كونجرس الإعلام
على مدار العقدين الماضيين، فرضت دولة الامارات العربية المتحدة نفسها كأهم مركز اعلامي في الشرق الاوسط، فاستقطبت إليها غالبية شبكات الاعلام العربي والدولي سواء المرئي او المقروء، ساعدها في ذلك جملة من المقومات كالتفوق التقني والبنية التحتية المتقدمة والملاءمة التشريعية والانفتاح السياسي والثقافي، والتلاقح الأممي حيث الدولة التي يعيش على أرضها أناس من مئتى جنسية، أي من كل البشر.
فكان أن تزعمت الدولة الخليجية المتفوقة عصرا ذهبيا من الحداثة الاعلامية في العالم العرب، واسهمت في تعزيز وتطوير هذا الوسط الحيوي في المنطقة، حتى برزت تحديات العولمة وانماط الاعلام التفاعلي وتقنيات الانترنت والذكاء الصناعي وبدات المؤسسات الاعلامية التقليدية تنزاح أو تُزاح عن موقعها المركزي لمصلحة مؤثرات جديدة بتقنيات جديدة ومؤثرين من نوع مختلف وبادوات وافكار وساليب مختلفة.
وامام هذا الواقع كان أمام دولة مثل الإمارات تتطلع للريادة وحققت انجازات مشهودة طريقان: فإما أن تنكفئ وتحاول الصمود بالأعلام التقليدي حتى أقصى حد وأطول وقت ممكن، أو أن تشق طريقا إلى الأمام في هذا المجال بما يعنيه هذا الخيار من تحديات لايستهان بها.
وهذا ما يبدو ان أبوظبي قد اختارته، متسلحة بنجاحها في مختلف المجالات الأخرى، كالمجال الاقتصادي على سبيل المثال.
وهو كما أسلفنا طريق مليء بالتحديات.
لكنها اجتازت بنجاح الجسر الأول والأصعب عندما سارعت الى توطين و تعريب العولمة وما افرزته من متغيرات اعلامية
وخاضت بجرأة في مجالات ظلت لعقود محصورة على دول كبرى تعد بعدد أصابع اليد كمجال استكشاف الفضاء مثلا.
وهو ما ينطبق على المجال الذي نتحدث فيه وحوله .. الإعلام بكل تجلياته الحديثة
فبعد أن تمكنت ابوظبي من الحفاظ على ريادتها في المنطقة بالتكيف والمواكبة الجيدة لكل ما هو جديد، تولدت عن السياسية الاماراتية خلال هذا العام فقط مؤسستان هامتان تستقطبان إليهما احدث المعارف والتقنيات المتصلة بهذا المجال، بل وتساهمان في انتاجها وتطويرها.
الاولى هي اكاديمية الاعلام الجديد، والتي تهدف الى تأهيل وبناء كوادر عربية قادرة على قيادة قطاع الإعلام الرقمي سريع النمو إقليمياً وعالمياً، عبر مجموعة واسعة من البرامج والمساقات العلمية في مجال الإعلام الرقمي باستخدام تقنيات التعليم عن بعد. ومن المتوقع ان تلعب هذه الاكاديمية دورا مركزيا على مستوى الشرق الاوسط، وزامنت ذلك مع إنشاء جامعات ومراكز أبحاث في الذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء، وغيرها. وجاء الإعلام ليكمل هذه المنظومة الطموحة ويصاحب العلوم الانسانية الى جانب التطبيقية منها.
أما المؤسسة أو التجربة الثانية فهي بحق المفاجاة المدهشة والسارة لكل المشتغلين والمهتمين بعالم الإعلام بكل تفرعاته
وإعني “الكونجرس الدولي للاعلام الذي أعلنت أبو ظبي مؤخرا عن استضافته العام المقبل: يا للفكرة الرائعة بحق.
لكن الفكرة وحدها لاتكفي، فهو تحد آخر لأبوظبي وعليها أن تجتازه بنجاح
وهو مشروع يمثل بحق نقلة نوعية في صناعة الاعلام في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
وفي المسار المتقدم الذي تنتهجه دولة الإمارات والتي لم تعد تكتف بالريادة الإقليمية على ما يبدوا ، بل باتت تطمح الى الانخراط في المضمار التنافسي العالمي حتى من بوابة الإعلام الحديث وتحدياته وهو توجه لا يخلو من مخاطر أو لنقل تحديات عسيرة ويمكن النظر إليه وتقييمه من ثلاث زوايا:
من المنظار الاماراتي فان هذه الخطوة لا تمثل منجزا طموحا بل هي اجراء ضروري تستلزمه السياسة العامة للدولة وقد سبقتها خطوات اهم على مستوى الاقتصاد والتعليم وصولا الى مجال الفضاء .
اما بالمنظار العالمي فان الامارات تظل واحة استثنائية ووجهة جاذبة يصبو اليها الجميع حول العالم، وهي التي قدمت وتقدم الإسهام الأكبر في تغيير الصورة النمطية عن الشرق الاوسط لدى كثيرين، وهي بهذا التحدي الجديد تقدم للعالم نموذجا جديدا ورائدا سوف يسهم بلا شك في إحداث نقلة نوعية في مجال الإعلام، عن طريق تلاقح الأفكار والطموحات والأبحاث، حين يتلقي صناع الاعلام ورواده وكبريات انتاجاته لتبادل كل ذلك في الكونجرس المنتظر الذي سيكون الحدث الإعلامي الأبرز والأكبر بالنسبة لأعلاميي العالم أجمع.
واخيرا فان هذا الحدث ينظر اليه عربيا كفرصة استثنائية، تتيح لالاف الشباب تطوير مهاراتهم وقدراتهم والاحتكاك باحدث التجارب الاعلامية العالمية، وهو أيضا باب يدلف منه العرب الى عالم المشاركة في صناعة الإحداث والتطورات وعدم الاكتفاء بمقعد المتلقي والمستقبل والمكرر لتحارب الآخرين.
لا أشك أن الامارات ستحقق نجاحا كبيرا في التنظيم وعقد الكونجرس كعادتها، لكن السؤال المطروح هو: ماذا بعد المؤتمر وكيف سيبنى عليه لاستشراف المستقبل وقيادته؟
فهل ستنجح وتبهر؟