مقالات وآراء
رمضان في مصر حاجة تانية
أ.د.صلاح سلام
لقد حكمت علي الظروف أن اقضي شهر رمضان في كثير من دول العالم تارة وانا مازلت طالبا في هولندا واخرى مبعوث في الولايات المتحدة وفي مؤتمرات قصيرة في انجلترا وروسيا والمغرب ورحلة عمل في اليمن ورحلات عمرة في السعودية.. وباستثناء الروحانيات في الحرم المكي والنبوي في السعودية لاتحس بأي شعور مختلف في اي من البلدان الأخرى على اختلافها سواء عربية او اجنية..ومن المؤكد أنه من الطبيعي أن لاتشعر به في البلدان الاجنبية ولكن هناك المراكز الإسلامية والتي يلتقي فيها المسلمون مساء ولكنها تقتصر على الاكل والشرب…وحتى في الأحياء العربية فلايخفى على من زار لندن أن شارع ايدجوار كله عرب مطاعم وكافيهات ومحلات بالكامل ولكن لاتجد فيه روح رمضان التي تجدها في شوارع المحروسة ام الدنيا فلا شك ان الفاطميين قد تركوا بصمة الاحتفال والاحتفاء بهذا الشهر الكريم بطقوس فريدة لايوجد لها مثيل في العالم لا في شكل الشوارع ولا في أنواع وأشكال المشروبات المتعددة ناهيك عن الليالي الرمضانية في الخيمات وشكلها المميز “الخيامية” ولا انواع المأكولات والخشاف الذي لاتجده في اي بلد ..حتى الإذاعة والتليفزيون منذ القدم وقبل الاجتياح الفضائي الذي أصبح متاحا منذ سنوات بخمسين مسلسل او اكثر معظمها كغثاء السيل..كان الراديو بمسلسلاته التي اجتمعت عليها الاسرة المصرية…البرنامح العام وفؤاد المهندس وشويكار”وانت اللي قتلت بابيا” وطاهر ابو فاشا والف ليلة وليلة ..وسميحة ايوب والعهدة العمرية.. ومحمد علوان واذاعة الشرق الاوسط و”ارجوك لاتفهمني بسرعة،”لعبد الحليم حافظ وعادل أمام.. وعلى باب الوزير للمخرج سمير عبد العظيم..لتنتقل إلى سيد الملاح والسمسمية وهي اغاني ذات سجع تنتقد سلوكيات معينة في صورة خفيفة وكوميدية في نفس الوقت…وتنتقل بمؤشر الراديو من محطة إلى أخرى لتلتقط قطايف رمضان فمجرد أن يتحفنا الشيخ محمد رفعت بصوته الفريد رافعا اذان المغرب بعد تلاوة قصيرة للشيخ مصطفى اسماعيل او الشيخ الشعشاعي… يتلوه تواشيح النقشبندي ..مولاي انني ببابك قد بسطت يدي..الاك ياسندي…او ابتهالات نصر الدين طوبار… بعدها تبدأ بالراديو ومع تطور الزمن أصبح التليفزيون وفوازير نيللي ثم شريهان علامات جديدة وأصبح المسلسل مابين الشهد والدموع إلى ليالي الحلمية والذي كانت تخلو اثنائه الشوارع من المارة.. ومين ميحبش فاطمة والزيني بركات …وكان هناك دائما نصيب للمسلسل الديني القصصي.. محمد رسول الله وصوت ياسمين الخيام..وهارون الرشيد ..وعمر ابن عبد العزيز..وابي حنيفة النعمان… وفوازير عمو فؤاد للاطفال قبل الإفطار والتي كانت تجذب الكبار أيضا…هذا التنوع الذي اضفى على الشهر جمال الفكاهة والمتعة والثقافة وقصص القرأن والسير العطرة… بالإضافة إلى فرن الكنافة الطيني الذي يعلوه الصاج الحديدي والذي كان يعطي لها شكلا ورائحة تكاد تأكلها نية مع فرن القطايف الحديدي وكومة الحشو من المكسرات.. وعلى الرغم من وجود كل أنواع الحلويات طول العام الا ان الكنافة والقطايف وقمر الدين والعرقسوس والكركديه والتمر هندي كوكتيل لايمكن لأي بيت يستغني عنه في رمضان واذا مدخلتش البيت يبقى رمضان لسة مجاش ..زي العظيمة هدى سلطان في مسلسل الليل وآخره.. حيث كانت العائلة تجتمع في أول يوم رمضان وكان يحى الفخراني”رحييم” هو ابنها البكري وكان على خلاف مع إخوته لأول مرة بعد وفاة والدهم وتم تجهيز السفرة وحضر كل الاولاد والبنات والاحفاد وأذن المغرب ولم يأتي رحييم ولم تكن الجوالات قد ظهرت بالطبع ..فقالت قولة وكأنها حقيقة “لو رحييم مجاش يبقى اليوم مش رمضان ” ويشد المخرج أعصابك مع أذان المغرب والكل مترقب إلى أن ينتهي الاذان فيدخل رحييم فتحتضنه امه هدى سلطان وتبكي ويسلم على إخوته ويبدأ شهر رمضان ..وتطل أيقونة عبد المطلب ..رمضان جانا وافرحينالوا اهلا رمضان…وطقطوقة عبد العزيز محمود مرحب شهر الصوم مرحب لياليك عادت بأمان..لتظلا العلامة الابرز التي عاشت معنا لتحي الذكريات …. حيث عاشت الايام في تلافيف عقولنا…ولكن اليوم الذي لاينسى وسيظل محفورا في ذاكرتي هو يوم العاشر من رمضان والذي كان له مذاق خاص وظرف خاص في مدينتي الصغيرة والتي كانت تنتظر الفرج وبزوغ فجر الحرية على أحر من الجمر..فما أن لاحت بيانات المعركة وتلتها بيانات العبور وتكللت ببيان النصر حتى رقصت القلوب وانطلقت الحناجر لتردد انشودة النصر..الله اكبر بسم الله الله اكبر..اذن وكبر وقول يارب النصرة تكبر.. واذا كانت قد جرت المقولة أن مصر روحها في رمضان فأنا اقول ان مصر هي روح رمضان..ففيها فقط تحس بالروحانيات والنفحات الرمضانية…والحمدلله اننا عدنا للتراويح واللمة الحلوة بعد حرمان عاميين ثقيلين..فالأول حظر تجول فقدنا ابسط سبل التواصل والثاني منع اختياري تحت تهديد كابوس كورونا اللعين الذي فرض علينا حصارا جعلنا نتفكر اكثر في نعم الله على خلقه..فسبحان الله في عطاءه ومنعه..اليه الأمر كله وله الشكر كله وكل عام وانتم بخير