الكاميرا التي أسقطت الوزير
الكاميرا كما أنها الأداة التي يستخدمها المسؤول لتسويق إنجازاته الحقيقية والوهمية؛ فإنها في الوقت عينه قد تكون الأداة التي قد تتسبب في إسقاطه من على كرسيه الوثير، لذا فإن الهواتف الذكية ستكون الاختراع الأخطر على المسؤول، والتي كانت يوماً من الدهر من المحرمات الشرعية والمحظورات النظامية، التي تصادر منك على الحدود وتعتبر حيازتها مخالفة قانونية تستوجب المساءلة القانونية، وهذا يبين بعد نظر من تبنى تلك الحملة الضروس على جوال (أبوكاميرا)
ذلك الثقب الصغير في جهاز لا يتجاوز حجمه كف اليد هو من أسهم في إسقاط كبار المسؤوليين في الحكومة، وكان آخرهم وزير الصحة المقال الأستاذ أحمد الخطيب، والذي أقيل بأمر ملكي، بعد انتشار مقطع له وهو «يتشاجر» مع مواطن، تجرأ أن يطالب بحق والده في الرعاية الصحية من جهاز حكومي معني بتقديم هذه الخدمة، إلا أن الوزير وحاشيته لم يستوعبوا هذا المطلب البسيط، وقلبوها صراخاً لا يليق بمسؤول يمثل الدولة وينفذ سياستها.
الوزير السابق فشل -كما يبدو من المقطع- بأن يمتص غضب المواطن، الذي لم يخرجه من بيته إلا حاجته الملحة، الذي أعتقد بأن رأس الهرم في الوزارة قادر على حلها، إلا أنه وجد نفسه أمام وزير مرتهن لمن خلفه من «المعززين» من كبار الإداريين في الوزارة، يلتفت إليهم ليلتقط منهم الوحي والتوجيه، وهو يعيد بذلك قضية المواطن إلى من أزّمها ومن عقدها، حتى أصبحت بحاجة إلى تدخل الوزير، وهو ما دفع المواطن المكلوم إلى أن يقفز إلى أعلى درجات السلم ويصل إلى الوزير، لكنه وجد خصومه هناك، ووجد أن أحدهم يحدثه عن «البرتوكول» ووجوب الالتزام به وبقواعده الصارمة أثناء الحديث مع معاليه.
وعلى ذكر البرتوكول وبما أن الشيء بالشيء يذكر ونحن نتحدث عن الكاميرا وعن مقاطعها المسربة فأدعوكم للمقارنة بين مقطع الفيديو المسرب للوزير المقال وبين مقطع مشابه للرجل الثالث في الدولة والذي يقود وزارة سيادية تعنى بأمن البلد، وهو الأمير محمد بن نايف، إذ تقدم له أحد المواطنين بطلب الانضمام إلى أحد المؤسسات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية وفي أثناء الحديث يبدو أن الحماسة سيطرت على الشاب فذكر للأمير بأن التعيين في الوزارة يتم بـ(الواسطة) ومن لا واسطة له لا أمل له بأن يحصل على وظيفة، وهي العبارة التي تتكرر كثيراً على ألسنة الناس من دون وعي بأبعادها القانونية ومآلاتها الجنائية، إلا أن الأمير محمد بن نايف امتص غضب الشاب وذكر له بان الواسطة «خيانة» للبلد، وأنه إذا كان يعلم عن أي حالة من هذا النوع فيجب عليه أن يبلغهم، وستكون له «مكافأة» على ذلك ولم يتواجد خلف الأمير من يذكر المواطن بضرورة احترام «البرتوكول»، أو من يصرخ بصوت جهوري بأن الأمير (ليس شمساً شارقة)، بل انتهى الأمر عند ذلك الحد، ويمكن أن ذلك الشاب الآن مرابط مع زملائه في أحد القطاعات الأمنية يذود عن تراب وطنه.
الواقعتان متشابهتان تقريباً، لكن الفرق في مدى استشعار الوزير لمسؤوليته وطبيعة مهام وظيفته وإدراك أن أي تصرف أو رد فعل غير منضبط سيحسب على الحكومة؛ لأنها يمثلها أثناء أداء مهامه الوظيفية، ولا يمثل نفسه، وهنا تأتي أهمية الخبرة والمراس في العمل الحكومي، مع أننا نسعد بأن نرى شاباً يعتلي قيادة الوزارة، إلا أن ذلك لا يعني أن يكون تطبيق تلك الأمنية على حساب جودة الخدمة المقدمة للمواطن.