مقالات وآراء

هذه الدراما لا تعبِّر عنَّا

د اماني فؤاد

فى جلسة ضمَّتْ صديقات عربيات: كاتبة، وطبيبة، وسيدة أعمال، وربَّات بيوت، ذكرن أنهن يتعلمن اللغة التركية لشهور، وبسؤالهن: لماذا التركية؟ قلن: إنها راقتْهن من خلال الدراما التى يحرصن على متابعتها؛ لجمال العوالم التى تطرحها تلك المسلسلات، ورُقِىّ آلياتها الفنية، وروعة الصورة، وتنوُّع موضوعاتها، إنهن يتعلمن اللغة التركية من خلال المسلسلات وبعض القواميس دون دروسٍ.

وبغَضِّ النظر عن مدى العمق الفكرى والاجتماعى والنفسى المقدَّم فى الدراما التركية، وإلى أى مدى يتحقق فيها، إلا أن ظاهرة متابعة المشاهدين لمسلسلاتهم فى الوطن العربى أغلبه صارت مؤكَّدة، حيث يجدون فيها نزهة مريحة، متعة البصر فى الطبيعة والتصوير الخارجى، الملابس والمكياج، الديكورات والموسيقى، تروقهم القضايا التى يجسِّدونها، وحواراتهم دون عنف أو شتائم، يتقمَّصون أدوار أبطالها، ويرون فيهم نماذج محبَّبة تتمتع بالرقى، لا ينفرون منهم حتى لو قدَّموا حكايات يَنِدُّ بعض شخوصها عن المنظومة الأخلاقية. لطالما كانت الدراما السينمائية والتليفزيونية سفيرة رفيعة المستوى لثقافة البلد الذى ينتجها، وكذلك السياحة والمعالم الأثرية والمنجزات الحديثة وتنوُّع الجغرافيا سفيرة للأخلاق والرُّقِى والذائقة الرفيعة.

قالت السيدات وهن حزينات: إنهن لم يعدن يشاهدن الدراما المصرية، وينفرن من الكثير منها، ففى كل مرة يحاولن متابعة أحد المسلسلات يستأن من التردِّى العام، من نماذج الشخصيات الخارجة عن الطبائع السوية، من المبالغات غير المبرَّرة، يتعجبن من الأصوات الممطوطة المنفِّرة، وابتذال اللغة فى الحوارات وسطحيتها، يستأن من المشاهد التى تتعمد إظهار القبح بدعوى الواقعية الطبيعية، أو العنف غير المبرَّر والتركيز على صور الفساد، أو الكوميديا المُسِفَّة اللزجة، قلن: إنهن كن يحفظن أغانى التترات لعذوبتها وإنسانيتها، وتحولت هى الأخرى لأغانى المهرجانات بكل صخبها وضجيجها، صرن يفتقدن رُقِيَّ الفن المصرى الذى نشَأتْ عليه ذائقتُهن منذ عقود. ربما حان الوقت لنتوقف بإصرار لمراجعة الإنتاج الدرامى فى مصر، خاصة أنه يُخَص بمليارات الجنيهات سنويًّا ليعود واجهة تليق بمصر، علينا أن نرفع لافتات مدوَّنة بخط كبير معترضين على الكثير مما يُنتَج ويشوهنا.

نعم، معظم الدراما التى تقدَّم لا تجسِّد القاعدة العريضة من المصريين. يحكى شاب مصرى يعمل فى أحد بنوك دبى: إن الكثيرين بعد التعامل معه يسألونه: من المصريون الذين نراهم فى مسلسلاتكم إذن؟!.

«هذه الدراما لا تعبِّر عنَّا».. فلنعلنها واضحة لكل صناع الدراما المصريين. أبتعد عن الصواب لو أننى أدعو لدراما معقَّمة تخرج من غرف العناية المركزة أو الرقابة غير المستنيرة، لكننى أتساءل: هل لا تصوِّر الدراما التركية الطبقات الوسطى أو الدنيا؟ تصوِّرها بالطبع، لكن دون قُبح ولا ابتذال، دون استغراق فى الفساد فقط، دون مبالغة فى السلبيات؛ بل وضْعها فى سياقها الطبيعى.

يدرك صانعو الفنون، الذين هم ضمير أوطانهم، أنهم يشكِّلون وَعْيَ وذائقة أجيال ممتدة، لذا يعلون بما يقدمون، وينتقونه جيدًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: