الأسرة والمجتمع

رمضان في الكويت فرحة واستعداد قبل قدومه بشهر وحضور قوي لـ”بوطبيلة”

 كان أهل الكويت يبدؤون الاستعداد لقدوم “رمضان مال أول” مع بداية شهر شعبان، وبحلول 15 شعبان يبدأ دق الهريس والجريش في احتفالية تسهر فيها النساء والأطفال حتى الفجر

يتذكر الكثيرون من كبار السن في الكويت العديد والعديد من طقوس شهر رمضان المبارك قديما والتي عاش بعضهم جزءا منها واستمع لبعض قصصها من رواد عاصروا تلك الطقوس.

ولرمضان الكويت في السابق لذة خاصة، يرجعها البعض إلى بساطة الحياة قديما وقرب الجميع ومعرفتهم ببعضهم البعض، وذلك بفضل التصاق البيوت ومحدودية الرقعة السكنية، إذ سكن أهل البلاد داخل السور الذي كان يحيط بالبيوت لحمايتها (عرفت الكويت 3 أسوار بني أولها عام 1760 وثانيها عام 1814، وآخرها عام 1920 والأخير تم هدمه عام 1957).

“رمضان مال أول”

وفي كتابه “الأعمال الخيرية الكويتية قديما في المناسبات الموسمية” يسرد رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني الدكتور خالد الشطي بعضا مما تميز به “رمضان مال أول”.

ويشير إلى أن أهل الكويت كانوا يبدؤون الاستعداد لقدومه مع بداية شهر شعبان؛ من خلال تجهيز المواد الغذائية التي تكفي الشهر بالكامل، وأبرزها التمور التي كانت تجلب من البصرة، والأرز الذي يجلب من الهند، وبحلول 15 شعبان يبدأ دق الهريس والجريش في احتفالية تسهر فيها النساء والأطفال حتى الفجر.

ويذكر الكاتب أن من بين الاستعدادات المبكرة ترميم الدواوين وحمل الأواني والقدور الكبيرة على الجمال ونقلها من مخازن البيوت الكبيرة إلى سوق الصفافير الخاص بتلميع الألومنيوم؛ من أجل تجهيزها لطبخ ولائم الإفطار التي كانت توزع في الأسواق والدواوين وعلى الفقراء وفي بيوت الوقف.

أهزوجة “الكريش”

وقبل نهاية شهر شعبان بأيام كانت نساء بعض الأسر الفقيرة يطفن الشوارع مرددات أهزوجة “الكريش” (القريش)، وتلفظ بالكاف أي الكريش؛ وهو اليوم الذي يسبق حلول شهر رمضان المبارك، لتذكير التجار بمساعدتهم خلال رمضان ومن بين كلماتها:

أمس الضحي مرنا المحبوب.. ليلة سعد يوم لاقاني

قلنا وش عناك.. قال عليك يا شوق ولهان

القريش عنكم مذكور.. يعني له الضيف والعان (المحتاج).

صورة لصنع الهريس - للاستخدام الداخلي فقط
تجهيز وجبة الإفطار في بيت كبير العائلة ويحضر الجميع للأكل بهدف التهيئة لرمضان (كونا)

كرنفال يوم “الكريش”

ويقول الدكتور الشطي للجزيرة نت إن يوم 30 شعبان -ويسمى يوم “الكريش” (القريش)- كان يشهد كرنفالا للعطاء بوصفه آخر أيام الفطور، إذ يتم تجهيز وجبة الإفطار في بيت كبير العائلة، ويحضر الجميع للأكل بهدف التهيئة لرمضان.

كما يشهد اليوم ذاته تنظيف البيوت وغسل الأواني والملابس والحصير؛ لأنه لم يكن من المعتاد ذهاب أحد إلى البحر لغسيلها خلال شهر رمضان.

ومع قرب المساء يبدأ التهليل والتكبير، حتى إذا فرغ الجميع من صلاة المغرب خرجوا مباشرة خارج المسجد لرؤية الهلال واستطلاعه؛ إذ كانت كل البيوت عبارة عن طابق واحد وبلا إضاءة مما يسهل الرؤية.

طقوس رمضانية كويتية

واللافت أن النساء كن يحضرن صلاة التراويح في المساجد، إذ يوضع لهن حاجز يفصلهن عن الرجال. أما الدواوين فكانت تبدأ باستقبال ضيوفها من بعد صلاة الفجر وحتى قبيل المغرب، فيما تخصص الفترة المسائية للزيارات العائلية والجيران.

وعرفت الكويت مدفع الإفطار في العام 1859، وكان الأطفال يخرجون إلى مكان وجوده على البحر عصر كل يوم، أما “بو طبيلة” (المسحراتي) فكان يمر في الأحياء وبالقرب من البيوت قبل أذان الفجر مرددا “يا نايم وحد الدايم قوم اتسحر بالسحور”، وكان السحور في الغالب عبارة عن تمر وأرز باللبن.

القرقيعان في الكويت - كونا
أيام 13و14 و15 من رمضان اشتهرت منذ القدم -وحتى اليوم- بحفل “القرقيعان” في الكويت (كونا)

الأطفال وقرقيعان

ويشير الشطي إلى أن أيام 13و14 و15 من رمضان اشتهرت منذ القدم -وحتى اليوم- بحفل القرقيعان، وفيه يخرج الأطفال ويطرقون بيوت الجيران الذين يمنحونهم الحلوى الرمضانية، ومنها الزلابية واللقيمات وبعض الأموال.

ويأتي هذا الطقس بهدف غرس حب رمضان في نفوسهم والتسرية عنهم، وخاصة مع توقف الأطفال عن الذهاب إلى المدارس أو إلى البحر للسباحة طوال رمضان، وكان لهذه المناسبة أنشودة يرددها الصغار من كلماتها:

كركيعان وكركيعان.. بيت كصير برميضان

عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام

يا الله سلم ولدهم.. يا الله خله لأمه

عسى البكعة ما تخمه (ويقصد بالبكعة هنا المصيبة أو الحرب).. ولا توازي على أمه

عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم

الفنان ايوب حسين الايوب - القرقيعان - للاستخدام الداخلي فقط
لوحة القرقيعان في الكويت للفنان أيوب حسين الأيوب (كونا)

“النقصة” و”النافلة”

اشتهر رمضان قديما كذلك بما يعرف بـ”النقصة”، وهي هدية يخصصها أهل البيت للجيران والأصدقاء والأقارب ابتهاجا بالشهر، وتكون من الطعام أو البخور والعطور أو الملابس. وكذلك عُرف في الشهر قديما “النافلة”، وكانت تتم ليلة الجمعة، وهي عبارة عن إرسال الطعام للمساجد وللفقراء بنية إثابة المتوفين من أهل البيت.

ليلة القدر واستعدادات العيد

شهدت الكويت قديما اهتماما كبيرا بإحياء ليلة القدر؛ إذ كانت المساجد تعج بروادها في ليلة 27 رمضان، كما حرص المحسنون على تزويدها بالتمور والفطائر والمشروبات ومنها الشاي والقهوة.

وفي الأيام الأخيرة كانت استعدادات العيد تشمل شراء الملابس الجديدة للكبار والصغار الذين كانوا يرتدون “الدشاديش”، بينما ترتدي الفتيات “البخنق”، وكان بعض الأغنياء يقومون بتوزيع الملابس قبل العيد على الفقراء والأيتام، بل إن بعض تجار الأقمشة كانوا يخفضون السعر حين يعلمون أن الملابس ستقدم للمحتاجين.

وبحسب الشطي كانت النساء تقضي الليلة الأخيرة من رمضان في تجهيز طعام الإفطار، ويتكون من الأرز واللحم على عكس المعتاد في باقي الأيام.

وفي الصباح يخرج الكبار والصغار لصلاة العيد التي كانت تقام في الساحات خارج السور، ولم تقم في المساجد إلا حين كانت البلاد معرضة للخطر من قبل بعض القبائل المجاورة في إحدى السنوات، وعقب الصلاة يتجمع الأهالي مع الشيوخ والحاكم أمام قصر السيف العامر؛ لتقديم التهاني والمباركة بقدوم العيد وتناول القهوة والتمور، ثم ينصرفون بعدها إلى دواوينهم.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: