وسائل التواصل بيننا وبينهم
في بداية ظهور وسائل الاتصال الجماهيري كانت مجموعات ياهوو. حيث كانت هناك مجموعات لشتى الأغراض يتبادل أعضائها اهتماماتهم عبر رسائل البريد الإلكتروني، وتصنف الجماعات حسب الموضوع الذي تناقشه، سواء مراجعات كتب أو مواضيع السيارات أو شئون سياسية أو اقتصاديه، أو غيرها. ظهرت بعدها جماعات شبكة مايكروسوفت عبر قسمها ال(أم أس أن) تلتها جووجل عبر ما يسمى مجموعات جووجل, بالطبع كانت الجماعات تحت إدارة واضعيها وتحت إشرافهم, مما إعطائها نوع من الرقابة على ما ينشر.
ظهر بعدها الفيس بوك وتوتير، تلتها جووجل بلاس، وزالت الرقابة التي كانت مفروضة على المجموعات القديمة وتضائل تأثيرها، وبدأت تظهر عيوب التواصل الاجتماعي لدينا واضحة جلية.
كان الهدف الرئيس من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي هو زيادة الروابط الاجتماعية الإلكترونية بين المستخدمين للشبكة وتناقل الآراء والأخبار مهما كانت بسيطة. وبعد انتشارها استغلت كثيرا في العديد من الاستخدامات ومنها:
1 -التسويق الإلكتروني حيث يقوم المنتج او البائع لسلعة او لخدمة ما بالإعلان عن سلعته والتواصل مع المستخدمين وشرح مميزات سلعته ووسائل الحصول عليها وتلقى آرائهم ومقترحاتهم في كيفية تطويرها وتحسينها.
2 -تعميق الصلة بين المستخدمين لعلامة تجارية كبيرة وبين المستخدمين وتلقي آرائهم ومقترحاتهم وعمل المسابقات وحملات التسويق والإعلام وتعميق الولاء للعلامة التجارية.
3 -أصبحت وسيلة لتناقل الأخبار العامة ورأي الأفراد في هذه الأخبار وتحليلهم لها وتجميع الأفراد لتشكيل وعي مؤيد أو مضاد لقرار حكومي أو مرشح لانتخابات ما مستغلين ما يسمى بالصفحات العامة. إذ أصبح لكل وسيلة إخبارية أو مرشح أو شخصية عامة صفحة عامة تختلف عن الصفحات الشخصية. في الفيس بوك.
4 -استغلال ما يسمى الهاشتاق (#) في توتير والفيس بوك جووجل بلاس لتركيز مجموعة الأخبار وأراء المهتمين والمتابعين بحدث أو فكر معين.
5 -استخدمت وسائل الاتصال الجماهيري لحشد الشباب العربي بل والعالمي لمناهضة الظلم الذي استشرى في عالمنا وتسبب هذا الحشد الشبابي في إسقاط حكومات بن علي ومبارك وعلي صالح، وشكل وسائل ضغط على بقية الحكومات لتغيير سياستها وتعديلها لتلاءم العصر. أو تحاول إصلاح علاقتها مع المجتمعات والشعوب.
6 -ظهور طبقة جديدة من المفكرين والكتاب لا تتعرض للمنع الحكومي والرسمي، ونشؤ آرائهم وفكرهم بعيدا عن مقص الرقيب, مما زاد المنافسة والضغوط على الإعلام الرسمي والإعلام المطبوع بل وحتى الإعلام المرئي, بحيث بدأ الإعلام التقليدي يأخذ من الإعلام الجديد ويعترف به كمنافس
7 -استغلت الشركات المبرمجة او الراعية لوسائل الاتصال الجماهيري في جمع المعلومات والبيانات حول عشرات الملايين من المستخدمين وبيع النتائج للشركات الكبرى والحكومات لمعرفة اتجاه الرأي العام وتكلمت سابقا بمقال منفصل عن هذا الموضوع.
ما تكلمت عنه سابقا هي الاستعمالات الصحية أو المقبولة لوسائل الاتصال الجماهيري. ولكن للأسف ظهر لدينا في دولنا ومجتمعاتنا المتخلفة استخداما أخر أدى إلى نتائج خطيرة.
لعدم وجود رقابة ناتجة عن الوعي الداخلي ظهرت مجموعات لا تتقيد بأي رادع من ضمير تعمل على نشر الشائعات والأكاذيب وتتسبب في زيادة مستوى القلق وعدم الرضا الجماهيري والمجتمعي، وتذبذب الآراء بين الشائعة والحقيقة أو بين شائعة وأخرى؟
ظهور مستوى كبير من الألفاظ القبيحة المستعملة في بعض المواضيع وفي التعليق على بعض المواضيع فيها سب وتجريح وعدم احترام للآخرين وسبب هذا أيضا قلة الوعي الاجتماعي والخلقي، وعدم الإحساس بالمسئولية الدينية والأخلاقية.
ظهور مجموعات تحاول نشر العداء بين المجتمعات العربية، وهذا أكاد أرى انه حصر على الجماعات العربية، حيث تحاول هذه المجموعات نشر العداء بين مجتمعات الدول العربية، فمثلا لو كتبت حول موضوع يخص بريطانيا او فرنسا أو الصين او أمريكا, لا تجد من يرد على الكاتب بشتم بلده او نظام بلده, بل نجدهم يناقشون الفكرة التي طرحها بين مؤيد لها ومعارض. لا نجد أي سب او شتم، وألاحظ هذا في منتديات هذه الدول وهاشتاقاتها. ولكن لدينا نجد المصري او من ينتحل صفة المصري يسب الليبي والليبي يسب القطري والقطري يسب العراقي والعراقي يسب السعودي والسعودي يسب الجزائري، ولكن لا نعلم هل هم حقا كما يدعون ام هم فقط يحاولون نشر العداوة بين هذه المجتمعات؟
ليس هذا فقط بل نجده تطور الى انه أصبح شتما وسبا بين المدن والمجتمعات في البلد الواحد. كل يحاول النيل من الآخر. والحط من شأنه والصاق كل العيوب فيه.
وما انا متأكد منه ان بداية هذا المسلسل من التفرقة والقدح بدأت به جيوش الكترونية كالتي ظهرت في إسرائيل تحت رعاية الحكومة الإسرائيلية وتسمى ولدي ادلة وصور في هذا الموضوع تحت مسمى (JIDF) “جيش الدفاع الإسرائيلي الإلكتروني” مستغلين اشخاص يهود إسرائيليين مهاجرين من كل الدول العربية ويتقنون لهجات هذه الدول لإشعال نار العداء بيننا. .وكنت شخصيا تحت رقابتها وأسمي وجدته في كشوفاتها ولكن للأسف سقط الكثير من شبابنا ضحية لهذه النار التي اضرموها بدأوا يلقون فيها الوقود لتزداد اشتعالا، حتى أضحت نارا كبرى لا يمكن اطفائها الا بتعاون الجميع من عقلاء المجتمعات العربية.
واستخدام آخر سيء ظهر في وسائل التواصل وهو توجيه الشباب مستغلين عاطفتهم الدينية ومستغلين سوء الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دولنا إضافة الى عدم الشفافية التي تعاني منها كل الحكومات العربية بدون تحديد، وعمق الفساد المتغلغل في أنظمة الحكم العربية الذي هو كالسرطان الذي استشرى في الإدارات الحكومية من اعلى المستويات الى ادناها أضف الى ذلك انعدام العدل سواء القضائي او الاجتماعي او الاقتصادي. هذه الظروف أدت الى نجاح المنظمات الإرهابية وحاملي الأفكار الهدامة في استغلال طاقة وحماس واندفاع الشباب في تهديد مجتمعاتهم بل والى تكفير المجتمعات العربية المسلمة ووصفها بالمجتمعات المرتدة والكافرة. وارى ان هذه المجموعات وجدت المجال الرحب لها ليس في المساجد بل في شبكات التواصل الاجتماعي.
كتبت سابقا، ان ضعف الوعي الديني والاجتماعي وانعدام الإحساس بالمسئولية من خلال الظهور على الشبكة باسم مستعار هو السبب الرئيس في انتشار هذه الظواهر السيئة وقلت ان العربي يكتب بشخصية المستعارة ما يعبر عن شخصيته الحقيقية وحينما يظهر بشخصيته الحقيقية يتلبس شخصية مستعارة.
بالطبع انا لا اتهم كل من يكتب بشخصية مستعارة، فهنالك أسباب اجتماعية وسياسية تدفع وتجبر البعض عليها ولكن مثل هؤلاء يمكن معرفتهم بأسلوبهم وبمنطقهم وببحثهم عن الحقيقة والنطق بها وهؤلاء قلة للأسف.
يقول سبحانه وتعالى “مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” ويقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم (كفى بالمرء كذباً أن يُحدث بكل ما سمع) لو استعلمنا لهذا التوجيه الإلهي والحديث النبوي فقط لانتهت الكثر من المشاكل التي نراها على الشبكة الإلكترونية من نشر للفساد الاجتماعي ونشر للتفرقة والكراهية والحقد بين الافراد والمجتمعات ولقتلنا الشائعات التي تنتشر انتشار النار في الهشيم. ولأرضينا ربنا جل وعلا واهتدينا بهدي نبينا عليه ازكى الصلاة وأطيب التسليم.
اتقوا الله فينا، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في مجتمعاتكم، اتقو الله في اخوانكم، اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة. ولا تدعوا الفيس بوك أو تويتر أو غيرها تدخلكم مكان تدعون الله ليل نهار ان ينجيكم منه. فالعقاب ليس على صغر الفعل بل على تأثيره وعمقه واستمراريته، فمن سن سنة سيئة فعلية وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة والعياذ بالله.
صالح بن عبدالله السليمان
http://salehalsulaiman.blogspot.com