أخبار

لم تكن هنا في يوم ما ..

د. أماني فؤاد
 تمنت أن تُدفن في أرض طفولتها، أو أن يلقوا بجسدها فيه، كانت تعرف أن أمنياتها لن تلقى استجابة، فأسرتها لن تحقق ما أرادته، رغبتها أهون لديهم من تنازلهم عن موروثهم الديني أو أعرافهم، وبالرغم من ذلك كررته مراراً. 
منذ سنوات زرعت شجرة ليمون في طرف حديقة البيت، كانت قد أسرَّت إلى ابنها أنها تفضل الانسحاب دون لفت للأنظار، لكنها لا تريد الابتعاد حين تغادر، أوصته بدفنها تحت شجرة الليمون لا المدفن الذي في الصحراء، على أطراف وجودهم فضلت النهاية.
 منذ زمن أدركت أن الحياة لن تأسَى على أحد، فالأرض تدور والأقدام تلاحقها دون توقف، لا أحد يكترث بمن يغادر إلا نادراً، قد نستحضر بعض الحنين أو الفقد، ثم تُشغل المقاعد ذاتها سريعا.
كل حين تفتح الحياة أبوابها، فنخرج منها أفرادا أو جماعات، ويدخل آخرون، في هدوء أو صخب يستوي الأمر، في حسم ننتهي ولا نعود أبداً كما كنا، فكرت كثيرا أنها ربما أصبحت طائراً، ولذا كانت هوايتها دائما تأمل الأجنحة.      
 ضحكت في مرارة حين شعرت بأعراض المرض رغم العزلة، خشيت أن يتسرب شيء منها لحبات الليمون التي قد يلتقطها أحد، حيث لا مجال لأمنياتها في ظل احتمال هذا الخطر ارتضت رغماً عنها أن يودعوها في الصحراء حال النهاية.
 حين بدأت أنفاسها في الاختناق مرت أمامها أطياف من سكنوا قلبها ذات يوم، أولئك الذين جعلوا لسنوات عمرها طعم الحنين، وقت تحشرجت أنفاسها تماما، كتبت لابنها في الورقة التي  وجدتها بجوارها أن يودعها في اللامكان، كأنها لم تكن هنا في يوم ما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى