مقالات وآراء

أوربا في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية

بمناسبة الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية أعرب رئيس البرلمان الألماني (نوربيرت لاميرت ) عن امتنانه لدول الجوار بمصالحة ألمانيا عقب عام 1945وقال في جلسة استثنائية عقدت يوم 8 مايو 2015 في (البوندستاغ، البرلمان الالماني) : “إن استعداد جيراننا للمصالحة لا مثيل له في التاريخ كما لا مثيل للكارثة التي سبقتها” في إشارة إلى أعمال القتل والترهيب والترحيل والدمار التي قام بها النازيون في شتى أنحاء أوروبا تقريبا.

أما في باريس، فقد احتفلت بالنصر (تحت قوس النصر) عند شارع (الشانزليزيه) في باريس، فهذا اليوم هو يوم انتصار الحلفاء. فوضع الرئيس هولاند باقة ورد على تمثالي الجنرال شارل ديغول والجندي المجهول تكريما لكل الذين سقطوا تحت نيران النازية خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ولأجل الحرية.
في حين أن البوابة الوحيدة (براندبورغ ) في برلين كانت تمثل فيما سبق الانقسام في المدينة إلى شرق وغرب برلين، لكنها بعد سقوط جدار برلين في عام 1989 أصبحت بوابة “براندنبورغ” ترمز إلى الوحدة الألمانية. فتأتي اهمية بوابة براندبورغ بأنها رمز وحدة المانيا في التاريخ الحديث وربما تقف على الجانب الاخر الىه (قوس النصر) في باريس.

النازية و”الاخوان والجهادية”

النازية هي، شعور ممكن ان يحصل للفرد او الى مجموعة، قبل ان تكون تنظيما، عندما تعتقد او ترى ان عرقها (الآري) افضل من بقية الاقوام ونظرتها الى الاقوام الملونة، نظرة دونية. فألنازية، نادت بالقومية العدوانية، والتسلط العسكريّ، وتوسيع حدود ألمانيا وتمجيد ألعرق الألماني وشعوب شمال أوروبا الأخرى والذين أسموهم بالآريين. عارضت النازية الديمقراطية، والشيوعية، والاشتراكية، والأنظمة السياسية الأخرى التي تنشد أو تنادي بالمساواة.
فالنازية هي الفترة التي حُكمت فيها ألمانيا من قبل( حزب العمال الاشتراكي القومي الألماني) الحزب النازي بقيادة( أدولف هتلر) في الفترة 1933ـ 1945 . تأسست في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمكن المنتمون للحزب القومي الاشتراكي العمالي الألماني تحت زعامة أدولف هتلر من الهيمنة عام 1933 على السلطة في ألمانيا وإنشاء ما سمي بدولة الزعيم والمملكة الثالثة. التي أثارت الحرب العالمية الثانية وقد اتهمت بارتكاب المحرقة الهولوكوست بحق اليهود والغجر.
ما زالت هذه الأفكار والأهداف موجودة في عقائد وأنظمة بعض الأحزاب والمجموعات اليمينية وتسمى Neonazismus اليوم بالنازية الجديدة .

إن النازية ليست بالبعيدة عن الانظمة الشمولية التي عرفت بالقبضة الحديدية والتي خضعت تحت سيطرتها غالبية شعوب منطقة الشرق الاوسط. النازية هي التطرف القومي بعينه، وفي نفس الوقت هو التطرف الديني، عند الاسلام السياسي في المنطقة. ظهرت في المنطقة ظاهرة الاسلام السياسي والذي وصل الى حالة “الجهادية” المنفلتة، واستغلت الدين واجهة للوصول الى السلطة. وأعتمدت هذه الجماعات تركيبة بنيوية في تنظيماتها تقوم على اساس مشابه الى الى النازية.
إن واحدة من اسس النازية كانت تقوم على زرع افكار التطرف عند الشباب والفتوة، فأقامت المخيمات لعسكرة الشباب والفتوة دون سن البلوغ والتي لا تعرف شيء غير الولاء الى القائد الرمز. وهي ذات المبدء التي تتبعه جماعات اسلاموية اخوانية وجهادية تحت “الولاء والبراء”. وتلتقي جماعات الاسلام السياسي في المنطقة مع النازية في مفهوم الدموية، فالنازية وجماعات الاسلام السياسي الاخوانية و”الجهادية” اعتمدت التنظيم السري والتدريب وعلى قتل من يخافهم من اجل الوصول الى السلطة والتمسك بها.
فقد أثبت الجماعات “الجهادية والاخوانية” في ممارساتهم ألدموية، بانها تتشابه مع منظمة “بايدر باينهوف” الالمانية و تنظيم الجيش الأحمر في السبعينيات والالوية الحمراء الايطالية. المنظمة أشتهرت بالعمليات الدموية ضد المدنيين ألابرياء وقامت باغتيالات وتفجيرات وقتل ابرياء مما ادى الى تخلي من يتعاطف مهعا لتتحول الى تنظيم محظور.
فلم تكن تجارب “الدولة لااسلامية” هي الاولى لتجنيد الاطفال فقد كشفت التقاريربأن هذه الجماعات تخلط النموذج الايدلوجي للقاعدة مع نموذج الأنظمة الشمولية في بعض الدول العربية ودول العالم الثالث والاجنحة العسسكرية الى ايران. هي تتبع سياسة النازية التي اتبعها هتلر بتشكيل الشبييبة وتنظيمات حزب البعث بتشكيلات الاشبال والطلائع، وجميعها تصنف ضمن باب عسكرة المجتمع والغسل الايدلوجي الممنهج.

محاولات حظر اليمين المتطرف

أما النازيين الجدد فقد تأسس عام 1964، وكانت هنالك عدة طلبات لحظر الحزب اليميني المتطرف الحزب القومي الديمقراطي (إن بي دي) ابرزها عام 2003 بعد كشف النقاب عن سلسلة جرائم قامت بها خلية من النازيين الجدد في الفترة بين عامي 2000 حتى 2007 وراح ضحيتها عشرات الاشخاص. أستثمر النازيون الجدد “الأسلام فوبيا” في المانيا واوربا، لتتحول الى احد الموضوعات الهامة في الحملات الانتخابية تحت ذريعة”أسلمة أوربا”.
حاولت الحكومة الألمانية عدة مرات لتمرير قرار بحظر الحزب القومي الديمقراطي (إن بي دي)، لكنها فشلت بسبب قرار من المحكمة الدستورية. ورغم فشل اليمين المتطرف من الوصول الى البوندسرات ـ البرلمان ـ الالماني لكنه نجح بالصعود في ولاية ساكسونيا وحصوله على 10% من الاصوات والفوز ب 12 مقعدا في المجلس البلدي. لم تكن المانيا بمأمن عن اليمين المتطرف في اوربا، بعد ان شهد صعودا في بعض ولاياتها بالتزامن مع صعوده السياسي الى مراكز متقدمة في البرلمان وحكومات الاتحاد الاوربي ابرزها هولندا وفرنسا.
فمازالت المانيا تواجه تصاعد المنظمات اليمينية المتطرفة بالتوازي مع السلفية” الجهادية” على اراضيها، في اعقاب تعقد الصراع في سوريا منذ عام 2011. وابرز هذه المجموعات اليمينية المتطرفة هي “برو ويستفالن” وحركة” بيجيدا” العنصرية التي تنشط من اسمها في مقاطعة شمال الراين وشرق المانيا ، مدينة “دريسدن” والتي تهدف الى الحد من نشاط وتواجد الاجانب على اراضيها، وهدفها الاساسي هو منع بناء المساجد في المانيا وهذا ما جعل المواجهات تحتدم بينهم وبين الاجانب من المسلمين ومن جانب اخر مع السلفية” الجهادية”.
وضمن قراءة المانيا الى خطر اليمين المتطرف، فقد اتخذت خطوة استباقية ضد اليمين المتطرف داخل المانيا بازالتها قبر رودولف هيس، مساعد هتلر وحرق ونثر رماده في البحر بعد ان اصبح مزارا لليمين المتطرف في المانيا. كان ومازال المجتمع الالماني متضامنا مع الحكومة في مواجهة اليمين المتطرف من خلال اعتراض مسيرات اليمين الذي كان يعارض بناء المساجد والجمعيات الاسلاميه ابرزها في مدينة كولونيا وبرلين عام.
ورغم ذلك يدفع المسلمون والاقليات الاخرى في الغرب الثمن الصعب مقابل اعمال تلك المجموعات المتطرفه والتي عادة ما تتبعها جملة خطوات وقرارات لاتنتج الا اكثر صعوبة للاقلية المسلمة وتضييق على الاجئيين الجدد. فبعد اكثر من عقدين من الزمن قامت ألحكومة الالمانية وبموافقة عائلة (رودولف هيس) نائب الزعيم النازي (اودلف هتلر) في عام 2011 باستخراج رفاته من المقبرة التي دفن فيها بمدينة (فونزيدل) بمقاطعة بافاريا جنوب المانيا بعد ان بات الضريح محجا للنازيين الجدد من الشباب سنوياـ يذكر ان ( هيس) اقدم على الانتحار عام الف1987.
إن شعوب المنطقة اليوم تحتاج الى اقامة جداريات الى ضحايا انظمة الاسلام السياسي والشمولية ليتذكر ماخلفته السياسات المتطرفة.

*باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى