منطقة الشرق الأوسط بحاجة لمصادر أساسية من اليورانيوم
الدكتور عادل عامر
يوجد ست دول شرق أوسطية لديها برامج طاقة نووية عاملة أو مخطط لها حالي في المنطقة بالإضافة إلى دوافعها وتحدياتها تختلف من دولة إلى أخرى. فمن ناحية احتياجات وقوداليورانيوم منخفض التخصيب، الـمتوقع إنتاجها من الطاقة النووية في منطقة الشرقالأوسط بأكملها حتى العام٢٠٤٠م، تتراوح من ١١ – ٤٢ فإن القدرة الكهربائية ميجاوات.
وبالاستناد إلى التقديرات المرتفعة وتلك المنخفضة، فقد بات من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى مصادر أساسية لوقود اليورانيوم وللتخصيب. وحتى لو تم الاستناد إلى التقديرالمنخفض، فإن المنطقة ستحتاج إلىحوالي٢٤٢ طن من اليورانيوم من خفض التخصيب كل عام،وبالتالي إلى قدرات كبية لتخصيب اليورانيوم أيضاً.
أما من ناحية مزودي الطاقة النووية، فإن روسياتقود السباق بفاعلاتها التي تعتمد تكنولوجيا الماء الخفيف من خلال ترحيبهابالمساعدة في تولي برامج الطاقة النووية في المنطقة. ومن المنظور الاقتصادي، فإناستخدام الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط سيصبح ً خيارا غالي مجدد إذا بقيت تكاليفالطاقة الشمسية مستمرة في الانخفاض.
لمفاعل النوويليس سلاحاً مدمراً فقط، بل هو مصدر كبير للطاقة، التي تعتبر الهدف الأساس من بحثالعلماء في الطاقة الذرية قبل الحرب العالمية الثانية. فعدا عن إنتاج الكهرباءبوفرة كبيرة وكلفة أقل منها في المعامل التقليدية، فإن الطاقة النووية تزوّد دولالعالم بأكثر من 16 في المئة من الطاقة الكهربائية، لأن كمية الوقود النوويالمطلوبة لتوليد كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية أقل بكثير من كمية الفحم أوالبترول اللازمة لتوليد المقدار ذاته. وتستخدم الطاقة المنتجة من المفاعلاتالنووية في تحلية المياه المالحة وإنتاج النظائر المشعّة وفي تدفئة المنازل فيالدول الباردة وفي تسيير المصانع الكبرى، إضافة إلى استعمالها في بعض أنواعالغواصات والبواخر الضخمة بديلاً للوقود التقليدي.
وهناك”الطب النووي” الذي يستند إلى مواد النظائر المشعّة لتحديد المرضومعالجته. هذه المواد إما أشعة النظائر وإما أدوية معلّمة (وضعت لها علامات) بموادأشعة النظائر، من شأنها تحديد سرطان البروستات وعلاجه وسرطان الكولون والأمعاءالصغيرة وبعض حالات سرطان الصدر، وكذلك تحديد الغدد السرطانية ودراسة غدد المخوالصدر والأعراض.
مفاعلاليورانيوم
أشهر أنواعالمفاعلات هو مفاعل الماء الخفيف الذي يعمل باليورانيوم المخصب. ففيه تعمل الطاقةالحرارية الناتجة من تسخين الماء المحيط باليورانيوم حتى درجة الغليان، فيتولّدبخار عند ضغط عالٍ، الذي يُنقل عبر التوربينات البخارية، فيدور. ويمكن استغلالدوران التوربين في دفع مراوح السفينة أو لإدارة المولدات الكهربائية. وهذه الطريقةتشبه عمل الماكينات التقليدية التي تنتج الطاقة من البخار، إلا أن الفرق في هذهالحالة هو أن مسبب دوران الآلة طاقة اليورانيوم وليس الفحم الحجري أو البترول أوالغاز كما هي العادة.
ولكن ما يجبمعرفته أن الماء المحيط بالكومة الذرية يصبح مشعّاً مع الوقت ولا يصلح للاستخدامالمدني، لهذا يصار إلى تدويره في مبادل حراري تنتقل فيه الحرارة من ماء المفاعلإلى ماء آخر نظيف يمكن استهلاكه. أي تكون في المفاعل دورتان للمياه: دورة أوّليةداخله، ودورة ثانوية خارجه، والأخيرة تكون نظيفة ويمكن استغلال حرارتها في الأغراضالمدنية. يثير معارضو المفاعلات النووية مسألة التكلفة العالية لبنائها، والمخاوفالمتعلقة بالسلامة وصعوبة التخلص الآمن من النفايات المشعّة. وساءت سمعة الطاقةالنووية بسبب حادثة تشيرنوبل عام 1986، ثم بعد كارثة محطة فوكوشيما في اليابان.لكن تصميم المفاعل الياباني أدى إلى تقليل الإشعاع الذي تسرّب منه مقارنة بحالةتشيرنوبل، ما دفع إلى التقدير العالمي أن التقنيات والتصميمات الحديثة في هندسةالمفاعلات تسهم في التخفيف من آثارها الضارة في حالة الجوائح الطبيعية أو الحروب.
ويعتبرالمطالبون باستخدام الطاقة النووية أن التكلفة العالية لبناء المحطات يمكن التغاضيعنها، طالما أن تكاليف تشغيلها على المدى الطويل أقل بكثير مقارنة بالمحطات التقليدية،إضافة إلى أنها أكثر صداقة للبيئة أثناء تشغيلها، كما أورد الدكتور عقلا الحريص فيبحث له نشر عام 2011.
بحكم طبيعةالتحدّيات التي يواجهها كوكب الأرض، فمن الضروري أولاً وقبل كل شيء، ضمان الإتاحةالكافية من الكهرباء والمياه والصرف الصحي للجميع. وتتمتّع المفاعلات المذكورةأعلاه بالقدرة الفريدة على ذلك. ولأن أنواع الوقود التي يمكن استخدامها فيالمنظومة تتباين إلى حدٍ كبير، فإن الكفاءة واستخدام الوقود هي نُظم تتسم بحجمأكبر من حجم مفاعلات اليورانيوم المتعارَف عليها، فضلاً عن أن التكنولوجيا مستخدمةعلى نطاق واسع عبر طائفة كبيرة من الاستخدامات، ومن ثم فمن الصعب الاستهانةبإمكانية استخدام المفاعلات لصالح التنمية البشرية في المستقبل.
وبالإضافة إلىذلك، وبما أن المواد المُشعَّة تكون مستبعَدة تماماً من شبكة توليد الطاقةالكهربية، التي تعمل عند درجة تزيد على 100 درجة مئوية، فلسوف يتاح تنقية المياهوتعقيم النفايات من خلال الحرارة الزائدة. ويمكن تنفيذ هذا الأمر في أماكن قربالمحيط ومنها مثلاً كاليفورنيا مع التزويد بالمياه النقية من أجل الاستهلاكالآدمي.
الاستجابةإزاء الكوارث والشبكات المتناهية الصِغَر
لأن هذه المفاعلاتيمكن أن تكون معيارية وقابلة للقياس، يصبح بالإمكان تخفيض حجمها إلى حيث يمكنتصنيعها ونشرها على نطاق واسع من أجل تزويد عمليات التشغيل بالطاقة حيث لا يتاحالوصول إلى الهياكل الأساسية التقليدية. وهذا يشمل القواعد العسكرية والدولالنامية ومرافق الاستجابة إزاء الكوارث في المواقع التي تكون البنى الأساسية فيهاقد أصيبت بأضرار. وطبيعة هذه المفاعلات تتمثّل في قدرتها على التوافق مع أحمالهامما يجعلها مرشَّحاً نموذجياً لتشغيل شبكات الأجل القصير.
أخيراً، فإنتطبيقات هذه التكنولوجيا يمكن توسيعها لكي تتجاوز كوكب الأرض ذاته، حيث يمكن أنتصبح المفاعلات المذكورة أعلاه مرشّحاً قوياً من أجل نظام للطاقة الكهربائية يتاحاستخدامه للحفاظ على الحياة البشرية أو على مهام كائن الذكاء الاصطناعي – الروبوتفي الفضاء الخارجي.
ويمكن في هذا المجال تيسير أمر الطاقة والحرارةونُظم تنقية المياه فيما يمكن أن يعمل المفاعل على مدار سنوات عديدة دون تدخُّلبشري. كذلك يمكن معالجة المياه العادمة وتعقيمها بما يتيح استخدامها من أجل نظاممستدام لدعم الحياة خارج كوكب الأرض. إن هناك الكثير من المشاكل والقضايا التي تواجهالكوكب وسكانه. والتماس الحلول لأيٍ من هذه المشاكل والقضايا يمكن أن يمثل مهمةجسيمة، فضلاً عن الحلول التي يمكن أن تساعد على التوصُّل إلى تحقيق العديد منالأهداف الإنمائية.
ومن ثم فإنالطاقة الذرية، إذا ما أجيد استخدامها، يمكن أن تنقذ الحياة والموارد، وقد حانالوقت لإعادة تدارس أساسية لتطبيقاتها ولمواصلة تنمية بحوث الطاقة الذرية السلمية.وتمثِّل مفاعلات الملح المنصهر إحياءًُ لفكرة قديمة ثبت أنها تشكل واحداً من أفضلالسُبل المنفردة الكفيلة بالتزويد بطاقة آمنة ونظيفة من أجل مئات السنين فيالمستقبل.
لقد أصبحالاستخدام السلمي للطاقة النووية من أهم الضروريات التي ترغب فيها الدول بل تعملجاهدة من أجل تجسيدها تحقيقا لأهداف نفعية سواء في الجانب الاقتصادي المتماشيوالتنمية المستدامة أو الزراعي أو الصيدلي وحتى في مجالات أوسع كالفضاء . ومع هذايمكن أن تخلف هذه الطاقة العديد من الآثار السلبية والتي تنعكس علة البيئةوالإنسان وتلحق أضرارا خطيرة فحتَّم ذلك إعادة النظر في هذه الطاقة واستخداماتهاالسلمية والتي أصبح الأمر بشأنها يأخذ العديد من السبل والبحث عن الآليات لتعزيزهذه الطاقة النووية السلمية والاستفادة منها من منطلق الاعتبار السيادي الذي يسمحلجميع الدول الاستفادة كحق معترف به ، وفي المقابل الدفع بالضوابط القانونيةالدولية كتقيد حتى لا يتجاوز هذا الاستخدام السلمي للطاقة النووية المرسومة له والممكنة