تحقيقات وتقارير

حدود الحق في السلامة الجسدية

الدكتور عادل عامر
تعتبر السلامة الجسدية بمفهومها الواسع من أهم الحقوق الجوهرية للإنسان إن لـم تكن أسماها ، و هو حق كرسته معظم التشريعات و الدساتير علـى مـدى الأحقـاب و الأزمنة يقتضي عدم جواز المساس بجسم الانسان أو الاعتداء علـى كيانـه الجسـدي و المعنوي ، في أي ظرف من الظروف ، وتحت أي مبرر كان ، حتى و إن كان يهدف في مضمونه لمصلحة هذا الأخير.
تحظى الصحة و السلامة بأهمية بالغة في حياة الأفراد و الشعوب إذ تنبـع هـذه الأهمية أساسا من العلاقة الوثيقة بين الصحة و التنميـة ، فالمسـتوى الصـحي لأفـراد المجتمع يعد أحد الأهداف الرئيسة و أهمها للتنمية القوميـة ، لا سـيما بعـد أن أقـرت المجموعة الدولية للإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 الذي عدت بموجبه الصحة حقا أساسيا لجميع الأفراد بدون استثناء . و لتجسيد هذا الإعلان ميـدانيا تسـعى معظـم الحكومات جاهدة لتوفير مختلف الخدمات الصحية الضرورية و الأساسية لمواطنيها.
و أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي ، أصبح الأفراد متطلبين فيما يخص تقـديم الخدمات الصحية ، حيث ان المرافق العمومية الصحية لم تعد تلبي احتياجات الأفـراد ، فتم فتح هذا القطاع أمام الخواص لكي يقوموا بنفس العمل الذي تقوم به المستشفيات العامة مع بعض من الخصوصيات و الامتيازات في تقديم العلاج و الإيواء للمرضى.
فقد أصبحت هذه المؤسسات الاستشفائية الخاصة تلعـب دورا هامـا فـي تقـديم الخدمات الاستشفائية في وقتنا الحالي ، تنافس المؤسسات الاستشفائية العمومية فـي أداء عملها ، فكثيرا ما يفضل الأفراد اللجوء إلى المستشفيات الخاصة دون العامة ، بالرغم من المبالغ المعتبرة التي يدفعها المريض في سبيل الحصول على العلاج ، لكون هذه الأخيرة تتمتع بمستوى عال في تقديم الخدمات العلاجية و الفندقية للمريض.
إذا كانت القاعدة العامة في مسؤولية المستشفيات عن أخطاء الأطباء فيهـا ، إلا أن ذلـك ليس في كل الحالات ، و العمل بذلك المبدأ قد يفتح أبوابا لمزيد من الهفوات من طـرف الأطباء ، ذلك خاصة في مهنة لا تسمح أبدا لأي خطأ و لو كان يسيرا.
كان القضاء سابقا يقيم مسؤولية الأطباء و المستشفيات فقط على الأخطاء التي تصل حدا من الجسامة ، أما الأخطاء البسيطة فلا تكون في تلك المرحلة محلا للمساءلة بجميع أنواعها ، إلا أن موقف القضاء هذا لم يلبث و أن يتحول ، حيث أصبح يعتد بكـل الأخطـاء بسـيطة كانـت أو جسيمة.
تكثر تلك الأخطاء البسيطة التي تنجر عنها أضرارا وخيمة للمرضى ، فما أهميـة النظر إلى جسامة الخطأ إن كانت الإصابة التي تعرض إليها المريض قد أفقدته عضـو من أعضائه ، أو أقعدته معجزا طول حياته ، هذا إن لم يؤدي هذا الخطأ البسيط إلى وفاته كليا ، فالجدير إذن أن يتحمل الأطباء و المستشفيات المسـؤولة عـن جميـع الأخطـاء المرتكبة.
تقوم مسؤولية المؤسسة الاستشفائية الخاصة و الأطباء أساسا على الضرر اللاحق بالمريض و إن لهذا الأخير بذلك حق ، يسترد به ما مس كيانه الجسدي أو المعنوي مـن ضرر فلا يجد أمامه من مفّر إلا متابعة المسؤول قضائيا ،
و له في ذلك الاختيـار بـين مقاضاة المؤسسة الاستشفائية الخاصة على أساس الضرر الناتج عن ضرر المرض ، و بين مقاضاة الطبيب العامل و ذلك بهدف معاقبة المسؤول أو اسـتيفا ء تعـويض جـابر للضرر الذي ألّم به.
تثور في صدد مسؤولية المستشفى الخاص (المؤسسة الاستشفائية الخاصـة ) عـدة صعوبات حين يتعلق الامر بتميزها عن مسؤولية الأطباء العاملين فيـه ، وخاصـة مـع الصعوبة التي تكتنف الفصل بين نشاطات المستشفى كشـخص معنـوي ، و النشـاطات الطبية للأطباء فيه . فذهب الفقه في مجموعة الي ان حق كل انسان في حماية كيانه المادي ( الجسدي ) يعد من اساسيات النظام القانوني حيث ان تلك الحماية ترد علي قيم وعناصر لازمة لوجود الانسان واستمرار تقدمة في المجتمع
وترتيبا علي ما تقدم فان الدولة تكفل لكل انسان المحافظة علي حياته وسلامة جسده وأعضائه وذلك ضد اي اعتداء يقع عليه من الدولة ذاتها او من اي شخص اخر بل تمتد هذه الحماية الي اي اعتداء يقع من الشخص ذاته ضد نفسه وذلك بعدم السماح له بالمساس بحياته او بجسده او باي عضو من اعضائه ( 1)
واذا كانت القاعدة العامة في هذا المجال هي ان نقل العدوي من انسان مريض بمرض معد الي شخص غير مريض بهذا المرض يمثل اعتداء علي حق هذا الانسان الاخير في سلامه جسده لما يؤدي اليه ذلك من خلل في وظائف اعضاء جسد الشخص المنقول اليه المرض المعدي فان جانبا من الفقه حاول الحد من نطاق اعمال هذه القاعدة العامة عن طريق التخفيف من مبدأ الحماية المطلقة ( الحق في السلامة الجسدية ) بضوابط معينه وفي حالات محددة ( 2 )
حيث اجازوا للإنسان التصرف في جزء او اجزاء من جسد معاوضة او تبرعا اذا كانت مثل هذه التصرفات تحقق المصلحة العامة للمجتمع والمتمثلة في سلامة افراد المجتمع من الناحية الجسدية بحيث تعتبر هذه التصرفات باطلة بطلانا مطلقا اذا كان من شأنها تعطيل جسد الانسان عن تأدية وظيفته ( 3 )
وتصح مثل هذه التصرفات اذا كان الهدف منها تحقيق مصلحة علاجية للغير تتجاوز الي حد كبير الضرر الذي يلحق بمن تصرف في احد اجزاء جسده ( 4 ) ويضيف جانب من الفقه الي ان اجراء التجارب العملية الطبية علي جسد الانسان بموافقته مشروط بأن يكون اجراؤها في اطار محاولة علاجية له اما اذا كان الشخص سليم الصحة فيبطل اي مساس بجسده حتي لو كان بغرض اجراء تجربة طبية قد تفيد البشرية
كما يشترط ايضا ان تكون احتمالات نجاح التجربة الطبية مؤقته من الناحية العملية حتي لا يتحول الشخص المريض الذي تجري علية التجربة مجرد حقل تجارب بغير ضابط ( 5 )
ولقد تعرض هذا الرأي الذي اجاز في حالات معينة وبضوابط محددة المساس بالحق في سلامة الجسد للنقد من جانب الفقه ونخلص من ذلك الي انه لا يجوز المساس بحق الانسان في سلامة جسده او اي عضو من العضاءة حتي ولو تم بموافقته ( 6 )
ويتصل بما تقدم مسألة اثارت جدلا في الفقه وهي حكم المساس بالسلامة الجسدية التي تتم برضاء المريض وعن هذه المسألة يذهب غالبية الفقه الفرنسي ( 7 ) والمصري ( 8 )
الي انكار اي تأثير لرضاء المجني عليه في تجريم المساس بالسلامة الجسدية فالقاعدة العامة في هذا الشأن ان حق الانسان في سلامته الجسدية من الحقوق التي لا يجوز التنازل عنها او نقلها للغير ومن ثم لا يعتد برضاء المجني عليه في المساس بهذا الحق وبالتالي لا يعد هذا الرضاء سببا من اسباب الاباحة وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض الفرنسية بتحريم فعل احداث العقم ببعض الاشخاص علي اعتبار ان هذا الفعل ينطوي علي مساس بالحق في السلامة الجسدية وذلك علي الرغم من ان هذا الفعل لم يؤثر علي صحة المجني علية
وكان هذا الفعل قد تم برضاء المجني عليه والذي قالت فيه المحكمة بأن الرضا في هذه الدعوي لا يعتد به في الاباحة ( 9)
كما قضت محكمة النقض المصرية بإدانة حلاق الصحة لأحداثه جرحا بجفن المجني عليه عند اجرائه عملية ازالة لشعره وهي عملية غير مرخص له بإجرائها وقررت المحكمة في ادانتها للجاني بأنه يعاقب لارتكابه جريمة الجرح العمد والتي لا ينفيها رضاء المجني علية (10)
كما قضت ايضا بأن جريمة احداث الضرب او الجرح تتم قانونا بمقارفة فعل الضرب او الجرح عن ارادة الجاني وعلم منه ان هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه او صحته ولا يؤثر في قيام هذه الجريمة رضاء المصاب بما وقع عليه من ضرب او جرح (11)
واذا كان ما تقدم يمثل اعتداء علي الحق في سلامة الجسد بغرض الاعتداء في حد ذاته فان الاعتداء الذي يكون الغرض منه تحقيق مصلحة للجسم المعتدي عليه والذي يتمثل في حالات الاعتداء التي تتم بمناسبة العلاج الطبي والوقاية من الامراض فقد تصدي الفقه لهذه المسألة ايضا وكذلك المساس بسلامة الجسد بسبب الاعتبارات المتعلقة بالوقاية من الامراض والتي يجبر فيها الانسان علي الخضوع لإجراءات تمس سلامة جسده وذلك نزولا علي مقتضيات المصلحة العامة .
ومن هذه الاجراءات ما قد تقرره الدولة من التطعيم الاجباري ضد مرض وبائي او اية اجراءات صحية تقررها الدولة بخصوص محاصرة مرض وبائي او الكشف عن اسباب مرض معين كما في حالات التسمم او ادمان المخدرات في مثل هذه الحالات يري بعض الفقه انه يجوز للسلطات العامة الصحية بالدولة اتخاذ القرارات المناسبة
وفقا لتقديرها شريطة ان يكون رائدها تحقيق المصلحة العامة ولا يمكن الاحتجاج بمبدأ عدم المساس بالسلامة الجسدية في مثل هذه الحالات نظرا لتطابق الصالح العام مع الصالح الفردي وهكذا يسلم الفقه بجواز المساس بالسلامة الجسدية في مجال الوقاية من الامراض وبالتالي يمكن اجبار الانسان علي تعاطي جرعات التطعيم الاجباري او خضوعه للتحليل الطبي حيث ان الهدف من المساس بالسلامة الجسدية حينئذ هو تحقيق مصلحة الفرد والمصلحة العامة معا (12)
اما بالنسبة للمساس بالسلامة الجسدية الذي يأتيه الطبيب بمناسبة العلاج الطبي فان جانبا من الفقه يري في ذلك المساس بالسلامة انه يمثل استثناء يبيح التعدي علي الحق في السلامة الجسدية ويتشدد الفقه والقضاء في اعمال هذا الاستثناء حيث يستوجب توافر الشروط التالية :
اولا: يجب الا يباشر المساس بالسلامة الجسدية سوي الطبيب الحاصل علي المؤهل العلمي الذي يبيح لحامله مباشرة الاعمال الطبية (13) بالإضافة الي ضرورة حصول الطبيب علي ترخيص بمزاولة مهنة الطب (14)
وبغير توافر شرطي التأهيل العلمي والترخيص الاداري بمباشرة مهنة الطب يسأل الطبيب عما يحدثه بالغير من جروح وما اليها باعتباره معتديا اي علي اساس العمد ( 15 )
ثانيا: يجب ان يحصل الطبيب علي رضاء المريض بمباشرة الاعمال الطبية علي جسد المريض ( 16)
ولعل ذلك الرضاء يبرره ان الحق في سلامه الجسد من الحقوق اللصيقة بشخص صاحبها ومن ثم يجب الحصول علي رضاء المريض لإجازة مباشرة لأي فعل علي جسده ويبني ذلك كله علي ضرورة صيانة ما للجسم الانساني من حرمه وحصانه ( 17)
ويذهب الرأي الراجح في الفقه والقضاء الي ان حصول الطبيب علي رضاء المريض يجب ان يتم قبل بدء الفعل الماس بسلامته الجسدية ( 19,18 )
كما يجب ان يكون رضاء المريض لإرضاء مستنيرا ومن ثم فلا يعتد بالرضاء المشوب بالغش او بالغلط (20)
واخيرا يجب ان يكون الرضاء صادرا من شخص اهل للتعبير عن رضائه فان كانت ظروف المريض تحول دون الحصول علي هذا الرضا تعين الحصول علي موافقة من خول لهم سلطة اعطاء الموافقة قانونا او من تربطهم بالمريض صله قرابة (21)
واما عن مضمون التزام الطبيب المعالج بتبصير المريض عند الحصول علي موافقة الاخير علي المساس بجسده فان القضاء يستوجب في ذلك ضرورة اعطاء المريض فكرة واضحة عن حالته دون الدخول في بيان التفصيلات الفنية المتعلقة بالحالة وقد عبرت محكمة النقض الفرنسية عن ذلك بأنه افصاح بسيط تقريبي ذكي , امين ( 22)
ثالثا: يجب ان يكون العمل الطبي بقصد الشفاء ويجمع الفقه في كل من مصر (23) وفرنسا(24)
علي ضرورة توافر قصد الشفاء لدي الطبيب واتجاه ارادته لتحقيق مصلحة المريض بماشرته للأعمال الطبية وبالتالي يجمع الفقه علي انه تنتفي صفة المشروعية في عمل الطبيب اذا استهدف من ورائه غرضا اخر غير قصد شفاء المريض قد رجاه في اتيان العمل علي جسده (25)
وتطبيقا لذلك ادان القضاء الفرنسي مرارا الاطباء في حالة المساس بسلامة الجسد اذا كان الهدف منها غير قصد الشفاء كأن يكون الهدف من وراء ذلك اجراء تجارب او فضول علمي (26)
كما سأل القضاء الفرنسي ايضا الطبيب الذي اجري اجهاضا لاحدي السيدات لتخليصها من حمل سفاح علي اساس انه لم يقصد بعمله هذا تحقيق قصد الشفاء لعمليته (27)
وعلي ذات النهج ايضا سار القضاء المصري حيث عوقب طبيب لحقن احد مرضاه بحقنة مخدرة في غير احوال العلاج لتخليصه من الام غير مرضيه علي اساس عدم توافر قصد الشفاء في هذا العمل (28)
ونظرا لجوهرية هذا الشرط في مجال اباحة العمل الطبي فقد تدخل المشرع ايضا حيث نصت المادة 60 من قانون العقوبات المصري علي ضرورة توافر حسن النية في الافعال التي يباشر من خلالها صاحب الحق لحقة المقرر قانونا وبعد استهداف الطبيب تحقيق الشفاء لمريضه من ابرز طرق اثبات حسن النية (29)
واشترط المشرع الفرنسي صراحة ضرورة استهداف الطبيب من عمله تحقيق قصد الشفاء لمريضه وان يسعي بعمله لتحقيق مصلحة المريض في سلامته الجسدية بعيدا عن الاضرار بهده المصالح وبمنأى عن انحرافه في ممارسة هذا الحق او سعيه لتحقيق فائدة عملية او شهرة شخصية من وراء العمل الطبي (30)
ونخلص مما تقدم الي ان اشتراط توافر قصد العلاج في المساس بالسلامة الجسدية الناتج عن عمل الطبيب المأذون له بذلك محل اجماع من الفقه والقضاء والتشريع
رابعا: يجب ان يكون العمل الطبي متفقا مع الاصول العملية الطبية :
يضيف الفقه الي شروط اباحه العمل الطبي الذي ينال من السلامة الجسدية للمريض انه يجب ان يتسق هذا العمل مع الاصول العملية الطبية انها تلك المبادئ العامة والقواعد الثابتة المتعارف عليها نظريا وعمليا لدي طائفة الاطباء والتي لا يتسامحن فيها مع من يجهلها منهم (31)
ومن اهم التطبيقات القضائية التي كشف عن هذا الشرط حكم محكمة النقض الفرنسية الشهير الصادر في 20 مايو 1936 والذي جاء به ما يأتي :
يرتبط المريض مع الطبيب الذي يعالجه بعقد حقيقي يلزم الطبيب بموجب هذا العقد لا بشفاء المريض بل معالجته بدقة وانتباه مع مراعاة المبادئ الاساسية في علم الطب (32)
ومن اهم تطبيقات القضاء المصري لهذا الشرط حكم محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 3/6/1969 والذي جاء به :
ان الطبيب وان كان لا يلتزم بمقتضي العقد الذي بينه وبين مريضه بشفائه او بنجاح العملية التي يجريها له لان التزام الطبيب ليس التزاما بتحقيق نتيجة وانما هو التزام ببذل عناية الا ان العناية المطلوبة منه تقتضي بأن يبذل ايضا جهودا صادقة يقضه تتفق في غير الظروف المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي الذي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسئول . وجراح التجميل وان كان كغيره من الاطباء لا يضمن نجاح العملية التي يجريها الا ان العناية المطلوبة منه اكثر منها في احوال الجراحة الأخرى اعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من عله في جسمه وانما اصلاح تشويه لا يعرض حياته لأي خطر (33)
وبعد ذلك توالت الاحكام القضائية المعبرة عن ضرورة الاعتداد بهذا الشرط فقد قضي بمسئولية طبيب للاهداره الاصول الطبية المرعية عندما اهمل مراعاة الاعراض الظاهرة علي المريض عند توقيع الكشف الطبي علية (34)
وقضي ايضا بمسئولية الطبيب واعتبر عمله غير متسق مع الاصول الطبية حينما قام بتشخيص حالة مريضه خطأ نتيجة عدم استخدام الادوات التي يلزمه الفن الطبي باستخدامها كالسماعة وجهاز الضغط ( 35)
وقضي ايضا بالمسئولية الجنائية للطبيب الذي استخدم نظريات ووسائل علاجية مع مريضة تم هجرها من نظرائه وانه لم يلجأ للاستعانة بأخصائي في حالات توجب فيها بديهيات العمل الطبي لاستعانة به ( 36)
وكذلك قضي بمسئولية الطبيب باعتباره مخالفا للأصول القواعد الطبية حينما لم يتابع المريض بعد اجراء الجراحة وحتي افاقته من المخدر ( 37)
وقضي في مصر ايضا بمسئولية الطبيب لمخالفته للأصول العلمية المتبعة في مهنة الطب حينما يحقن المريض بحقنة لم يتأكد من نوعها وصلاحيتها مقدما ( 38)
وكذلك حينما لم يسرع بنقل المريض من استقبال المستشفى الي القسم المختص لعلاجه ( 39)
يتسع النطاق الدي تندرج فيه المسؤولية الطبية بوجه عام ، سواء كانت ناتجة عن خطأ الطبيب ، و هذا في غالب الأحيان ، أو كانت مسؤولية ناتجة عن أي عمل مهما كان مصدره ألحق ضررا بالمريض ، فهو يشمل كل نشاط أثناء ممارسة المهنة الطبية الـذي من شانه أن يحتوي في ذاته على إخلال بنظام و آداب هذه المهنة ، فإن شكّل فعل الطبيب
، أو أي عامل أو مساعد طبي آخر خطئا معاقب عليه جنائيا ، قامت مسؤوليته الجزائية ؛ أما إذا لم يصل الفعل في جسامته حده الجريمة فيكفي متابعة المسؤول مدنيا فقط . و نظرا لوضعية الطبيب و علاقته بالمؤسسة الاستشفائية الخاصة ، فإن هذه الأخيـرة فـي هـذه الحالة هي المسؤولة مدنيا عن أفعال و أخطاء الأطباء فيه.
يعتبر بديهيا أن ترتب هذه المسؤولية مهما كانت طبيعتها آثارا ، و من أهـم هـذه الآثار متابعة المضرور المسؤول قضائيا ، ذلك بعد اثباته قيام المسؤولية بكافة الطـرق و الوسائل القانونية المخولة لذلك ، و تختلف هذه الدعوى باختلاف نـوع الخطـأ المرتـب للمسؤولية ، فإن كان موضوع الدعوى هو المسؤولية الجزائية ينشـأ وفقـا لـذلك حـق المجتمع و المضرور ممثلين بالنيابة العامة بمعاقبة الطبيب جزائيا .
أما إذا كان موضوع الدعوى أو سببها مسؤولية مدنية ، سواء عن خطأ الطبيب أو عن نشاط من أنشطة المؤسسة الاستشفائية الخاصة ، حق للمضرور رفع دعوى مطالبـا بالتعويض ، الذي ينشأ عن كل ضرر قد مس بحق أو مصلحة مشروعة للمريض سـواء كان ذلك الحق أو تلك المصلحة متعلقة بسلامة جسمه ، فيكون في ذلك التعـويض علـى
أساس الضرر المادي كما يحق للمريض أو ذويه أن يطالبوا بـالتعويض علـى أسـاس
الضرر المعنوي.
يعتبر الجهاز البشري الذي تستعين به إدارة المؤسسة الاستشفائية الخاصة للقيـام بكل هذه النشاطات و الخدمات التي تقدمها الشرط الأهم الذي على هذه الأخيرة أن توفره ، فتسخر من أجله طاقم كفوء و متخصصا يحتوي على أطباء و مساعدين شبه طبيين من مختلف التخصصات الطبية و الفنية ، وفقا لما توصل إليه الطب الحديث في هذا المجال . فالمستشفى الخاص باعتباره شخص معنوي ليس بمقدوره أن يؤدي الغرض الذي أنشأ من أجله إلا من خلال شخص طبيعي .
تبعا لدوره الحساس هذا الذي يلعبه الطبيب في المستشفى الخاص لم يأبى المشرع إلا أن يحيط فئة الأطباء ببعض الالتزامات إن لم نقل أهمها ، التـي مـا علـيهم سـوى احترامها ذلك سواء من خلال قانون حماية الصحة و ترقيتها ،
أو مـن خـلال مدونـة أخلاقيات الطب ، بل أبعد من ذلك فقد كرست بعض الالتزامات حتى في القواعد العامة ، و المؤكد أن مخالفة هذه الالتزامات لن يسكت عنها سواء من قبل القانون ، أو مـن كـل مريض ألحقه أذى كأثر لهذه المخالفة .
إلا أن المشرع في هذا الصدد يتخوف من إصدار أحكام قاسية حتى و إن عرضت عليه ، خوفا من القضاء على روح الاستقرار و البحث لدى الأطباء من جهة ، و من جهة أخرى ، القضاء على الاقتصاد الوطني باعتبار أن هذه المؤسسات الاستشفائية الخاصـة تلعب دورا جد معتبر في النشاط الاقتصادي ،
كل ذلك إلى جانب نقص خبرته فـي هـذا المجال ، مما يثير نقطة جد حساسة في هذا الميدان ، و هو ضرورة التفكير فـي إنشـاء جهات قضائية متخصصة في متابعة كل المخالفات التي تنشأ عـن المهـن و النشـاطات الطبية ،
تتولى مقاضاة الأطباء و المؤسسات الصحية ، إلى جانب سن فانون خاص لهذه المتابعة بدلا من إخضاعها للقواعد العامة ، هذا تماشيا لخصوصيات المهنـة الطبيـة و ضمانا لحماية كل الأطراف. يعد ضروريا لحلّ الاشكاليات التي تعترض المرضـى قصـد الحصـول علـى التعويض في الكثير من الحالات عن مختلف الأضرار و الحوادث الطبية إنشاء صـندوق خاص يتولى تعويض ضحايا الحوادث الطبية بدون اللجوء إلى القضاء ، يمول عن طريق الاقتطاع الرمزي من رواتب الأطباء الموظفين ، من ناحيـة ، و يسـاهم فيـه الأطبـاء الخواص و المؤسسات الاستشفائية الخاصة من ناحية أخرى ،
هذا حفاظا على حقوق كل الأطراف ، بضمان حصول المرضى على تعويض بأقل كلفة و بأسرع وقت ، و تفاديـا لتعريض الأطباء في الكثير من الحالات للمساءلة القضائية حتى عن الأخطـاء البسـيطة التي يقترفونها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: