازم الببلاوي تم الإعلان عن الإكتفاء من “البيض”، مما جعل السخرية تتواصل، وسط إتهامات من هذا الطرف أو ذاك بأن التهكم والتفاعل مع المواقف المختلفة له دافع سياسي، في إشارة إلى أن غالبية من تهكموا على تصريح الإكتفاء الذاتي من البيض ينتمون إلى تيار الإخوان، ويتعاطفون مع الرئيس المعزول محمد مرسي.
عبدالعاطي كفتة
وكان الموقف الأخير الذي تزامن مع إعلان القوات المسلحة المصرية عن التوصل إلى علاج للإيدز وفيروس “سي” الكبدي، بحضور الرئيس الموقت عدلي منصور، والمشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع، هو أكثر المواقف التي فجرت موجات عاتية من السخرية والتهكم، خاصة بعد إعلان أحد كبار الضباط، وهو اللواء الدكتور إبراهيم عبد العاطي رئيس لجنة الأبحاث عن قيام الجهاز الذي إخترعته القوات المسلحة المصرية بأخذ فيروس الإيدز أو غيره من الفيروسات من جسم المريض ثم إعادة تقديمه له على شكل “اصبع كفتة” للقضاء على المرض نهائياً.
وإنفجر الفيس بوك وتويتر بالسخرية، وسط أنباء عن أن اللواء عبدالعاطي يعمل في الأساس في مجال العلاج بالأعشاب واستعانت القوات المسلحة المصرية به، كما خرجت الأوساط العلمية المصرية والعالمية لتشكك في الأمر برمته، على إعتبار أنه لم يأخذ منحى الأبحاث العلمية المعروفة.
سخرية تقتل الإنتماء
من جانبه، يعلق الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي الشهير، على ظواهر التهكم والسخرية فيقول :”قد يقول البعض إن السخرية هي بديل البكاء والعويل أو حتى صورة أخرى لهما، ويعتقد أن السخرية أو البكاء مرحلة هامة في طريق التغيير، في حالة عدم التوقف عندها، الأغلب أن تكون السخرية موقفًا مجمِّداً، مثل هذه السخرية هي بمثابة بصقة كاوية، هذه السخرية القاسية الجارحة تكتفي بنفسها من موقف حكِمّي فوقي رافض، لا أكثر”.
بقلم : عادل عبد العزيز.. رئيس التحرير