ناجح إبراهيم يكتب : 28 نوفمبر.. حمل السلاح أم الأكفان؟!
انطلقت في الأيام الماضية دعوات من خارج مصر لثورة إسلامية مسلحة ضد نظام الحكم المصري بحيث تبدأ يوم 28 نوفمبر وتستمر فعالياتها حتى تصل إلى قمة غليانها يوم 25 يناير المقبل لتكون ثورة جديدة تتشابه في قليل أو كثير مع ثورات الربيع العربي.. وكأننا لم نستفد شيئا من تجارب استخدام السلاح والعنف ضد الحكومات طوال أكثر من تسعين عاما كاملة بدأت فى الأربعينيات وما زالت مستمرة حتى اليوم.
أو كأن البعض صدق أننا كنا في الفترة الماضية في مرحلة السلمية واليوم سننتقل إلى الكفاح المسلح.
فأين السلمية الماضية والتفجيرات تدق رأس مصر كلها من سيناء حتى القاهرة مرورا بالغربية والشرقية والإسماعيلية فى الصحارى والشوارع والميادين وبالقرب من الجامعات؟.
وأين السلمية الماضية ومئات الكنائس والأقسام والمحاكم والنيابات والمبانى الإدارية والحزبية للجميع قد احترقت؟!
مصر لم تعرف السلمية إلا فى أيام ثورة 25 يناير الأولى ثم انهارت السلمية على يد الجميع وبدأت فلسفة الحرق والمولوتوف وإراقة الدماء من الجميع ضد الجميع!
وهل بقيت فى مصر دماء أخرى حتى تنزف ولا تحقن.. وهل بقى فيها شىء لم يحترق حتى تطالها نيران جديدة؟!
ألم تجرب الحركة الإسلامية العنف سنوات الطويلة.. فلم يرفع عنها ظلما أو يعيد لها حقا أو يجبر لها كسرا أو يفرج كرب سجين أو يخرجه!.
ألم يؤد قتل النقراشى باشا رأس الدولة على يد النظام الخاص إلى قتل رأس الدعوة الشيخ حسن البنا الذى كان فى قتله أكبر نكبة وكارثة على الإخوان؟!
ألم تكن الدولة والجماعة فى غنى عن فقد الاثنين.. وما تلا ذلك من مآسٍ ومتاعب للفريقين وبداية الصدام بينهما؟!
ألم تكن محاولة اغتيال عبدالناصر التى قامت بها ثلة من النظام الخاص دون إذن المرشد الهضيبى الأب وقتها سببا فى جلب أكبر الكوارث والبلايا والمصائب والفتن على كل الجماعة دون استثناء!!
ألم يكن قتل الشيخ الذهبى على يد التكفير والهجرة.. ومحاولة صالح سرية فى الاستيلاء على الحكم من السادات لها أسوأ الأثر فى السبعينات على الجميع؟!
ألم يؤد مقتل السادات إلى أكبر الكوارث على الحركة الإسلامية والوطن.. فاعتقل على أثرها 20 ألفا ساموا العذاب بعد أن كان ممنوعا فى عهد السادات.. وإذا بالدعوة الإسلامية تخسر كل شىء سنوات طويلة!!
ألم يكن الصراع المسلح بين الجماعة الإسلامية والجهاد والدولة المصرية سببا من أسباب تخلف الدعوة الإسلامية وحشر الآلاف من أبنائهما فى السجون ودوران آلة التعذيب بقسوة مرة أخرى بعد أن أوقفها أحمد رشدى.. وتبدأ عشرات الإعدامات وسوء المعاملة وإهدار الكرامة الإنسانية والدينية فى السجون.. ولولا المبادرة لاستمر هذا المسلسل البغيض حينا من الدهر.
لقد جربت بعض فصائل الحركة الإسلامية منذ الأربعينيات استخدام العنف والسلاح فما أغنى عنها شيئا فلم يرفع لها قدرا.. ولم يحرص دعوتها ودعاتها.. بل كان سببا فى وأد دعوتها وشحن دعاتها إلى السجون.. وتشويه صورتها وتلويث ثوبها الأبيض بالدماء الحرام.
إن أزمة الحركة الإسلامية المستعصية أنها تلدغ من الجحر الواحد مئات المرات ولا تتعظ أجيالها أبدا بتجارب الأجيال السابقة.. إنها تعمل دوما بنظرية التجربة والخطأ.. وهى نظرية مهلكة للجماعات والأمم.
إن شريعة الله منزهة أن تريق دماء أبنائها والدماء عامة فى حرب لا طائل من ورائها أو تريقها فى غير ميدان.
إنه لن يسمع صوت الأذان إلا إذا سكن صوت الرصاص.. ولن يلتفت أحد لعويل النساء والأطفال وأنات المرضى فى السجون ودعوة الدعاة إلا إذا توقف صوت التفجيرات.. فمتى أغمد السلاح استمع الناس لصوت النداء حى على الصلاة.. حى على الفلاح.
هذه هى خلاصة تجربتى فى الحياة أسوقها إلى الجميع سهلة واضحة مبسطة خالصة مخلصة.. فلن تعود البسمة وتغمر الفرحة كل دار من دور المصريين إلا إذا توقف قطار الكراهية والصراع والمولوتوف والمتفجرات والرصاص.
لقد أصيبت أمتنا بداء إراقة الدماء التى تسيل من الجميع فيعم القتل جنود وضباط الشرطة والجيش وشباب الحركة الإسلامية.. وتغيب التحيات وتحل اللعنات وتختفى المودات ويستمر التحريض المتبادل.. ومعه يضيع الموجود من الدين والشريعة.. ولا يأتى المفقود منها.. وتبقى مصرنا كالأم الجريحة التى تبكى تقاتل وصراع أبنائها على لا شىء ودون أن يحصلوا على شىء.
فهلا تمهلنا قليلا لنقرأ التاريخ قبل أن يضيع كل شىء ولا يبقى لنا شىء؟! هذا المحتوى من :