مقالات وآراء

علاج مرض الحب

المحبّة من أسمى وأرقى المشاعر، التي وجدت على سطح الأرض، فالقلب حين يدقّ لشخص ما تشعر ببريق يجمّل حياتك، فتنتظر كلّ صباح بلهفة وشوق لترى عيني من تحب، فالحبّ موجودٌ بين جميع الكائنات، ولا ينحصر مفهومه بالإنسان فقط، فقد نجد الحبّ بين القطط والعصافير، بين الحيوانات المفترسة كالأسود والضباع، بين الجمادات كحبّ الأرض للمطر، وحبّ النبات للشمس، وحبّ الزهور للنحل، فالحبّ عالمٌ كبير جميلُ رقيق، يضفي علينا بالفرحة ِوالسعادة، فهو غذاءٌ لأرواحنا العطشة، ونداءٌ داخليٌ من قلوبنا الدافئة، فكيف تكون الحياة من غير قلب يدق لأجل شخصٍ ما؟
إنّ مشاعر الحبّ طاهرةٌ نقية مثل قطراتِ من الندى وهي تلامسُ أورق الشجرِ صباحاً، فتعطيها الحياة والانتعاش والفرح. فحبُ الأمِ لابنها، وحبُ الابن لأمه، وحبّ الصديق لصديقهِ، وحبُ الأخ لأخية، وحبّ الشخص لبيته وعمله، وحبّ الرجل لأنثاه والحبّ الأنثى لذكرها، نعمةٌ اللهِ على هذهِ الأرض، ولولا الحبّ لما كان للحياة طعمٌ ولا لون، فالحبّ هو الماء، هو الحياة، ولكن هناك فرقٌ كبيرٌ بين الحبّ والعشق.
اعتبر العشق على أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى الحب على أنه أسمى عاطفة يتحلى بها الإنسان، فقد اعتبر العشق أنه عبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما ينعكس ذلك بآثار سلبية على شخصية العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية، فضلا على الاضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.
لقد عالج الأدباء العرب ومنهم الشعراء هذا الموضوع في شعرهم الغزلي بشكل خاص، واعتبره الكثير منهم بأنه المرض الذي لا يرجى شفاؤه. من ذلك مثلا قول ابن الفارض:
وضع الآســي بصدري كفه قال مالــي حيلة في ذا الهوي
ومن ذلك أيضا ما تذكره كتب الأدب عن محاورة جرت بين مصاب بالعشق ينشد علاجا لعشقه وأحد الشعراء يسديه النصيحة:
أيا معشـر العشـاق بالله خبروا إذا حل عشـق بالفتى ما يصنع؟
يداري هــواه ثم يكتم ســره  ويخشـع في كل الأمور ويخضع
وكيف يداري والهوى قاتـل الفتى وفـي كل يـوم قلبـه يتقطع
فإن لم يجد صبرا لكتمان ســره فليس له ســوى الموت ينفع
ســـمعنا أطـعنا ثم متنا فبلغوا سـلامي لمن كان للوصل يمنع
في حين أن الأطباء المسلمين القدامى، وعلى نحو مخالف للشعراء، قد نظروا إلى هذا المرض على أنه حالة مرضية كغيره من الأمراض العصبية أو النفسية كالصرع والصداع والسوداء  له أسبابه المرضية وعلاماته وأعراضه وعلاجه. فأفاضوا في شرحه موضحين أن لهذا المرض علاجات مختلفة تطبق حسب حالة المريض وحسب درجة ثقافته، بالإضافة لطبيعة الظروف المحيطة به.
ولعل أول من تكلم في مرض العشق من الأطباء هو الطبيب اليوناني أبقراط Hypocrites والملقب بأبي الطب. حيث قال واصفا إياه: “العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحس. فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر. وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، ومن طغيان السوداء وفساد الفكر يكون الفدامة  ونقصان العقل، ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون.
فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه، وربما مات غما. وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا. وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه. وزوال ذلك عمن هذه حالته بلطف من رب العالمين، لا بتدبير الآدميين
“العشق استحسان ينضاف إليه طمع، والعشق من قِبَل النفس، وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد. والعاشق يمتنع عن الطعام والشراب لاشتغال الكبد، وعن النوم لاشتغال الدماغ بالتخيل وذكر المعشوق والتفكير فيه، فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت فيه. فمتى لم تشتغل فيه وقت الفراق لم يكن عاشقا.
أسباب مرض العشق:
يقول ابن سينا في ذكر أسباب هذا المرض: “هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا Melancholy ، يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمايل التي له، سواء أعانته على ذلك شهوته أم لم تعنه”.
وقد أضاف بعضهم إلى ذلك بأن هذا المرض يعتري العزاب والبطالين من أهل الرعاع. ويتحدث ابن هبل البغدادي عن آلية حدوث هذا المرض فيقول: “العشق مرض يعرض من إدامة الفكر في استحسان بعض الصور الحاصلة في الخيال وإدامة النظر إليها وتحريك النفس شوقا إلى استحضار ما هي مثاله، ويساعد على ذلك الحركات الشهوانية فيعرض من ذلك شيء من الجفاف واليبس المؤدي إلى المالينخوليا”. من حديث البغدادي يمكن لنا أن نفسر لماذا أتى مرض العشق بعد مرض المالينخوليا في المؤلفات الطبية العربية القديمة.
الأعراض والعلامات:
أجمل سبط المارديني في مخطوطته الطبية المسماة الرسالة الشهابية في الصناعة الطبية أعراض وعلامات مرض العشق قائلا: “وعلامته غؤور العينين وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه. ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات، فإذا اختلف النبض عرف أنه هو “.
لقد أجمع أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن اضطراب النبض هو من العلامات الهامة لتشخيص مرض العشق بل وحتى معرفة هوية المعشوق. ومرد ذلك يعود إلى حكاية تروى عن ابن سينا والذي ألف رسالة في العشق كتبها لابن عبد الله الفقيه. وملخص هذه الحكاية، أنه وقع أحد الفتيان من أبناء أمراء فارس في مرض عضال، وقد عجز الأطباء في ذلك الوقت عن معرفة هذا المرض وبالتالي علاجه.
فكان الشاب ينحل ويضعف يوما بعد يوم، وقد امتنع عن الطعام لانعدام الشهية حتى هزل ولزم الفراش. ولما عجز الأطباء عن إيجاد الدواء الشافي لمرض هذا الفتى، لجأ أهله لابن سينا يرجونه زيارة المريض والنظر في حالته بعد أن يئسوا تماما من شفائه. وفور وصول ابن سينا إلى بيت المريض سأل عن أعراض سقمه وما آل إليه حاله. ثم دخل على الفتى وفحصه بعناية، وجلس بجانب فراشه ووضع أصبعه على نبضه، ثم طلب من أحد الخدم أن يعدد جميع أحياء تلك البلد، ولما وصل الخادم إلى ذكر حي ما لاحظ ابن سينا أن نبض الفتى قد تسرع. وعندئذ طلب من الخادم أن يذكر أسماء العائلات التي كانت تقطن ذلك الحي، ولما أتى الخادم على ذكر اسم معين من تلك الأسماء شعر بأن نبض الفتى قد تسرع أكثر. وهنا سأل ابن سينا إن كان لتلك العائلة من بنات فأجابوه نعم، فقام من توه إلى أهل الفتى وقال لهم لقد بان السبب فزال العجب إن ابنكم عاشق إحدى بنات تلك العائلة، وهذا هو المرض وعلاجه بالزواج من تلك الفتاة.
هذه القصة الطريفة تفسر أنه لماذا أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق قد اعتبروا اضطراب النبض لدى ذكر المعشوق هو من العلامات التشخيصية لهذا المرض. يقول ابن سينا في علامات هذا المرض: “وعلامته غؤور العين ويبسها وعدم الدمع إلا عند البكاء، وحركة متصلة للجفن ضاحكة كأنه ينظر إلى شيء لذيذ أو يسمع خبرا سارا أو يمزح. ويكون نفسه كثير الانقطاع والاسترداد فيكون كثير الصعداء. ويتغير حاله إلى فرح وضحك أو إلى غم وبكاء عند سماع الغزل ولاسيما عند ذكر الهجر والنوى.
وتكون جميع أعضاؤه ذابلة خلا العين، فإنها تكون مع غؤور مقلتها كبيرة الجفن سميكته لسهره. ويكون نبضه نبضا مختلفا بلا نظام البتة كنبض أصحاب الهموم، ويتغير نبضه وحاله عند ذكر المعشوق خاصة وعند لقاءه بغتة. ويمكن من ذلك أن يستدل على المعشوق أنه هو إذا لم يعترف به، فإن معرفة معشوقه أحد سبيل علاجه. والحيلة في ذلك أن تذكر أسماء كثيرة تعاد مرارا وتكون اليد على نبضه، فإذا اختلف بذلك اختلافا عظيما وصار شبه المنقطع ثم عاود وجرب ذلك مرارا علمت منه اسم المعشوق.
ثم يذكر كذلك السكن والمساكن والحرف والصناعات والبلدان، وتضيف كلا منها إلى اسم المعشوق ويحفظ النبض، حتى إذا كان يتغير عند ذكر شيء واحد مرارا جمعت من ذلك خواص معشوقه من الاسم والحرفة ما عرفته. فإنا قد جربنا هذا واستخرجنا به ما كان الوقوف عليه منفعة “.
يمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: النحول – قلة الشهية – غؤور العين مع سماكة الجفن – حب العزلة مع الاسترداد وكثرة الصعداء – اضطراب النبض وخاصة تسرعه لدى ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به.
المعالجة:
لقد أجمع الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة.
يقول سبط المارديني في ذلك: “العلاج لاشيء كالوصال لمن يتهيأ على الوجه الشرعي، وإلا أهين وقبح بفعله، وإشغاله ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل ثم استفراغ بعض السوداء. ويكثر من صب الماء على الرأس. ويطعم البطيخ والقثاء والبقلة، ويسقى الرايب الحامض، ويؤمر أن ينام تحت الندى. وذكروا أن النظر إلى القمر عند امتلائه يمنع هذا المرض. وينصح بكثرة الاغتسال بالماء البارد أيضا. ولا يعطى الأشياء الحارة من الأدوية والأغذية والأهوية)”.
مما سبق يمكن أن نذكر مقومات علاج مرض العشق على النحو التالي:
أولا- محاولة الجمع بين العاشق والمعشوق بالزواج إن أمكن، وفي ذلك يقول ابن هبل البغدادي: “العلاج لاشيء أنفع من الجمع بين العاشق ومعشوقه على وجه تبيحه الشريعة، فإنه يصلح ويبرأ. وإن لم يكن فالنظر من بعيد، وإلا فالتسويف”. ويوضح ابن سينا هذه الحقيقة بقوله: “ثم إن لم تجد علاجا إلا تدبير الجمع بينهما على نحو يبيحه الدين والشريعة فعلت، وقد رأينا من عاودته السلامة والقوة، وعاد إلى لحمه. وكان قد بلغ الذبول وجاوزه، وقاسى الأمراض الصعبة المزمنة والحميات الطويلة بسبب ضعف القوة لشدة العشق. ولما أحس بوصل من معشوقه بعد مطل معاودة في أقصر مدة قضينا به العجب، واستدللنا على طاعة الطبيعة لأوهام النفس”.
ثانيا- نصح العاشق وتعنيفه على أفعاله إذا كان من العقلاء. يقول ابن سينا أيضا: “وإن كان العاشق من العقلاء فإن النصيحة والعظة له والاستهزاء به وتعنيفه والتصوير لديه أن ما به إنما هو وسوسة وضرب من الجنون، مما ينفع نفعه، فإن الكلام ناجع في مثل هذا الباب.
ثالثا- إشغال العاشق ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، أو إشغاله ببعض الأمور الدنيوية الأخرى التي تصرف تفكير العشق عن كثرة التفكير بمعشوقه. وقد تفنن الأطباء العرب في هذا المجال بابتكار الوسائل التي من شأنها أن تحقق هذا الغرض. فمن هذه الأمور ذكروا: 1-إشغال المريض ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، وذلك إذا كان ممن عنده الاستعداد لذلك. وإذا كان من المتدينين فيمكن تسليته بأخبار الزهاد والعباد والمساكين.
2- إذا كان العاشق صاحب صنعة أو عمل أو شغل ألزم بعمله أو شغله فلا شيء أضر عليه من البطالة والفراغ.
3- طول السفر عن مكان إقامة المعشوق، حيث أن ذلك مما يولد النسيان مع مرور الزمن.
4- ذكر بعض الأطباء –كابن سينا- أنه من الناس يسليه الطرب والسماع، ومنهم من يزيد ذلك من غرامه، ويمكن أن يتعرف ذلك.
5- مما ينفع هؤلاء أيضا مجالس السرور واللهو والفرح، والتنزه وكثرة النظر إلى القمر. وهذه كلها اعتبرت من الأمور التي تصرف تفكير العاشق عن معشوقه.
رابعا- إفراغ المرة السوداء من الجسم والقضاء على مفاعلاتها السلبية في الجسد، وذلك بالتجفيف والتبريد. لذلك نصح الرازي بكثرة الاغتسال بالماء البارد، وحذّر من الأشياء الحارة من الأدوية والأغذية. وكذلك نصح بالنوم في الأماكن الباردة.
خامسا- الميل لتناول بعض الأغذية التي لها صفة التبريد مثل الرايب الحامض والبطيخ والقثاء والبقلة وغيرها من الأطعمة التي تساعد على استفراغ المرة السوداء وبالتالي تحقق غاية التبريد.
سادسا- أخيرا فقد نصح بعض الأطباء لمعالجة هذا المرض بأن تسلط بعض العجائز على العاشق، بحيث يجتهدن في أن ينقلن هوى العاشق إلى غير ذلك المعشوق بالتدريج، ثم يقطعن صنيعهن قبل أن يتمكن الهوى الثاني.
مرض العشق والطب الحديث:
في نهاية هذا البحث لابد لي من أن أشير إلى مرض العشق من الوجهة الطبية الحديثة. فقد يتساءل البعض لماذا لا تبحث المؤلفات الطبية الحديثة ولاسيما كتب الطب النفسي ما سمي قديما بمرض العشق؟
للجواب على ذلك لابد لنا أن نعلم أن مرض العشق يمكن أن نعبر عنه حاليا على أنه شكل من أشكال الشدة العاطفية Emotional stressالتي يخضع لها المريض. وهذه الشدة العاطفية وبحسب درجاتها قد ينجم عنها مرضيات نفسية مختلفة وذلك حسب شخصية المريض وخلفيته الاجتماعية وظروفه المحيطة به، فضلا عن استعداده الشخصي. فبعض الذين يخضعون لشدة عاطفية شديدة قد يصابون بعصاب القلق Anxiety neurosis، ومنهم من يصاب بحالة الارتكاس الهمودي Reactive depression ، كما قد يصاب بعض المرضى الذين عندهم أصلا شخصية شبه فصامية بحالات فصام Schizophrenia صريحة،
كما هو الحال في الفصام الشبابي أو ما يسمى بفصام المراهقة. من ذلك نستنتج أن ما كان يعرف بمرض العشق هو عبارة عن أحد أشكال الشدة العاطفية التي قد تؤدي لحدوث اضطرابات نفسية خطيرة يمكن لها أن تؤدي في بعض الأحيان لحدوث خطر الانتحار، وخاصة عند الذين أصيبوا بحالة الهمود الإرتكاسي.
أن داء الحب يمكن أن يكون قاتلاً وأنه يجب أخذ هذا الأمر بجدية علي أنه تشخيص حقيقي للمشكلة. ويعد فرانك تاليس المعالج النفسي في لندن أحد هؤلاء الذين يطالبون بزيادة الوعي بهذا الداء. من خلال التقرير الذي نشرته المجلة. قال إن الكثير يصابون باضطرابات نتيجة لوقوعهم في شباك الحب. أو يعانون بسبب الحب من طرف واحد وعدم استجابة الطرف الآخر. مما يؤدي إلي إقدام بعضهم علي محاولة الانتحار.. مشيرا إلي أن الدراسات التي تناولت حالة مرض الحب لا تزال قليلة.
انه يوافق علي ضرورة ان يكون الأطباء اكثر وعيا بخطورة داء الحب وانه من الممكن وضع العديد من الحالات تحت هذا التشخيص.. موضحاً إمكانية وفاة بعض الأشخاص نتيجة لتحطم قلوبهم عاطفياً. حيث يصلون إلي حالة من اليأس وفقدان الأمل. قال انه نتيجة للحب.
فإن بعض الأشخاص يمكن أن يصلوا إلي حالة غير طبيعية من الإنهاك الجسدي.. وفي بعض الحالات يمكن أن يؤدي داء الحب إلي انتحار بعض الأشخاص. انه قبل القرن الثامن عشر. وعلى مدي آلاف السنين. كان ينظر إلي داء الحب علي انه مرض عادي يصيب عقل الانسان عند وقوعه في حبائل الغرام. أضاف.. انه بمصطلحات العصر الحديث. فإن أعراض داء الحب يمكن أن تشمل الهوس. مثل الحالة المزاجية العالية أو تضخم الإحساس بالذات أو الاحباط. وتعبر هذه الحالة عن نفسها في صورة أرق أو غضب واهتياج.
قد يتساءل البعض هل العشق مرض؟
هكذا اعتبره أجدادنا الأطباء العرب المسلمون كالرازي وابن سينا والبغدادي وغيرهم.
إذا كيف اعتبروه ذلك؟ وما هي أسباب وأعراض هذا المرض وكيف يتم علاجه؟..
اعتبر العشق على أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى الحب على أنه أسمى عاطفة يتحلى بها الإنسان، فقد اعتبر العشق أنه عبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما ينعكس ذلك بآثار سلبية على شخصية العاشق تظهر في اضطرابات جسمية، فضلا عن الاضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.
لقد عالج الأدباء العرب ومنهم الشعراء هذا الموضوع في شعرهم الغزلي بشكل خاص، واعتبره الكثير منهم بأنه المرض الذي لا يرجى شفاؤه
في حين أن الأطباء المسلمين القدامى، وعلى نحو مخالف للشعراء، قد نظروا إلى هذا المرض على أنه حالة مرضية كغيره من الأمراض العصبية أو النفسية كالصرع والصداع والسوداء له أسبابه المرضية وعلاماته وأعراضه وعلاجه. فأفاضوا في شرحه موضحين أن لهذا المرض علاجات مختلفة تطبق حسب حالة المريض وحسب درجة ثقافته، بالإضافة لطبيعة الظروف المحيطة به.
أسباب مرض العشق:
يقول ابن سينا في ذكر أسباب هذا المرض: “هذا مرض وسواسي شبيه بالمالينخوليا) Melancholy، يكون الإنسان قد جلبه إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمايل التي له، سواء أعانته على ذلك شهوته أم لم تعنه)”.
الأعراض والعلامات:
“وعلامته غور العينين وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه. ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات، فإذا اختلف النبض عرف أنه هو لقد أجمع أكثر الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن اضطراب النبض هو من العلامات الهامة لتشخيص مرض العشق بل وحتى معرفة هوية المعشوق.  يمكن تلخيص أعراض وعلامات مرض العشق كما ذكرها الأطباء المسلمون القدامى: النحول – قلة الشهية – غور العين مع سماكة الجفن – حب العزلة مع الاسترداد وكثرة الصعداء – اضطراب النبض وخاصة تسرعه لدى ذكر المعشوق أو أي شيء يتصل به.
المعالجة:
لقد أجمع الأطباء العرب المسلمون الذين تحدثوا عن مرض العشق أن أفضل وأنجع علاج لهذا المرض هو الجمع بين العاشق والمعشوق وذلك على نحو تبيحه الشريعة.
مما سبق يمكن أن نذكر مقومات علاج مرض العشق على النحو التالي:
أولا- محاولة الجمع بين العاشق والمعشوق بالزواج إن أمكن، وفي ذلك يقول ابن هبل البغدادي: “العلاج لا شيء أنفع من الجمع بين العاشق ومعشوقه على وجه تبيحه الشريعة، فإنه يصلح ويبرأ. وإن لم يكن فالنظر من بعيد، وإلا فالتسويف)”.
ثانيا- نصح العاشق وتعنيفه على أفعاله إذا كان من العقلاء.
ثالثا- إشغال العاشق ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، أو إشغاله ببعض الأمور الدنيوية الأخرى التي تصرف تفكير العاشق عن كثرة التفكير بمعشوقه. وقد تفنن الأطباء العرب في هذا المجال بابتكار الوسائل التي من شأنها أن تحقق هذا الغرض. فمن هذه الأمور ذكروا:
1-إشغال المريض ببعض العلوم العقلية ومجالس أهل الفضل، وذلك إذا كان ممن عنده الاستعداد لذلك. وإذا كان من المتدينين فيمكن تسليته بأخبار الزهاد والعباد والمساكين.
2- إذا كان العاشق صاحب صنعة أو عمل أو شغل ألزم بعمله أو شغله فلا شيء أضر عليه من البطالة والفراغ.
3- طول السفر عن مكان إقامة المعشوق، حيث أن ذلك مما يولد النسيان مع مرور الزمن.
4- ذكر بعض الأطباء –كابن سينا- أنه من الناس يسليه الطرب والسماع، ومنهم من يزيد ذلك من غرامه، ويمكن أن يعرف ذلك.
5- مما ينفع هؤلاء أيضا مجالس السرور واللهو والفرح، والتنزه وكثرة النظر إلى القمر. وهذه كلها اعتبرت من الأمور التي تصرف تفكير العاشق عن معشوقه.
إن الحب أسمى شعور يمكن أن يشعر به الشخص، ولكن يتطور عند بعض الأشخاص لتعلق شديد بشكل مبالغ فيه، وبالتالي مع وصوله لمرحلة العشق يبدأ فى الوصول لدرجة من درجات المرض النفسي، وذلك يرجع لاضطراب فى نفسه وتكون أعراضه المرضية حالة من الهوس الشديد، لدرجة أنه يسعى إلى إرضاء الشريك مع إنكار للذات مبالغ فيه وتضحية كبيرة جدا لدرجة إيذاء الذات، وإذا سقط عليه القهر والذل والإهانة فلا يأخذ موقف ولا يفكر فى الانفصال.
أن من الاعراض المرضية أيضا:
– الخوف الشديد من الانفصال.
– رغبة ملحة فى الارتباط الدائم بالشخص.
– فكرة وجود الشخص مهمة حتى إذا لم يكن له معنى.
– يعطى فقط ولا ينتظر أى نوع من المقابل إلا وجود هذا الشخص فى حياته.
– الاحساس بأن الموت قريب لمجرد فكرة البعد.
– التوتر الشديد والقلق المستمر.
وترجع أسباب هذه الحالة إلى:
1- يرجع لشعور الشخص بعدم الأمان نتيجة خبرات مؤلمة مر بها فى حياته مثلا وفاة أحد الوالدين فترك ذلك عندها أفكار مترسبة أنها لا شىء بدون هذا الشخص.
2- الشعور بعدم القبول من قبل الآخرين فيكون التعلق المرضى.
3- سبب التعلق المرضى أيضا أن الشخص ليس له هدف فى الحياة فيصب هدف على الشخص المتعلق به.
4- بعض الحالات يكون لديهم إحساس شخصي بالنقص .
أن العلاج يتمثل فى تصحيح المفاهيم من خلال جلسات العلاج المعرفي لمحاولة تدريب الشخص على ضبط الذات ومهارات الثقة بالنفس ومساعدتهم أنهم يحددوا أهدافهم الحقيقية فى الحياة وكيفية منح الحب من اكتفاء بدون فكرة الخضوع، وتنمية الذكاء العاطفى حول ردود الأفعال السوية.
السؤال: وهل يدخل الحب في دائرة الأمراض حتى نبحث له عن علاج؟!..
والجواب: نعم إذا زاد الحب عن حده وسيطر على تفكير العاشق ليل نهار، وأصابه بالاضطراب والاكتئاب، وربما منعه من مزاولة العمل، ومن الحياة الاجتماعية السليمة، وأصابه بالنحف والهم والسقام، فإن الحب في هذه الحالة يعتبر مرضاً يؤدي لعدد من الأمراض.
وقد اعتبر الإمام ابن القيم الحب العنيف نوعا من (المناخوليا) وذلك في كتابه الرائع (روضة المحبين) و(المناخوليا) تحت الجنون بدرجة.. بسنَّة واحدة.. وقد جن كثيرون من العشق على مر التاريخ العربي، بل إن بعضهم مات عشقاً.
إذن فإن الحب العنيف بدون الزواج من الحبيب مرض.. ويؤدي إلى عدة مراض.. فما هو العلاج؟
كقول أم الضحاك المحاربية:
سألت المحبين الذين تحملوا
بتاريخ هذا الحب من سالف الدهر
فقلت لهم: ما يُذهب الحبَّ بعدما
تبوأ ما بين الجوانح والصدر؟
فاقلوا: شفاء الحب حبٌّ يزيله
لآخر، أو نأي طويلٌ على الهجر
أو اليأس حتى تذهل النفس بعدما
رجت طمعاً.. واليأس عونٌ على الصبر
وفي قولها حكمة، فإن صرف الذهن بالإرادة إلى حبيب آخر بالإمكان الزواج منه علاج وأي علاج. كما أن البعد عن الحبيب الذي شغف القلب، والحرص على عدم رؤىته أبد الآبدين، يشفي القلب بالتدريج، فالبعيد عن العين بعيد عن القلب، على رأي المثل الدارج، وهو رأي صحيح واقعي. كذلك فإن اليأس التام من الحبيب يجعل القلب يبرد والأمل ينقطع، والمثل العربي يقول (اليأس أحد الراحتين) أما الراحة الأخرى فهي (الموت) ويسمونه الراحة الكبرى، بالنسبة لهم الدنيا ويبقى عمل الإنسان لآخرته وهو الأهم.
إذن فإن هذه الشاعرة العاشقة قدمت لنا علاجات الحب بحكمة بالغة وعن تجربة نافعة، واختصرتها وحصرتها بشكل عجيب، فهي ثلاثة علاجات:
1 – البحث عن بديل للحبيب نصرف له القلب والخيال فننسى الحبيب الأول.
2 – البعد التام والانقطاع النهائي عن الحبيب الذي فتن العاشق وملك لبه وعقله وفي البعد سلوى ونسيان.
وقالوا شفاء الحب حب يزيله لآخر أو نأي طويل على الهجر
رحت يم الطبيب اللي يداوي الجروح قال جرح المودة ما يسر الدوا به
3 – اليأس التام من حكاية الزواج من المحبوب وهذا علاج أكيد، فإنه لا يوجد حب بلا أمل وإلاَّ أحب الكثيرون نجمات السينما والتلفزيون حباً يشبه المرض، وهذا لا يحصل رغم شدة الاعجاب، لأن جعل الأمل منقطعا، وصرامة اليأس حائلة وحاجزة عن تعلق القلب بشكل مذهل، خاصة أن الجميلات بلا عدد!
ومن أجمل شعرنا الشعبي في محاولة علاج الحب:
“رحت يم الطبيب اللي يداوي الجروح
قال جرح المودة ما يسر الدوا به
قلت قلبي تكلف يا الطبيب النصوح
قال طبه مع اللي ولعه واشتقى به
قلت بالله تجمل دلني وين اروحي
وين ابلقى علاجي والأداوي تشابه
أول الليل اهوجس وآخر الليل انوحي
وا عذاب المولع بالهوي وا عذابه!
صابني بالعيون والحجاج الذبوح
واحمر المبسم اللي ما يعالج صوابه
منك روحي خطيره يا حبيب تروحي
الهوى يذبح العاشق وهو ما درى به
ليت عينك تشوف وليت مسمعك يوحي
يوم انادي ودمعي مثل وبل السحابه
آه من واهج آه باقصى الضماير يفوح
كل ما اشرب عليه الما يزيد التهابه
يا حبيبي علامك بالمواصل شحوح
ارحم اللي معك ما جابه الورق جابه
جاك علم الصحيح وراح هرج المزوح
كل شي إلا التفرق ما حسبنا حسابه”
فهذه الكلمات الرائعة للشاعر (فالح) توضح مدى تغلغل الحب، ورغبة المحب في شفاء غليله إما بلقاء حبيبه أو بعلاج من طبيب.. لكن الطبيب هنا (زاد الحمى مليله):
(قلت قلبي تكلف يا الطبيب النصوح قال طبه مع اللي ولعه واشتقى به)
وهذا هو العلاج المؤكد وهو منية القلب وغاية المراد من رب العباد!!.. لكن ما الحل إذا لم يحصل هذا العلاج..؟ ما البديل؟.. هو ما شرحته لنا – بشكل موجز – أم الضحاك المحاربية في شعرها السابق.. فالواقع أن هذه الشاعرة العاشقة جاءت بالعلاج الصحيح المكون من ثلاثة أدوية يختار كل (مريض بالحب) منها ما يلائمه!..  وابن الدمينة جرب علاجين لشفاء الحب وزعم أنهما لم ينفعا، وإن كان أحدهما أفضل من الآخر:
(وقد زعموا أن المحب إذا دنا يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد!)
وهذا شعر صاحب هوى لا يريد نسيان حبيبه لهذا فضل القرب! لو كان صادقاً في طلب العلاج وجاداً لعزم على البعاد، هنالك يحصل النسيان والسلو، ولولا النسيان لمات الإنسان. وبشار بن برد شبه الحب بالوسواس، وهو تشبيه مصيب وجميل، فالحب العنيف يشبه (الوسواس القهري).
ويشتكي بشار من أن هذا الحب – الوسواس – في أوله.. طفل! فكيف إذا شب وكبر؟!
(كأني بك مطبور وما أحدثت لي طبا
ولكن حبك الداخل في الأحشاء قد دبا
أبيت الليل محزوناً وأغدو هائماً صبا
كذي الوسواس لا يعتب من عتاب أو سبا
وطفل الحب أضناني فويل لي إذا شبا)!
وفعلاً إذا شب طفل الحب شب على القلب وأضرم النيران في الأحشاء والأعضاء، وملأ خلايا العاشق وحناياه! ولا ينفع مع العاشق لوم.. أو عتاب.. ولكن قد ينفع إثارة كرامته وكبريائه بأن محبوبه يسخر منه ويضحك عليه وأنه -المحبوب – مخادع كذوب!  ويصف لنا شاعر آخر متى ترتفع حرارة المحب ويشتد به المرض أكثر ويصول عليه غول الحب:
(دواء الصبابة ما له من راقي والموت دون لواعج الأشواق
وأشد ما يلقى المحب من الهوى قرب الحبيب ولا يكون تلاقي)
(شفه ولا تذقه)!  منتهى العذاب!
الفرق من حيث التعريف الحبّ هو ميل قلبٍ إلى قلبٍ آخر، أو تعلّق قلبٍ بقلبٍ آخر، ويكون ذلك باجتماع مشاعر قوية داخلية لشخصٍ ما. والحبّ علمياً: يكون بإفراز المخ لهرمون التستوستيرون ليندمج مع هرومونات الجسد بطريقةٍ معقدةٍ، لا تستوعبها عقولُ العلماء، وهذا الهرمون يزداد إفرازه كلّما زاد حبّ الشيء. العشق هو عبارة عن قوةٍ غريزية، تسري من دونِ تدخل العقل، فيدخل المعشوق بحالةٍ هستيرية.
والعشق علمياً: يكون بإفراز الجسم لهرمون الأوكسيتوسين، ليتفاعل مع هروموناتِ الجسد، فيعطي شعوراً بالانجذاب نحوَ شخصٍ ما، لتولّد رغبةً قويةً لا يوقفها أحد، ويجب التنويه أنّ العشق هو مرحلة من مراحل الحبّ المتقدّمة فالحبّ يمرّ بعدّة مراحل وهي: الهوى، ثمّ الصبوة، ثمّ الشغف، ثمّ الوجد، ثمّ الكلف لنصل إلى العشق.
الفرق من حيث العلامات علامات الحبّ إدمانُ النظرِ إلى المحبوب. الانقياد للمحبوب وآثار المحبوب على نفس المحب. عدم النظر إلى المحبوب وتغاظي النظر خجلاً منه. بذل كلّ الجهد في رضى المحبوب. الاندهاش والفرح عند مواجهة الحبيب أو سماع ذكره. أن يكره المحبّ ما يكره المحبوب، ويحبّ ما يحبّه. هجر المحبّ لكل ما يزعج محبوبه. علامات العشق الفرح الكبير للعاشق بذكر معشوقه. الإقلاع عن الأكل والشرب. البكاء من غيرِ سبب. الحزنُ الشديد. السهرُ ليلاً وعدم النوم. كثرة السرحان وشرود الذهنِ والتفكير. الشعور بالهمِ دائماً. الفرق من حيث النوع أنواع الحبّ حبّ الله عزّ وجلّ: هو الحبّ لله وحده.
الحبّ في الله: أي القيام بالأعمال الصالحة، والحبّ للمؤمنين ايضاً؛ بهدف إرضاءً الله. حبّ الاحترام: كحبّك لجدّك أو لوالديك.
حبّ الشفقة: كأن تعطف على كبيرٍ أو فقير. حبّ الأشياء: كأن تحبّ الطعام والبيت. حبّ طبيعي: كحبّ الرجل للمرأة، أو حبّ الزوج لزوجته. أنواع العشق عشق الرجال للنساء: هو أكثر أنواع العشق انتشاراً؛ لأنّ الرجل عندما يحبّ لا يخاف من شيء. عشق النساء للرجال: هذا النوع من العشق قليل نوعاً ما؛ وذلك لما تتّصف به المرأة من الخجل والحياء. عشق الرجال للرجال: هو ما يعرف بالشواذ الجنسي.
عشق النساء للنساء: هو ما يعرف بالشواذ. أسباب العشق كما نرى فإنّ العشق غير مستحب، ويمكن أن نصفه بأنّه مرض يجب العلاج منه؛ لأنّه يتخطّى مراحل الحبّ وقد يسبّب المشاكل النفسية، فيقول ابن سينا أن العشق: عبارة عن مرضٍ وسواسي شبيه بالمالنخوليا، حيث يسلط العاشق نظره وتركيزه على بعض الصور،
فيتحرك الشوق لها، ويساعد في ذلك الحركات الشهوانية. علاج العشق لا بدّ من إيجاد طريقةٍ فعالة لعلاج مرض العشق، والخروج منه بأقل الأضرار الممكنة، فمخاطر العشق لا تتوقّف فقط عند الحزن والبكاء، إّنما قد تصل أحياناً إلى الانتحار، فلا بدّ من إيجاد طرق ومقومات للعلاج، ويمكن حصرها بالتالي: التقرّب إلى الله عزّ وجلّ، بصلاة والصوم والدعاء.
الابتعاد عن الفراغ، وجعل يومك حافل بالأعمال التي قد تخرجك من وضعك الحالي. الابتعاد عن التقليد الأعمى، خاصة تقليد ما يتمّ نشره عبر وسائل الإعلام
. نصح العاشق وتعنيفه للخروج ممّا هو فيه. السفر للابتعاد عن المعشوق ممّا يساعد في نسيانه. الجلوس في مجالس العلم، أو مجالس السرور واللهو. محاولة الجمع بين العاشق ومعشوقه بالزواج.
التوازن النفسي والتصالح مع الذات يعكسان موجات من الحب الصادق الذي يدفعه التفكير الإيجابي، ويمنحه القلب السليم وقوة الدفع التي تجعله يستقر لدى الآخرين برداً وسلاماً وشفاء وراحة للنفس، ويترجم نظرة مليئة بالجمال والتفاؤل تجاه الحياة وتجاه الغير؛ لأن النفس الواثقة المطمئنة الصادقة لا يصدر عنها إلا المودة وحب الخير للناس والتسامح مع الآخرين.
الحب فيه علاج ناجح لكثير من معضلاتنا النفسية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، ونتمني السعادة لهم جميعاً، بل وسعى من أجل تحقيقها لهم؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين. ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.
إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية والسلامة لدى الآخرين، وهذا – بلا شك – فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.
الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين.. وهي قيم حث عليها الإسلام، وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض أخرى، مثل الحسد والكراهية والأزمات القلبية والجلطات، وغيرها من الأمراض النفسية والعضوية.
هو الحُبّ هذا الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجح، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ويمنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.
ويبدو أن علم الطب في دراسته ومعالجته لمختلف الأمراض، قد ولج عالم النفس وانفعالاتها ومدى تأثير ذلك على التسبب بالمرض، أو الحماية منه، وفي دراسة مثلاً لحوالي 50 % من المصابين بمرض قلبي يرتبط بمشكلةٍ عميقةٍ في نهج الحياة أدت إلى تأذي النسيج البنيوي لقلوبهم، وليس التدخين أو ارتفاع الضغط الشرياني أو ارتفاع الكوليسترول.. الخ، ووجد أن هناك عوامل ذات فعل إيجابي يقي من الإصابة بأمراض القلب أو يقلل من احتمال حدوثها، ومنها الفرح، والسعادة، والسلام مع النفس، والحب، والوداعة، وحب الذات واحترامها واستعدادها للمشاركة مع الآخرين.
وعن هذا يتحدث الدكتور “جوزيف كلاس” في كتابه «”القلب بين الطبيب والأديب” فيقولُ:
لقد بينت أبحاث علم المناعة النفسية والعصبية الحديثة أن الدماغ يولّد جزيئات خاصة تسمى «البيبتيدات العصبية NEUROPEPTIDES تتفاعل مع كل خلية من خلايا الجسد، بما في ذلك خلايا الجملة المناعية، وأن أي تأثرٍ أو انفعالٍ يولد هذه الجزئيات التي تستقبلها كل الخلايا، وأن الانفعالات بمعناها الحقيقي تماماً، ليست في العقل فحسب، وإنما هي في الجسد أيضاً.
وقد تبين من دراسة أُجريت على خريجي “جامعة هارفرد” أن أكثر الخريجين تشاؤماً كانوا أكثرهم عرضة للإصابة بالمرض، وأن المزاج يمكنه أن يؤثر في نشاط خلايا الجسم المناعية، وهكذا نجد أننا عندما نشعر بالسعادة نكون وظائفياً “فيزيولوجياً” مختلفين عما كنا نشعر بالتعاسة أو الإحباط، وقد قال “ابن سينا” مثل هذا القول منذ أكثر من ألف عام.
ويضيف “الدكتور كلاس”: “ومهما يكنْ من أمر الأبحاث العلمية وما كشفته، وما ستكشفه لنا في المستقبل فإنه من الجلي أن الاتصال بين العقل والجسد، قادرٌ على صنع الفارق بين الصحة والمرض، وأن الصحة توجد في جملة مناعية متوازنة، وأن هذا التوازن نستطيع أن نحييه، أو أن نحافظ عليه باتباع طرقٍ سلوكيةٍ معينةٍ، مثلَ الصلاة، والتأمل، والتخيل، والاسترخاء، وقد ثبت أن الإيمان من جهة، وحب التواصل مع الآخرين من جهة أخرى ينشطان طاقة الشفاء الذاتية”. قصة “المريض طالب عمره ثمانية عشر عاماً، تعرض لحادث دراجةٍ ناريةٍ كان يركبها، فأصيب بكسرٍ في الجمجمة ودخل في سباتٍ عميقٍ، وكان منظره على سريره في المستشفى تحت جهاز التنفس الاصطناعي، وما أصاب وجهه من تشوهات يبعث على التشاؤم، وقد نصح الطبيب المعالج أباه وأمه وأفراد أسرته أن يكلموه ويقبلوه، ويغمروه بحبهم كما لو كان في تمام وعيه، وكان طبيبه في كل زيارةٍ يناديه باسمه ويقول له: “بمقدورك أن تشفي نفسك”.
وبعد شهر من الرعاية، عاد للمريض وعيه، ومع المعالجة التأهيلية تماثل للشفاء، وبعد أربع سنوات عاد ليزور طبيبه وبصحبته زوجته وابنته.
ويمضي الدكتور كلاس قائلاً: إن جهاز الإدراك الروحي يسكن بطانة قلبك، فقلبك هو مركز روحك، وهو مركز الحب، فأحبب ذاتك واقبلها، وبح بمشاعرك ولا تكتمها، إن جوهرنا الباطن (روحي) وأن المرض هو حدث عقلي وعاطفي في أوله، ثم لا يلبث أن يتجلى في الجسد، وأن الحب النابع من أعماق القلب، هو القدرة الشافية الأعظم في هذا الكون.
إن الخطر الأكبر الذي يحدق بالقلوب، يكمن في افتقارها إلى الحب، فالحب ترياقٌ فعال ضد سموم الضغط النفسي.. والحب مضاد للتشنج .. والحب يجدد الشباب، ويمحو التجاعيد، ويشحذ الفكر، ويفرح الروح، ويطير بها في أجواءٍ خياليةٍ حالمةٍ.
والحب ليس مجرد جمال وثورة، وتهيج، وطنين يملأ قلب الإنسان، ويداعب شغافه، وأنا لا أشيرُ إلى طنين الشهوة، لأنه يستملك وقتياً، ويتملك عبوراً، إن الحب ليس عاطفة متأججة دافقة فقط.. إنها رغبةٌ إنسانيةٌ تحاكي العقل مقنعةً، وتتجه نحو الإرادة، فتدعوها لاتخاذ قرار حكيمٍ.
وفي مثل هذه الحالة من التفتح والوعي، نجد الحب الحقيقي قراراً .. لأنك إن أردتَ أن تتخذ قراراً بأنك لا تحب، تزول مشاعر الحب وعواطفه فوراً وتبعاً لهذا القرار…
إن الحب قرارٌ غير مشروط.. والسؤال هل يقرر الإنسان أمراً مدمراً دون رؤية؟..
والقرار بحب إنسان ليس إجراء سلبياً هامداً .. لأنه يشتمل دائماً نشاطاً شخصياً ذاتياً ..
فعندما أقرر أن أحب، لا يكون المعنى مقتصراً على توفير الطاقة، بل يتعدى هذا ويتجاوزه .. معناه في الحقيقة أني قررتُ القبولَ بالآخر، وإحاطة الآخر بأن قرار الحب غير مشروط!
سهلٌ هذا القول، ولكن صعب الوفاء به… صعب أن يعيشه!. فنحن كلنا أو معظمنا لا يقبل بالغير، ولا نحب بغير شروطٍ… الحب مسؤولية، وتضحية، وإنكارٌ للذات… وتجردٌ عن الأنانية.. والحبُ لذاتِ المحبوب شخصاً وروحاً وعقلاً ونقاءً وانسجاماً…وأنت بحاجة لمن يحبك، وتبحث عن الحب بالفطرة منذ أن يبدأ تكوينك وتخلُّقك جنياً في بطن أمك.. ولكي تحصل على الحب، ولكي تحتفظ بالحب، يجب أن تعطيه ..
فعطاء الحب، هو الندى الذي يرطب أوراق شجرة الحب، ليمنحها الطاقة والحياة والحيوية والاستمرار. إن قرار الحب مؤسسٌ على ثقة إنسان بنفسه، وائتمانه نفسه والآخر، وقدرته، أو حريته في العطاء والأخذ مع إنسان آخر، لكي ينمو الاثنان كشخصين فريدين محبين.
العلاج بالحب
النفس البشرية خزانة للمشاعر الإيجابية ذات الأثر الفاعل في تغيير حياة الآخرين، وهي زاخرة بما يمكن أن يكون ترياقاً لكثير من العِلل الذاتية وعِلل الآخرين، ومن هنا يمكن اكتشاف العلاج للعديد من معضلاتنا من داخل نفوسنا وقلوبنا ومشاعرنا ومكنوناتنا الداخلية.
نعم، الحب فيه علاج ناجع لكثير من معضلاتنا النفسية والصحية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، وتمني السعادة لهم جميعاً، بل السعي من أجل تحقيقها؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين، ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.
إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية وسلامة الدواخل لدى الآخرين، وهذا – بلا شك – فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.
الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين، وهي قيم حث عليها الإسلام وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض القلب، وغيرها من العلل.
يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم:
“لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه”.
وهذا يعزز قيم الإيثار والحُبّ، وفي ذلك تذويب لمشاعر الحقد والحسد والكراهية.. فأي علاج أفضل من هذا؟ وأي علاج نحتاج إليه في هذا العصر أكثر من هذا؟.هذا الحُبّ هو الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجع، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ومنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.
و للحب القدرة على شفاء أي أمراض.. وما تواجدت الأمراض الا بسبب الافتقار للحب.. ولكي نفهم ذلك أولاً علينا ان نفهم علاقة الحب بالحياة. وأولى الناس بالحب هو أنت، نفسك، فإن لم تحب نفسك فأنت تحرم ذاتك من الحب الذي تستحقه وتحجب محبة الله أن تمر منه إليك. إن كل الامراض تنشأ من الافتقار للحب بشكل أو بآخر… الافتقار لطاقة الحب… فلتسمح لطاقة الحب أن تسري فيك. عليك بدايةً أن تتقبل ذاتك وتحب ذاتك لتسمح للحب أن يسري فيك كما هو مقدر له أن يسري في كل الوجود ليبقيه حياً. لاحظ نفسك.. عندما تفتقد الحب.. انظر ماذا تشعر.. هل تشعر بالنور أم بالظلمة؟؟ هل تشعر بالخير – أم بالشر؟؟ هل تشعر بالراحة أم الانزعاج؟؟ هل بإمكانك أن تسترخي؟؟ هل تشعر حقاً أنك تعيش؟ لاحظ نفسك وأنت في حالة الحب… والحظ الفرق. إن الحب وحده كفيل بأخذ كل الاسقام بعيداً، لأن المرض أياً كان هو نقص في طاقة الحياة لدى الإنسان وطاقة الحب نفسها هي طاقة الحياة.. الحب هو أنقى صور طاقة الحياة.. فما إن تفتح نفسك للحب إلا وستلاحظ الشفاء في داخلك، ستلاحظه وتشعر به حتى يتجلى ويظهر أثره على جسدك ونفسك. عندما تشعر أن أحدهم بحاجة لطاقة الحياة… افتح قلبك أولاً للحب، وانفتح على الحب حتى تشعر أنك امتلأت حباً، ثم ابدأ بالسماح لهذا الحب بالتدفق منك إليه، وإن لم تتمكن من فعل ذلك فقط بالنية يمكنك أن تستخدم مخيلتك لتحفز الشعور بالحب لديك…فقط تخيل من تشعر أنه بحاجة لطاقة الحياة.. تخيله أمامك واشعر بالحب الذي في قلبك.. واسمح لهذا الحب أن يمر من خلالك للآخر حتى يشبعه أو حتى تشعر أنه أشبعه.
هرمون الحب:
اكتشف الباحثون أن هرمون الحب قادر على فعل العجائب في حياة الإنسان على صعيد الصحة العامة والصحة النفسية وعلى تصرفاتنا، بل إنه قادر على علاج العديد من أنواع الصداع أيضاً. لا تقتصر عجائب هذا الهرمون على تعديل المزاج فقط بل إنه يخفض معدلات هرمون التوتر ويخفض ضغط الدم.. ويؤكد العلماء أيضاً أنه يلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار علاقاتنا مع الآخرين لأنه مرتبط بمشاعر الثقة التي نوليها لهم.
ترى ما هذا العلاج المدهش الذى لا يكلف سوى لمسة حانية ينطلق على إثرها هرمون ذلك هو الهرمون المعالج الذي سكن أجسامنا طيعا وبقيَ رهنا لأى إشارة حب. ولأن الزوجين هما أكثر المنتفعين بهذا الدواء، لذا عليهما تفعيل الغدة النخامية فيما يخص جانب (الاكسيتوسين) وذلك باستثارتها دومـا بالمودة والرحمة والأُلفة التي جعلها الله ملكا لهما. وما أجمل دور النظرات التي تعبر عن اللهفة والتواصل! والقبلات الحارة التي ترغم الغدة على أن تكون أكثر تفاعلاً! والمرأة الذكية هي التي تتدفق بجمالها ورقتها رويدا في عيني وروح شريك العمر وذلك ليتقاطر الهرمون لدى الزوج نقطة بنقطة ؛ حريصة ألا تسكبه دفعة واحدة كي لا يتوافد الزهد والشبع عقب الصب الكامل.
وعلى الرجل أن يحقق رجولته مع ذكورته، وأن يحقق لطفه مع ولعه، وأن يكون جذابا في هندامـه ومظهره؛ فهذا أدعى لشغف المرأة! وأنشط لإدرار هرمون (الاكسيتوسين) عندها هي الأخرى! حقا.. بلمسة واحدة تنهض الهرمونات من موضعها؛ راكبة كريات الدم، جائلة في كل زوايا النفس لتنعشها! وتبث فيها الفرح والمرح حتى تتبعها قطرة أخرى!
ويتوالد مـن ذاك المرح هرمون آخر ألا وهـو (الإنترفيرون)!! ذلك هو الهرمون المتمم لجند الجسم ليقوم بمهمته الكبرى في مهاجمة الأمراض! ومـازال الهرمون متجها إلى البشرة لينقيها، وإلى الخدود ليحمرها بـ (روج) رباني لم تقدر على صنعه الشركات! ويبقى الهرمون جاهدا حتى يؤخر قدوم الشيب والكبر.! بعد أن عرف العلماء دور هرمون الأوكسيتوسين إكسير غرام العشاق، والحبل السري الذي يربط الأم بالجنين. إن السر وراء الأخلاق السامية هو هرمون “الحب” الأوكسيتوسين… هدف العلماء القادم وأملهم الكبير لتصنيع الدواء القادر على تصحيح النفوس البشرية لتضع كل الحروب أوزارها وليعم السلام في الأرض أخيرا فهل يتحقق المراد؟.
هكذا يكون الحب! إننا في عصر ماديٍّ زاد معه جوع الروح وعطش القلب، فراغٌ روحيٌّ ومعنوي في مقابل الإشباع المادي الحبُّ أمرٌ فطريٌّ لا يتعارض مع طهر النفس وعفافها، فالإسلام يقف معه ولا يعارضه، وإنما يعترض فقط على ذلك النوع الذي ينشأ في الظلام ويؤدي إلى ارتكاب المعاصي. لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل: من أحب الناس إليك؟ فقال: عائشة، كان يحبها، يمازحها ويلاطفها، يسابقها ويضاحكها. نعم، إنه الحب ماء الحياة وسر الوجود، به تشرق الشمس وتغرِّد الأطيار، وتتدفق المياه الرقراقة في الأنهار، وتتفتح الأزهار، ويفوح منها عبقٌ جميل.
هو كلمةٌ عذبةٌ ونظرةٌ دافئةٌ ولمسةٌ حانية، وقلبٌ حنونٌ رحيم، إنه الأمان والسكينة، والمودة والرحمة، وراحة البال والضمير. غذاء الروح وقوت القلب، نورٌ يضيء حالك الظلمات، من حُرِمَه في حياته عُدَّ من جملة الأموات. ولست أقصد به الحب الأعمى الذي ينظر بعينٍ واحدةٍ قاصرة، ولا يفتح كلتا عينيه إلا عند الفاجعة الكبرى بالغدر والخيانة.
بل حبٌّ تمتد جذوره لقاع القلب، فيصمد أمام الريح العاصف والموج القاصف، حبٌّ متعقِّل، لا مراهقٌ أهوج، تلجِمُ فيه نظراتُ العقل نزوات العاطفة، ترويه دماء القلب، وتحوطه عين البصيرة،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى