تفجيرات "البطرسية"… استنساخ ثورة أم استيراد حرب؟؟
المشهد كان ملبدا بالغيوم يسوده مزيجا من البهجة احتفالا بالمولد النبوي الشريف، واستياء من جراء الغلاء الذي طغى تماما على أسعار حلاوة المولد التي أصبحت عرفا في كافة البيوت المصرية منذ قديم الأزل، ولكن في النهاية لم يكن اليوم احتفاليا ولم يكن مناسبا لتناول الحلاوة، حيث طغى لون الدماء على المشهد ليس فقط داخل الكنيسة “البطرسية” العريقة، ولكن لتمتد إلى داخل كل بيت مصري أصبحت مشاعر الأسى والخوف تسيطر على أفراده من جراء ما حدث.
توقيت الهجوم على “البطرسية”، والذي تزامن مع تلك الذكرى الإسلامية العطرة، ربما يحمل أهدافا عدة، منها تأجيج الغضب الشعبي ضد النظام، وكسر الالتفاف القبطي حول الرئيس، وتقويض الامال التي بدأت في الانتعاش حول موسم سياحي ناجح ربما يساهم في انتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية أو على الأقل تحسين الأوضاع، وتأجيج الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، ولكن ربما يتجاوز الأمر تلك الأهداف.
في الواقع أن تفجير الكنيسة، التي تتلاصق مع الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بل وتعد جزءا ملحقا بها، لم يكن أمر عشوائيا ولكن جاء بترتيب عميق من مخططي العملية، وهنا لا أقصد العملية الإرهابية في ذاتها، ولكن العملية هنا هي المخطط الكبير، والذي بدأ من خلال مقدمات شهدناها في الأشهر الماضية، وربما تناولناها على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من تعرية مسنة قبطية بإحدى قرى المنيا، مرورا بهجوم الأهالي على أحد المباني في قرية بسوهاج لمنع تحويله إلى كنيسة على حد زعمهم، وحتى قضية “مجدي مكين”، والذي لقب من قبل النشطاء بضحية اعتداءات الشرطة.
الخطوات تبدو متشابهة إلى حد كبير مع تلك المقدمات التي سبقت ثورة يناير في عام 2011، فبدأت بضحية للشرطة وهو خالد سعيد، مرورا بإغلاق كنيسة بمنطقة العمرانية، لينتهي الأمر بتفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، في الدقائق الأولى من العام، لتكون هي القشة التي قصمت ظهر النظام الذي قبع في حكم مصر لمدة ثلاثة عقود من الزمان، ولكن ربما يكون الاختلاف هذه المرة في طبيعة الهدف، فالأمر لا يقتصر على مجرد استنساخ مشهد الثورة في 25 يناير ولكنه يهدف إلى استيراد مشهد الحرب الطائفية في سوريا واليمن.
استهداف الأقباط بدأ في بعض قرى الصعيد، من خلال عدة حوادث كانت تهدف في الأساس إلى استثارة المشاعر الطائفية، بدأت بتعرية سيدة مسنة في المنيا، وهجوم الأهالي على أحد أماكن الصلاة في قرى بصعيد مصر، لتنتقل بعد ذلك إلى المركز في القاهرة باستنساخ نسخة قبطية من خالد سعيد، لتنتهي في النهاية باستهداف قلب الكنيسة المصرية، من خلال تفجير الكاتدرائية التي تعد بمثابة المقر الرئيسي للكنيسة المصرية.
من هنا نجد أن تفجيرات “البطرسية” ربما جاءت كخطوة تالية لمقدمات كانت تهدف إلى تهيئة البيئة الطائفية في مصر، من خلال أحداث متدرجة من حيث بشاعتها، تم الترويج لها بصورة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل استثارة المشاعر الطائفية لدى جموع المصريين قبل الهجوم الأكبر والذي سعوا إلى تحويله إلى قشة جديدة على غرار ما حدث من قبل في أعقاب تفجيرات كنيسة القديسين قبل ما يقرب من ستة سنوات.
ربما كان التضامن بين كل أطياف المجتمع ردا مهما على تلك المحاولة الغاشمة لضرب وحدة المصريين في مثل هذا التوقيت الصعب، وهو الأمر الذي بدا واضحا في الشوارع التي تحيط بالكنيسة، وداخل المستشفيات، وهو الأمر الذي يعكس فشل المخطط، ولكن ربما مازالت لدي مخاوف من تكراره.
حالة التضامن بين المصريين تعكس غباء تلك التنظيمات المتطرفة، ولكن ربما توجد مسئولية كبيرة على عاتق الحكومة، والتي ينبغي أن تتخذ إجراءات صارمة ضد من يثبت تورطه في إشعال الفتنة الطائفية ليس فقط في المدن الكبيرة ولكن أيضا في الأطراف والتي دائما ما يتم استغلالها تمهيدا لأحداث أكبر، إلا أن هناك دورا هاما أيضا يقع على عاتق النشطاء، ومنظمات حقوق الإنسان، والتي ينبغي أن تتحرك نحو تلك المناطق المهمشة، والتي تعاني من جراء الجهل وهيمنة دعاة التطرف على العقول هناك، لمجابهة تلك الأفكار وتعميق ثقافة المواطنة في المرحلة المقبلة
الورقة الطائفية هي السلاح الذي سوف يتبناه دعاة التطرف في الأيام القادمة في ظل الفشل المتواتر للتنظيمات المتطرفة سواء في على صعيد المعركة في سيناء بعد التراجع الكبيرة الذي لحق بهم هناك، وكذلك عجزهم في كسر الالتفاف المصري حول النظام في أعقاب القرارات الاقتصادية الأخيرة والتي من شأنها تحقيق الإصلاح الاقتصادي. سلاح الطائفية لا يهدف إلى الثورة هذه المرة ولكن يهدف إلى إشعال حرب من شأنها القضاء على الأخضر واليابس. محيط .. شبكة الإعلام العربية