فلسطين .. والوطنية المصرية
ظني الدائم أن من لا يضع فلسطين على رأس معشوقاته، فإن لديه خللًا ما في وطنيته، بمعنى أنني أتشكك في مدى قوة عشقه للمحبوبة الأولى مصر.
تركت لنفسي فرصة التفكير في مفردات حجتهم، لكن الله سلم، وجاء الفعل الرسمي المصري، ليثبتني عند ما أؤمن.
ففي الاجتماع الوزاري العربي الطارئ، جاءت كلمات الوزير سامح شكري واضحة لا لبس فيها، بل ومعها الأشقاء العرب بأن كل الإمكانات تحت تصرف فلسطين، وأنه لا سلام في المنطقة ما لم تنعم به فلسطين، وفي القلب منها القدس المحتلة…
تصاعدًا جاء الفعل المصري، فرأينا رجالنا في غزة ورام الله وتل أبيب في مهمة وقف إطلاق النار، ثم رأينا رجالنا في مهمة تثبيت وقف النار، ثم رأينا السيد الرئيس يضع السطور الأولى لصفحة إعادة الإعمار، ولا أقف عند مبلغ الـ٥٠٠ مليون دولار، بقدر ما أقف عند منظومة المبادئ المحيطة بالعملية كاملة، وأولها أن التصور واضح عند القاهرة بشأن إعادة الإعمار، وأنه على رأس أولويات مصر، وثانيها أن الباب مفتوح لمن أراد دعم جهد الإعمار، وأن الدعم لفلسطين كل فلسطين، وللفلسطينيين كل الفلسطينيين..
أمام هذه الرؤية كاملة الوضوح والنضج، استعاد مثلي القوة لما يؤمن به من أن لا وطنية تكتمل إلا بأن تكون فلسطين هي البوصلة، واكتمل اليقين لدي حين رأيت تلك الأصوات التي تدعي الاستئثار بالوطنية، تختفي تمامًا مع كل مفردة من مفردات زيارة مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى فلسطين، وقفوا مشدوهين حين رأوا تجاوز يحيى السنوار حدود الإجراءات الاحترازية ليعانق مدير مخابرات مصر، وتلاشوا تمامًا حين رأوا كل ألوان الطيف الفلسطيني وقد اجتمعوا على مائدة الاستماع إلى ما تقول به مصر، ومن بعد الذهاب إلى القاهرة في مهمة البحث عن وحدة الصف، والتأسيس لمرحلة عناوينها الإعمار والوحدة وبناء الاستقرار..
أعود من جديد على طريق إيماني، بأن مصر لفلسطين وأبنائها ليست كغيرها، مع الاحترام لغيرنا، يستوي في هذا أهل اليمين مع أهل اليسار، وإن شذ عن القاعدة شاذ، فإنما هي حالات تؤكد صحة القاعدة، تمامًا كهؤلاء الذين أثبتت يوميات العدوان الأخير، أنهم ليسوا إستراتيجيين كما يتصورون، وأن ما يتاح لهم من مساحات في الفضاء العام، لا يعني صواب رؤيتهم أو عمق تحليلاتهم.
أزيدكم من الشعر بيتًا، أن مؤمنًا ليست فلسطين بوصلته فهو ضعيف الإيمان، وأن عربيًا لا تكون فلسطين بوصلته، فإنه ناقص العروبة، وأن مصريًا أو شاميًا أو مغربيًا أو سودانيًا أو خليجيًا أو عراقيًا أو يمنيًا لا تكون فلسطين بوصلته، فإن وطنيته غير مكتملة، وفي هذه العبارة أشكر عزيزي معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر الشعبي العربي..