الأسرة والمجتمعتحقيقات وتقارير

هولندا في عيون القادمين الجدد.. بلاد الأجندات والمواعيد المملة!

رؤية – سحر رمزي

أمستردام – حاول الإعلام الهولندي تقييم وضع القادمين الجدد وأسباب عدم اندماجهم في المجتمع بشكل كاف، وبعد دراسة دقيقة اكتشفوا، أن هناك انقسامًا بين من يرى هولندا بلد الأحلام، وبين من يراها بلد يمكن الاندماج بها شرط أن نحذف كلمة لاجئ وجعلها كلمة قادم جديد وتتقبله كما هو، البعض يرى أن الاندماج قضية صعبة، ومن وجهة نظر الأخير طبيعة الحياة الهولندية بشكل خاص، والأوروبية بشكل عام، وأنها بلدان تعتمد على الأوراق وترتيب المواعيد بالاجندات والحياة العملية المملة، دون متعة أو وقت للتسلية والزيارات والمقابلات والمجاملات وأنها بلاد بلا متعة.
نرفض كلمة لاجئ ونفضل “قادم جديد”
نقل موقع “نت إن نيدرلاند” عن بعض من القادمين الجدد، ما يفيد أنه قد أضحت الحياة في هولندا بالنسبة للكثيرين منّهم وباتت كتاباً مفتوحاً وبدأوا في التعامل مع قضاياها كما يتعامل الهولندي الأصلي، ولذلك تزعجهم صفة “لاجئ” التي توضع إلى جانب أسمائهم. هي صفة كالحِمّلِ الثقيل الذي يجثم على صدر صاحبه ليُذكره بأنه من كوكبٍ آخر، لا منتمي. أصبح هذا التعريف الآن وكأنه يدل على شخص لا قوة له ويستحق الشفقة والمساعدة. بينما نجد صفات  قادم جديد أو هولندي جديد صدًى أجمل عندما نسمعها. ذلك يحمل الاعتراف بنا كبشر متساوين في الحقوق والواجبات مع أهل البلد الأصليين. وطالما أننا قادمون جدد، فنحن قدمنا لكي نضيف شيئاً جديداً على هذه البلاد. وبالاعتراف بنا كهولنديين جدد، قد يساعدنا ذلك أن نكون حقاً جزءاً من هذا الكل.
ولكنهم يعترفون أن أمامهم  مشوارًا طويلًا وشائكًا، وقالوا رغم أن الحنين إلى ماضينا الذي رحل والمآسي التي حملتنا إلى هولندا ما تزال تحتلنا، ورغم كل الصعوبات في بناء حياةٍ جديدة في بلداننا الجديدة هذه، ورغم كل الأصوات النشاز التي تشكك في حقنا بالنجاح، إلا أننا ما زلنا متفائلين، ونردد ما قالته يوماً حنا أرندت: “إن تفاؤلنا مثير للإعجاب، حتى لو قلنا ذلك نحن أنفسُنا”.
وفقاً لدراسة صدرت عن مكتب الإحصاء الوطني الهولندي عام 2018 بأن القادمين الجدد يشعرون بأنهم في منزلهم في هولندا. ولكن ما الذي يعنيه أن تشعر بأنك في بيتك؟ وكيف تتعامل مع الفروقات الواضحة بينك وبين الهولنديين؟ وفي أي أرض تريد أن تُدفن؟ وهل سيستمر هذا الشعور مع أبنائهم؟ هل سيقول بأنه هولندي عربي؟ أم إنه عربي يعيش في هولندا؟.
وحسب رأي بعض من السوريين أنه يعتقد الكثير من القادمين الجدد، بأن صغار السن سوف يندمجون بسهولة أكبر في المجتمع وسوف يشعرون بأنهم لا يختلفون سوى بالشكل الخارجي عن أهل البلد الأصليين. فتعلم اللغة واكتشاف أسرار المجتمع الجديد وبناء الصداقات مع أبناء جيلهم من الهولنديين وإيجاد عمل. كل ذلك سيكون سهلاً عليهم وصعباً على من هم أكبر سناً. هذه هي وصفات الاندماج الناجح، ويكاد يتفق القادمون الجدد والهولنديين على ذلك، على الرغم من أن الجميع لم يتفق بعد على تعريف واضح للاندماج.
وأجاب أحدهم على سؤال لإحدى وسائل الإعلام الهولندية حول “ما الذي يجعل منا هولنديين؟ بالقول: أنا الآن لا أعرف، لكني أعتقد بأن الهويات والانتماءات لا تبقى جامدة وإنما تتبدل على مر الزمن. الهولندي الذي تراه اليوم كان غيره في الماضي ولن يكون نفسه في المستقبل. وأنا أيضاً لم أعد نفس الشخص الذي كنت قبل قدومي إلى هولندا. نحن كشعوب نتفاعل ونتبادل خبراتنا وثقافتنا نتغير ونغير في الآخرين. ولذلك ماذا يعني أن تكون هولندياً مئة بالمئة؟.
وأضاف “يجب أن تنفض عنك ذكرياتك التي حملتها معك من بلدك الأصلي، لكي تمضي حياتك هنا بسلام”. وقد وافقه آخرون في ذلك، هم لم يعودوا للنظر إلى الوراء وبدأوا في بناء حياة جديدة لهم في هذه البلاد. وبرأيه أن الشخص طالما بقي متعلقاً بماضيه فلن يخلق القفزة التي سوف تنقله إلى مستقبل ناجح.
الحياة كتاب مفتوح للقادمين الجدد بهولندا
وبعضهم يجد أن التفكير بمستقبل القادمين الجدد وخصوصاً أطفالهم، الجيل الثاني. معظمهم بتفاؤل كبير يؤكدون الحياة كتاب مفتوح، بالنسبة إلى البعض فإن اللجوء قد حرره من الانتماء إلى مكان محدد. بالنسبة لغيرهم يأخذ الانتماء حيزاً كبيراً في حياتهم، وعلى أساسه تتوقف الكثير من القرارات المصيرية. الانتماء إلى العائلة أو القبيلة أو الدين أو الطائفة أو الطبقة، كل ذلك كان يتحكم بقراراتهم المصيرية ويجعلهم يرتبون حياتهم تبعاً لذلك في هولندا، لا تمحى هذه الفوارق تماماً ولكنها أخف وطأة بكثير، ولكن لا يوجد إنكار بأن هناك صعوبات في الاندماج.
سوريون يجدون هولندا بلد تحقيق حلمهم بالحرية
يرى بعض من اللاجئين السوريين أنهم حملوا كلاجئين أوراقهم الرسمية وإثباتات تدل على هول ما هربوا منه في بلادهم، وقالواحملنا أيضاً أحلاماً نصبو إلى تحقيقها في بلدان اللجوء. وهل يلجأ أحدٌ دون أن يقوده أمل وحلم بحياة أفضل من التي تركها وراء ظهره؟ مع مرور الأيام بدأنا في اكتشاف أنفسنا إلى جانب اكتشاف بلداننا الجديدة هذه. بدأنا في سؤال أنفسنا ما الذي ينقصنا لكي نشعر بأننا نحيا الحياة التي نرغب؟ كثير من النساء اللاجئات اخترن أن يكنَّ مستقلات في تقرير مصيرهن، وذلك بعد أن علمن أن بإمكانهن اختيار الطريقة التي يرغبن أن يعشن حياتهن بها.
بدأ كثيرٌ منا في الانخراط في حياة جديدة كنا نتطلع إلى الحصول عليها في بلداننا الأصلية. الحياة السياسية وحرية الأحزاب والصحافة، كانت من الجوانب المهمة التي بدأنا هنا في متابعتها والتعرف عليها، كما بدأ البعض في الانضمام إلى أحزاب تدافع عن استقبال اللاجئين. هنا بدأ اللاجئون في التدرب على الكلام واختبار نغمة صوتهم. فبعد أن عشنا في بلدان كانت ممالك الصمت، بلدان اللون الواحد، والحزب الواحد، والرأي الواحد، انفتح اللاجئون على ألوان وآراء وحياة متنوعة ومختلفة.
اليمين لم يؤثر على اندماج اللاجئين
في التقرير يؤكد الإعلام الهولندي بناء على دراسة موثقة، أنه على الرغم من أن اليمين بالبلاد أصبح قوياً، ولكن ما تزال فكرة الانفتاح وتقبل الثقافات المتعددة قوية أيضاً.حيث يتفق  اللاجئون مع الهولنديين الذين يقولون بأنهم لا يحملون انتماءات ضيقة، فالحدود والعقول والقلوب لا يجب أن تغلق بوجه الآخر. الآن مع اختلاط اللاجئين بسكان البلدان المستقبلة لهم، أصبحت جدران الدوائر الضيقة التي ولدوا داخلها في بلدانهم الأصلية أكثر هشاشة، وإن كانت لم تتهدم بعد، لكن أصبح بالإمكان أن تمد رأسك وتَطَلع أكثر على حياة جارك المختلف عنك.
الاندماج صعب
وفي هذا السياق نقل الإعلام الهولندي ما كتبه الشاعر الهندي طاغور في حديث سابق له، عن تجربته في لندن لصديقه، قائلا “أكتب إليك من لندن … وليس فيها سكر ولا زبد ولا وقت فراغ ولا مكان هادئ تستطيع فيه أن تستجمع أفكارك أو تعرف نفسك… إن قلبي يبحث عن غذاء ولكن بلا جدوى، إني أحلم دائمًا ببلادي وما فيها من حياة سهلة بسيطة. إني لا أستطيع أن أفهم كيف يرضى القوم هنا أن يعيشوا في كل هذه القيود؟”. بإمكاننا هنا وضع أوسلو أو برلين أو أمستردام مكان لندن، فلا يوجد فرق.
هولندا بلد اللامفاجآت
يرى الشاعر أن في هولندا، كل شيء منظم ومرتب في بلد اللامفاجآت، الهولنديون حياتهم يتم ترتيبها في دفاترهم ومواعيدهم، تعتمد على الأوراق وترتيب المواعيد بالأجندات والحياة العملية المملة، دون متعة أو وقت للتسلية والزيارات والمقابلات والمجاملات’ وأنه بلاد بلا متعة.
وأنهم يعرفون قبل عدة أشهر كيف، أين، ومع من يقضون أيامهم، ومن يحضر حفلاتهم. حتى إنك لتخسر إحساس المفاجأة حين تتلقى الهدايا، لأنك تعرف مسبقاً ما هي ومن سيهديك إياها. الأجندة بالنسبة للهولنديين كالبوصلة بالنسبة لمن يقطع الصحراء. وعلى الرغم من أنني أيضاً قد امتلكت أجندتي الخاصة إلا أنني أغبط من أعرفهم كيف يرتبون كل شيء،  كل شيء مسجل لديهم، وملون حسب الأهمية. بعد قدومي إلى هولندا، بدأت بشراء أجندة مع بداية كل عام جديد. وفي كل مرة كنت أبدأ بتسجيل مواعيدي، على الرغم من قِلّتها. ولكن بعد مدة من الزمن كنت أتوقف عن القيام بذلك. ولكنني بقيت أشتري واحداً مع بداية كل سنة جديدة.
العلاقة بالآخر عبر الأجهزة
علاقة الهولنديين بالشاشات هي علاقة الطفل بثدي أمه، مواعيد قطاراتهم، لقائهم بأصدقائهم، عملهم، أو أي إجراء يتعلق بحياتهم اليومية. كل شيء مضبوط وإن حصل أي اختلال في روتين الحياة اليومية كإشارة شاشة المحطة إلى أن وصول القطار سيتأخر مثلاً، تشاهد الاضطراب بادٍ على وجوه الجميع تقريباً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: