مقالات وآراء
أيُعقل أن يوجد صك بحق مطلق؟!!
د. أمانى فؤاد
تقف سيدة عجوز على سلم المحكمة لتقول إنها رفعت دعوى تطليق من زوجها، بعد انقضاء أكثر من خمسين عاماً على زواجهما، وتؤكد أنها لو اضطرت للخلع فسترفع القضية. وحين سألها محدثها: بعد خمسين عاماً من الزواج تريدين الطلاق!؟، تقول ذات السبعين: ولو بقى من عمرى يوم واحد أريد أن أغادره، أن أمارس حقى إنسانة لا جارية، الحرية غايتى بعيداً عن هذا الرجل، الذى أساء لى كل يوم بدعوى أنه يمارس حقوقه التى أقرها شرع الله، وأن له القوامة، لم يلتفت مرة واحدة لحق إرادتى، لم يحترم لى رغبة، بل مارس كل أنواع الترهيب والزجر والتهديد، مُدَّعياً أنى ملعونة من الملائكة إن لم أُلَبِّ رغباته، لا يرضى الله عنى باعتبارى ناشزاً وعاصية لأوامره. أحسب أنه من الندرة أن يوجد فى المجتمع العربى الإسلامى رجل أو امرأة لم يرددا مراراً وتكراراً على سمع كل زوجة تلك الأحاديث التى تم توارثها عن الرسول الكريم حين أراد تأكيد عظيم حق كل زوج على زوجته، هذا لو افترضنا صحتها.
مثل: «لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، و«لا تجد المرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدى حق زوجها»، وقوله يوصى إحدى النساء بزوجها: «وأحْسِنى، فإنه جنتك ونارك»، وقوله: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبَت (دون مسوغ) فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى ترجع»، وهذا ما استقر فى السُّنة تحت الترغيب والترهيب.
هناك فارق كبير بين ما قاله الرسول لهدف معنوى لحث النساء على توفير الود والسكن وما فهمه وفسره بعض السلف، ثم رسخ فى أذهان الناس، فاستغلوا مكانة تقديس أقوال الرسول حوله، فمارسوا ضغوطاً شتى على النساء.
فكل تطرف بإثبات حق طرف لصالح طرف آخر، ولصق صفة القداسة على هذا الحق- وهو ليس مقدساً- لأنه خاضع لتنوع التجارب البشرية ونزوعها للحد المَرَضى أحياناً، وطبيعة العلاقات الإنسانية وتعقُّد أحوالها المتغايرة، لا يقبله أى عقل يتحلى بالموضوعية، كما أنه لا يوجد صك جاهز بحق مطلق على هذا النحو إلا إذا كان طرف من هذين الطرفين ضعيف الجانب، لا يمكنه المواجهة بإرادته.
إن إحاطة جسد المرأة وكيانها بأوجه التحريم والانتقاص من قدرة عقلها كانت مستَنَداً ومقدمة مشجعة لتبرير اغتصاب إرادتها وعقلها وجسدها، بل التحرش بها وقتما يريد الرجل أو الزوج بموجب تفسيرات للشريعة تغتصب حريتها وإنسانيتها، بل تضعها فى مصافّ الحيوانات فى ظل شريعة وُضعت وفُسرت تحت مصالح الثقافة الذكورية التى كانت ولم تزل غرائزية ولا تقيم وزناً للعدل.
لا أحد يعتدّ بكيان المرأة ولا إرادتها استناداً على بعض المفاهيم المجتمعية الموروثة، وتفسيرات النصوص الدينية التى لا ترى فى الأنثى سوى هذا الكائن، الذى ينبغى أن يقع تحت الوصاية الدائمة لأسباب عديدة، منها: أنها ناقصة عقل ودين، وأنها أكثر جنوحاً إلى العاطفة، غير متزنة، تمر ببعض التغيرات الفسيولوجية الشهرية، مما يعرض ردود فعلها لبعض الخلل لتغيير فى نسبة الهرمونات بجسدها. وتتردد تلك الادعاءات على كل الألسنة، حتى إنها تنطلى على بعض النساء أنفسهن.
هذا فضلاً عن القوامة الواردة فى النص القرآنى، والتى يفسرها البعض وتستغلها الثقافة الذكورية بادعاء القوة والإنفاق للانتقاص من المرأة وحقوقها.
لماذا يتناسى الجميع الرجل والمرأة أيضاً أن المرأة إنسان، أول واجباتها الحفاظ على حق ذاتها، واتساق ما تفعله مع إرادتها وكرامتها، قبل أن تُطلب منها مرحلة تالية، وهى مراعاة حق العيش مع إنسان آخر فى علاقة زوجية، إن توافر إرادة المرأة ورغبتها دون قمع من الرجل أو مقولات وثقافة المجتمع يجعل عطاءاتها أكثر بذخاً وجمالاً حين لا تشعر أنها مقموعة ومُهانة، توافر الحرية يُجنِّب المجتمع النماذج المريضة التى يكتظ بها.
علينا أن نعيد النظر فى الكثير من المقولات التى تحكم سلوك أفراد المجتمع، والتى يهبها البعض نوعاً من القداسة حين نعرض مضمون الحديث على العقل ونختبره وفق حقوق الإنسان والمرأة ويصبح ما يقبله العقل البشرى ومقتضيات التطور هو خطابنا للجميع.