مقالات وآراء

نادر بكار يكتب: مذبحة الكاتدرائية.. الوطن ينزف مجددًا

بعد مرور يومين فحسب وبينما المصريون مشغولون بتضميد ما خلفّه تفجير الهرم من جراحات غائرة، وفى الوقت الذى كانت شاشات الفضائيات تبث مشاهد الجنازات مصحوبة بنوح الثكالى وصرخات الغضب؛ إذ بنا نروّع بفاجعة جديدة تراق فيها دماء أطفالنا ونسائنا غدرا فى تفجير العباسية.

رغم كل ما مر بنا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية فى سيناء وغيرها، إلا أنّنا فى الأغلب لم نشهد تتابعا لهجمات إرهابية كالذى مر علينا فى يومى الجمعة والأحد الماضيين.. وحتى فى عنفوانها لم تبلغ هجمات التسعينيات مثلا فاصلا زمنيا مقداره يومان فقط بين هجمتين نوعيتين كبيرتين.. والأمر لا يحتاج إلى خبرات خاصة للجزم بأن مستوى الحدثين ليس مما يصنعه الهواة أو تحركه دعوات التطرف وحدها.. حديث المؤامرة لا يحتاج إلى براهين فى عالم صار المكشوف فيه أكبر بكثير من المستتر.

(٢)
من المبكر برأيى إلقاء اللوم على تراخٍ أو تقصير أمنى، فالأمر أعقد بكثير من مجرد البحث عن كبش فداء لتهدئة الأجواء وترحيل المشكلة إلى توقيت ٍمستقبلى.. المنظومة الأمنية برمتها جزء ٌمن إطار كامل تتحرك فيه كل مؤسساتنا بل ونتحرك فيه نحن كأفراد حتى أولائك القابعين خلف شاشات مواقع التواصل الاجتماعى ينظّرون من فوق آرائكهم الوثيرة ويقعدّون القواعد حول ما ينبغى وما يجب.. إن كان ثمة خلل فى الإطار الكلى انعكس على درجة يقظتنا ومستوى تفكيرنا بل وحتى على جودة شخصياتنا وكفاءتنا العملية فلنحن كلنا شركاء فى ذلك للأسف.
الأمر معقد بالفعل لأنه لو أحبطت أجهزة الأمن عشرات المحاولات ووأدت فى المهد عشرات المخططات ثم وقع تفجيران كهذين وبهذه الصورة المتعاقبة فلن يغنى ذلك عنهم شيئا أمام أقرباء الضحايا.. والحقيقة أنهم ومن ورائهم شعب بكل أطيافه يخوضون حربا حقيقية أمام عدو تتعدد الجهات التى تدعمه تسليحا وتدريبا وتوجيها.. والحرب قاسية لها خسائرها حتى على الرابح المنتصر.

(٣)
ما خلفته مذبحة الكاتدرائية من ضحايا ما بين أطفال وسيدات جعلها أعظم فداحة من سابقتها فى كنيسة القديسين وأسوأ على الأرجح من كل حادثة استهدفت المسيحيين على مدار السنوات الماضية، وهو الذى يبرر حالة الغضب العارمة العفوية التى سرت بين المتجمهرين عقب التفجير مباشرة.. غضبٌ يمكن وصفه بـ(الجمعى) ظهرت آثاره فى الاعتداء على بعض الإعلاميين بشكل عفوى برأيى أنه يصعب تحليل أسبابه بطريقة منطقية أو الربط بينه وبين شخصيات المعتدى عليهم.. هو الغضب العارم والرغبة فى التعبير عنه.

(٤)
وما لا يقل خطورة عن التفجير نفسه هو ما قد يتسبب فيه البعض بكلماته غير المسئولة من إثارة فتن وتحريك اضطرابات بين أبناء الوطن الواحد.. علمتنا التجارب أن كثيرين ليسوا دائما على مستوى الحدث إمّا لتكوينهم العقلى المندفع الأهوج أو لتحقيق مكاسب شخصية ولو على أشلاء الجثث.
بدأ بالفعل فريق يستثمر دماء الضحايا فى النيل من خصومه السياسيين ويحرض ّمباشرة على النيل منهم والتنكيل بهم.. من هؤلاء من يخاصم كل الإسلاميين ويراهم مصدر كل شرور وبالتالى ينتهز فرصة كهذه لتصفية حساباته معهم.. وبإزاء هؤلاء آخرون ينتهزون نفس الفرصة للكيد فى النظام الحالى والسخرية منه والتحريض عليه.. أما من فقدت طفلها ومن قتلت أمها فليس لهن من كل هذا نصيب.

(٥)
بالتأكيد لم يحرص مدبرو عمليتى الهرم والعباسية على رمزية استهداف المسلمين يوم صلاتهم وأمام مسجدهم وبعدها بيومين ذبح المسيحيين يوم صلاتهم أيضا وداخل كنيستهم.. هذه الرمزية التى تؤكد أن الإرهاب بالفعل لا دين له وأن من الظلم بمكان نسبه إلى هُوية بعينها، اللهم إلا لو كان للتلذذ بإهراق الدماء وقتل الأطفال والنساء والتخريب والهدم وبث الرعب فى ربوع الآمنين هوية ٌتُذكر.
نقلا عن صحيفة ” الشروق”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى