د.أماني فؤاد تكتب .. قراءة على هامش «أرض الميعاد» لأوباما
ونتيجة للاختلاف الحضارى؛ لا يملك الأمريكان الوعى الكافى بطبيعة النسق الثقافى والتيارات الفكرية المتصارعة فى المجتمع المصرى والمجتمعات العربية.. لذا تصدُر أحكامهم فى الغالب دون تحديث، تخرج أيضا بصورة شاملة ومجملة، وكأن دول المنطقة كلها كتلة واحدة لا فوارق بينها.
يحكى أوباما عن كواليس اللجنة، التى على ضوء مخططها أصدر تعليمات لوزارة الخارجية، والبنتاجون، ووكالة المخابرات المركزية، والوكالات الحكومية الأخرى لدراسة الطُّرق التى يمكن أن تشجع بها الولايات المتحدة إصلاحات سياسية واقتصادية ذات مغزى فى المنطقة عام 2010؛ لِدَفْع تلك الدول إلى الاقتراب من مبادئ الحكومة المفتوحة، بحيث قد يتجنبون الانتفاضات المزعزعة للاستقرار، والعنف، والفوضى.
يُذكر أن اللجنة فى ثلاثة أشهر فقط قدمت توصياتها بأنه على الولايات المتحدة أن تَكُفَّ عن دعم الأنظمة الاستبدادية.. حدث هذا دون دراسة كافية لتشابكات القوى فى تلك البلدان، أو معرفة ما إذا كانت هناك قوى مدنية بديلة معدة للحكم، وهو ما أسفر فيما بعد عن قفْز الإخوان على السلطة فى عدد من بلدان المنطقة.
يفكر الأمريكان- نتيجة لاستعلاء العقل الغربى- فى المجتمعات العربية كأنها مجتمعات غريرة لا تتمتع بالوعى والنضج الذى يمكّنها من ممارسة سياداتها الكاملة على أراضيها وثرواتها الطبيعية، ورسْم سياساتها بنفسها، ولذا يتحدث أوباما بصفة منصبه وكأنه وصىٌّ على المنطقة، حيث إنهم من يتحكمون فى مصائرها.
توصية وزارة الخارجية، والبنتاجون، ووكالة المخابرات المركزية، بأن تَكُفَّ أمريكا عن دعم الأنظمة الاستبدادية.
حالة رضا أمريكا على طبيعة الأوضاع فى الفترة ما قبل ثورات الربيع العربى لا يدل على انها كانت مثالية.
أسف أوباما على عدم تمكين المرأة على التعليم والوظائف وسَنِّ القوانين التى تكفل حقوق المرأة والإنسان.
هذا لا يعنى أن هناك حالة رضا على طبيعة الأوضاع فى الفترة ما قبل ثورات الربيع العربى إنها كانت مثالية، أو أن هناك اعتراضًا على القيم وأسس الحكم التى يتحدث عنها أوباما، لكن الاعتراض الذى أود توضيحه صيغة الاستعلاء تلك، وآليات توجيه الأحداث بطريقة ساذجة متسرعة لم تستوعب الأبعاد كافة لطبيعة القوى فى المنطقة.
لعل بات من الضرورة المُلِحَّة أن ننظر للتغيرات العالمية، ليس وفْقًا لإرادة أمريكا أو أوروبا أو القوى الصاعدة فى الشرق، بل وفْق استيعاب أحدث ما وصلت إليه الحضارة العالمية من منجزات فكرية توصَّل إليها الإنسان؛ نتيجة للخبرات والعلوم واعتراك الأفكار، فلقد باتت مجموعة بنود تتضمنها مواثيق حقوق الإنسان من المسلَّمات الأساسية فى حياة البشر.
لذا يتعيَّن أن تتم تغييرات جذرية فى منظومة ثقافتنا، حيث الإعلاء من شأن التفكير العقلانى وتشجيع علوم الفلسفة والمنطق والعلوم التجريبية، وتمكين المرأة وحصولها على التعليم والوظائف ــ وهو ما أسف أوباما على عدم حدوثه فى كتابة أرض الميعاد ــ وسَنِّ القوانين الرادعة التى تكفل حقوق المرأة والإنسان، وأن تُمكَّن هذه القوانين على أرض الواقع، وأحسب أن جوهر القضية يكمن فى تغيير الأنماط الثقافية للشعوب العربية، ومراجعة وغربلة مقولات الثقافة الإسلامية فيما يخص المرأة وإصلاح الخطابات الدينية.
ولن يتأتَّى هذا سوى بتطوير مناهج التعليم، وتنوير عقلية المدرِّس وتثقيفه وإعادة تأهيله، وتطوير الأجهزة الإعلامية، والاهتمام والوعى بدور الفنون والآداب السامية ذات الرسائل الإنسانية التى تعى دورها فى حياة من يتلقى هذه الفنون على أرض الواقع. أعنى أن التطوير لن يتأتَّى إلا ضمن منظومة شاملة تنهض محاورها بعضها بالآخَر؛ لنستطيع خلْق مناخ عام من النهضة.
علينا أن نسعى لهذا، ليس لأن أوباما أو بايدن أو برلمان الاتحاد الأوروبى يقولونه ويكتبونه؛ لكن لأنها هى الحقائق التى يجب أن يدركها كل إنسان عصرى، موضوعى التفكير وعقلانى، إنسان يحترم اللحظة التاريخية التى يعيش فيها.