اعتبر يا من تؤيد الانتخابات الشركية
قرأت لأحد منظري الدولة الإسلامية ما معناه أن انتخابات الرئاسة هي بدعة شركية وأن ما جرى عليه الشرع وما ورد ذكره شرعا هي البيعة وليست الانتخابات , و الانتخابات هي بدعة.
أود أن أناقش هذان المفهومان ,مفهوم البيعة ومفهوم الانتخاب
البيعة هي عهد في ذمة المبايع للمبايع له بالسمع والطاعة,
أما الانتخابات فهي اختيار ومبايعة للفائز فيها, فهي عملية أو أداة تختار عبرها الأمة بأفرادها ممن لهم حق التصويت من سيحكمها فترة من الزمن طالت أم قصرت, وتبايع الفائز بالسمع والطاعة.
هي من أدوات الحكم والدولة كالبيعة قديما , وهذه الأدوات تتغير بتغير الزمان . وتتطور حسب حاجة الأمم , ومثال على ذلك ما كان يسمى قديما ببيت المال , أصبح الآن وزارة المالية والبنك المركزي, لأن الواجبات المالية أصبحت كبيرة وأعبائها كثيرة فلا يمكن أن تبقى إدارة واحده.
وقد ادخل سيدنا عمر رضي الله عنه الدواوين في الدولة وهي لم تكن معروفه بل هي أداة فارسية, فاختيار الأدوات في الدولة ليس قضية شرعية بل قضية إنسانيه قابله للتطور والتغير.
كذلك طريقة اختيار الحاكم , إذ لا يعقل في يومنا هذا أن تأتي جماعة من الناس مهما كانت صفتهم برجل معين وتلزم الأمة على مبايعته وإلا ضربت أعناقها.
لو كانت “طريقة” اختيار الحاكم ضرورة فقهيه لوجدنا آية كريمة أو حديث شريف يدل عليها, فتركها يعني أنها إنسانية وقابله للتطور وفق احتياجات الزمان والمكان والبيئة. ولذا نرى الفروق واضحة بين طرق اختيار الخمسة الأول من حكام دولة الإسلام.
– أبو بكر الصديق رضي الله عنه رشحه عمر رضي الله عنه بناءا على اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم له لإمامة الصلاة وبايعه الصحابة . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوص له ولم يرشحه.
– عمر رضي الله عنه رشحه أبو بكر رضي الله عنه وبايعه المسلمون
– عثمان رضي الله عنه اختير من ستة رشحهم عمر رضي الله عنه وبايعه المسلمون
– علي رضي الله عنه رشحه نفر من المسلمين وبايعه البقية
– معاوية رضي الله عنه كان بالاتفاق بينة وبين الحسن رضي الله عنه
فلو كان لكان لاختيار الحاكم أو الخليفة نص فقهي ملزم لما اختلفت طريقة اختيار أول خمس خلفاء في الإسلام وفي خير القرون. وهل كان للحسن رضي الله عنه أن يخالف نصا ربانيا ويوافق لمعاوية رضي الله عنه, علما أن الحسن أفضل من معاوية ولا يختلف على هذا المسلمون.
هذا لمن يتكلم عن بيعة لا نعلم لها نصا أو فقها إلا أهواء وهوى ما له في الإسلام سند.
نعم هناك فقها للشروط التي يجب توفرها في الحاكم وفقها لطاعة الحاكم وفقها للاختلاف مع الحاكم ولكن ليس هناك أي ذكر لوسيلة إسلامية لاختيار الحاكم ولذا فان كانت قد تركت دون نص مع إدراك الأمة ضرورة ” وجود” الحاكم . حيث بايع الصحابة رضوان الله عليهم سيدنا أبا بكر قبل دفن المصطفى صلى الله عليه وسلم. وما حدث هذا إلا لعظم دور الحاكم في المجتمع والمحافظة على الدولة .
كل هذه الأهمية أدركها خير القرون , القرن الأول من الإسلام ولكنهم لم يلتزموا بطريقة واحده في اختيار الخمسة الأوائل من الحكام المسلمين.
أدخلت الخامس سيدنا معاوية لأنه اخذ البيعة من سيدنا الحسن رضي الله عنه سبط رسول الله , ولو كان في الأمر توجيه رباني لما بايعه .
نخلص إلى أن الانتخابات هي أداة من أدوات الحكم , بالضبط كما هي الدواوين , وكما هي ” الحسبة” التي أصبحت الأمن العام والبلديات والصحة الوقائية في زمننا, فتطورت حسب الحاجة .
هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى , القاعدة الشرعية هي أن كل الأشياء مباحة وحلال إلا ما جاء نص بتحريمه , ولا أرى نصا يوجب طريقة ما في اختيار الحاكم فتكون غيرها حراما ولا تحريما لاختيار جموع الأمة للحاكم
يقول البعض أن الاختيار يقوم به أولا أهل الحل والعقد !! , وهذا المصطلح لم يظهر إلا في عصور متأخرة من الإسلام ولا يوجد نص عليه في القرن الأول . ولو حاولنا تطبيقه اليوم وجب معرفة كيف يختار هؤلاء ” أهل الحل والعقد” ؟ ومن يسميهم ؟ أهو الإعلام ؟ أم الحاكم الذي سيختارونه ؟ أم كيف ؟ فهو مفهوم هلامي لم يحدد بعد.
قال الله سبحانه وتعالى “وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ” ويقول جل في علاه “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب”
فاطلب ممن يقول بتحريم الانتخابات أن يأتيني بآية كريمة أو بهدي من المصطفى عليه السلام يحرمها , وإلا تكونوا كالذين قال الله عنهم محذرنا منهم ” وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون
لي عودة في موضوع الديمقراطية, أو ما يسميه البعض فتنة الديمقراطية أو بدعة الديمقراطية قريبا إن شاء الله.
صالح بن عبدالله السليمان
http://salehalsulaiman.blogspot.com/