د. صلاح سلام يكتب .. رحلة الطرب المصري بين السح ادح انبو وبحبك ياحمار
منذ أن اطل علينا احمد عدوية باغنيته السح ادح انبو في بداية السبعينات من القرن الماضي وفي الوقت الذي كان يعاني فيه الشعب من آثار هزيمة ١٩٦٧ وبين الامل الذي بزغ في الافق أثناء حرب الاستنزاف والترقب ليوم الحسم واسترداد الارض.
فكانت هذه الكلمات التي انتشرت كالنار في الهشيم برغم عدم إجازتها في الإذاعة ولا لجان الاستماع وانطلق هذا النوع من الأغاني والتي اطلق عليها البعض القن الهابط وانتشرت تجارة الكاسيت بعد أن أصبح “المسجل” من احد اهم تجهيزات المنزل للشباب الذين سافروا إلى دول الخليج بعد انقضاء الحرب وفتح المجال للسفر وظهر في حياتنا حسن الأسمر واسكتشات لبعض الراقصات ومعهن مطرب او مؤدي وغيرهم ممن أصبحوا محل استنكار فئة كبيرة من الشعب لافساد الذوق العام واستحسان فئة غير قليلة ايضا حيث كان ذلك في زمن العمالقة.
فمازالت ام كلثوم وحليم وفريد وشادية ونجاة وفايزة ملؤ العين والفؤاد والسمع والبصر ولكنه من المؤكد أن هناك جيل تمرد على كل ماهو كلاسيكي رغم تطوره ليعيش في جلباب جديد ويرفض أن يعيش في ذوق الآباء كما فعل محمد رياض حيث أراد ان يعيش في جلباب ابيه عبد الغفور البرعي “نور الشريف” واعتبارها أن الإيقاع السريع هو إيقاع العصر.
ولم يكن ذلك على مستوى مصر فقط فقد ظهر فريق الابا والبيتلز وغيرها وأصبح خوليو اجلسياس وديموس روسوس وديانا روس أيضا من الزمن القديم وأعتقد أن هذا ليس غريبا ففي جيلنا الذي عاش أجمل النغمات التي نسميه الان الزمن الجميل كنا لانقبل على اغاني صالح عبد الحي ومنيرة المهدية والمظ وعبده الحامولي ونعتبرهم دقة قديمة ويميلون إلى التطويل والمط الغير مبرر.
وبدأ يظهر جيل الوسط مع ظهور هاني شاكر ومحمد الحلو وعمر فتحي والحجار وعمرو دياب ومحمد منير ولم يرق لنا بعضهم في البداية ثم أصبحوا نجوم الطرب إذ يحملون الكثير من المواهب سواء في الصوت او في الألحان وان كانت بعض الكلمات لاتحمل نفس العمق القديم وانضم إلى القافلة تامر حسني وشيرين والجيل الأحدث.
كل هذا ومازال الطرب يجد طريقا يتعثر احيانا ويستقيم احيانا اخرى والفن الشعبي أيضا يمشي على نفس المنوال فعصر محمد رشدي الذي رقصت له مصر طربا مع الابنودي وبليغ في عدوية وتغريبة هواك تغريبة ولو اعرفلك مرسى قلبي عندك يرسى والطير لما يهاجر يرجع تاني ماينسى والعزبي وعيون بهية والاقصر بلدنا التي عاشت بل كانت الأيقونة في افتتاح طريق الكباش بعداعادة اكتشافه.
ولاشك أن نجاح محمد رشدي آثار حفيظة عبد الحليم حافظ وطلب من الابنودي كلمات شعبية عاطفية تلقى نفس النجاح فكتب له انا كل ماقول التوبة وهكذا يعيش الفن مابين حقيقة وظنون كما وصف عمنا سيد حجاب مراحل عمرنا الى ان أطلت علينا شخصية شعبان عبد الرحيم الذي كان يفضل أن يكون له مظهره الكاريكاتوري الخاص كما أن له لونه الخاص ومعه مطربي ومطربات العنب والحصان والحمار وغيرها من الأغاني التي اشتهرت في حفلات الأفراح.
الى ان ظهرت اغاني المهرجانات والتي أثارت جدلا واسعا وان كانت قد حققت مشاهدات عالية جدا عبر منصة اليوتيوب وهي المنصة التي لم تتوافر لمطربي الزمن الجميل ولكن مانود أن نقوله انه في النهاية اذا كنا قد سلمنا أن لكل زمن دولة ورجال في عالم السياسة فإنه لكل زمان ذوقه واحساسه وبصرف النظر أن عمقه او سطحيته فإننا اذا كنا قد سمينا الستينات والسبعينات زمن الفن الجميل فإن الجيل الذي سبقنا قد سمى زمن الأربعينات والخمسينات نفس التسمية برغم أن بعض اغانيه او أفلامه لم ترق لنا وبنفس المعيار فإن الجيل الحالي يرى أن ماقبل الألفية هو نوع التأخر وان الراب والايقاع السريع والمهرجانات والسينما رباعية الابعاد ومنصات نيتفلكس هي أدوات ولغة العصر.
وان كنا نرى بعض الشباب مازالوا يسمعون رومانسيات السبعينيات وماقبلها ومازالت دار الاوبرا تعيدها على لسان المواهب الجديدة ولها جمهورها من كل الأعمار وحتى المسابقات التليفزيونية لاختيار افضل الأصوات تجد أن روادها لايقدمون انفسهم الا من خلال ام كلثوم وحليم وشادية ونجاة وغيرهم.
ومثال واحد بسيط اغنية أما براوة لمرسي جميل عزيز ومحمد الموجي ونجاة الصغيرة التي غنتها منذ نصف قرن تقريبا تسمعها الان في كل الحفلات الخاصة والفنادق بعد أن غناها حسين الجسمي وقس على ذلك الكثير.
واخيرا سيبقى الثمين ثروة ويذهب الغث مهما لمع طلاؤه الذهبي