أخبارمقالات وآراء
شوارعنا كانت صغيرة لكن قلوبنا كانت كبيرة
ا.د.صلاح سلام
كنت دائما اصاحب اقرانا اكبر مني سنا ففي المرحلة الثانوية كانوا دائما اكبر مني بثلاثة او اربع سنوات ربما كان ذلك لطول قامتي فلاتسطيع أن تكتشف أن هناك فارق في السن حتى في نادي الهلال الذي كان مقره على بعد خطوات من منزلنا بشارع ٢٣ يوليو بالعريش كان صديقي العزيز كابتن الحسيني وكان والده الرجل العجوز يحبني كابنه ولايأمن لسفر الحسيني سواء للعب خارج سيناء او العمل الا بصحبتي وكان يخاف عليه فهو أصغر أبنائه كخوف سيدنا يعقوب على ولده يوسف بل كان يوصيني عليه..وقد وجدت فراغا كبيرا عندما سافر رفقاء الصبا إلى القاهرة للستكمال دراستهم الجامعية وكانت ايامنا واحلامنا تتلاقى بل كانت أسرارنا أيضا تعيش معنا وكل منا يعلم من هي فتاة احلام الاخر…فلم يكن هناك شئ نستحي منه لنخبيه فالحب خلق الله على الأرض ونحن شباب مراهق يعيش أيامه الحلوة ويحمل في قلبه وضميره كل المعاني السامية وكل امارات الحب العذري..نعم كنا نعلم عن بعضنا الكثير وكنا نتقاسم في الغربة ليس فقط احلامنا ولكن قوتنا ومصروفنا ايضا…وقد فاز بعضنا بفتاة أحلامه وتزوج واكمل طريق وحياته والبعض الاخر حال القدر بينه وبين بنت الجيران وهذا تعبير مجازي فربما يكون لسابع شارع وليس لسابع جار..فشوارعنا كانت صغيرة ولكن قلوبنا كانت كبيرة..فذات مساء جلست بجانب الحاجة وهيبة”ياسمين”امي اعترف لها بحب فلانة وهي جالسة على اريكتها تقطب بعض الثياب في مشهد يشبه علي في فيلم أيامنا الحلوة مع الست زنوبة…وذلك بعد أن حصلت على الثانوية متفوقا وكنت الأول على دفعتي وتحقق أملها في انني سوف اكون على أعتاب كلية الطب التي عاشت عمرها تحلم بها لي…وشرحت لها انها أصغر مني بسنتين وعندما انهي دراستي الجامعية سوف تكون هي تقريبا انهت دراستها ثم يفعل الله مايريد..وان كانت تخشى من تجربة أخي الذي تزوج مبكرا قبل أن ينهي دراسته الجامعية…ولكنني اقنعتها بعدم قدرتي على ذلك فهو قد دفع من سنوات عمره اكثر من ٣ سنوات اضافية كان يعمل فيها ليل نهار ليتزوج ثم أكمل دراسته الجامعية …المهم انها اقتنعت وذهبت لتزور منزل الفتاة لتجس نبضهم وعادت لتزف لي الخبر بأنها و امها مرحبون ولكن لابد من استشارة والدها واخيها الكبير وقد كان… واتفقوا أن يتم ذلك عندما أعود من القاهرة العام القادم وسافرت إلى الجامعة احمل امتعتي واحلامي وقصة حب تعيش بين ضلوعي…هل ستغيرها بنات البندر كما يقول اهل الريف ام ستظل كما هي؟…وكان العام الأول بالقاهرة وهو بالطبع على اي قادم من أطراف مصر صعب للغاية ولكن على القادم من الأرض المحتلة عبر رحلة الصليب الاحمر هي بمثابة انقطاع للحبل السري فلا خطابات ولاتليفونات ولا اي وسيلة للتواصل…وكم كنت اصحو وانا انام على كنبة الصالون في بيت اخي الذي كانت مساحته اقل من غرفة في بيتنا في العريش..كم كنت اصحو منزعجا من حلم أرى فيه اني اتحدث مع امي فاستيقظ فلا أراها.. وعدنا كما اتينا بعد عام لنقضي ٤٥ يوما فكل فوج من الطلاب يقضي نفس المدة ويعود في توقيتات منتظمة يحددها الصليب الأحمر الدولي في رحلة هي قطعة من العذاب ولكن كل شئ يهون من أجل الاهل والاحباب…والتقينا مرة أخرى ونحن نحمل الدنيا في راحتيناوفي قلبين الصغيرين…ودار الحديث مرة أخرى في رحى الحياة واستشراف المستقبل..وجددت الحجة وهيبة الود مرة أخرى واتفقت مع والدتها على أن نزورهم انا واخي الكبير غير الشقيق والذي كان معظم الناس يظنون اني احد أبنائه نظرا لفارق السن الكبير فهو اكبر أبناء أبي من الزوجة الأولى وانا أصغر أبنائه من الزوجة الثانية…وبالفعل ذهبنا وكان والدها الرجل الستيني يعرفنا جيدا وقد كان مرحبا ولكن اخاها الأكبر كان صامتا بل ممتعضا إلى حد كبير..وجاء يوم السفر وذهبت إلى منزلهم لاودعهم ليلة السفر فقد سلمنا متاعنا إلى المكان المعروف حيث يتم تفتيش الشنط وتسليمها في اليوم السابق للسفر ليكون يوم السفر للتفتيش الشخصي وركوب الاتوبيسات المغلقة المعدة لذلك مسبقا .. وعلى الباب كان الوداع بدموع ونهنهة مفرطة وانا اتمالك نفسي حتى غادرت ولكني لم أستطع العودة إلى المنزل وقد أخرى الليل سدوله وكاد الشارع أن يخلو من المارة وخيل الي أن الطريق قد طال واتفقت على دورية راجلة من جنود الاحتلال كانت تجوب الشوارع ليلا تمشي في طابور بجوار الحوائط ويحمل أحدهم اللاسلكي على ظهره في المقدمة دائما وتحسنت بطاقتي”الهوية”وهي باللغة العبرية كنا نسلمها حين نغادر إلى القاهرة ونستلمها حين نعود وتأكدت من وجودها في جيبي ولكنهم لم يستوقفوني وكأنهم يقولون سيبه ففيه مايكفيه.. وطرقت باب صديق لي رحمه الله كان جارنا وقد ترك الدراسة ليعمل ويعول والديه ولكن محبتنا وصداقتنا دامت..وما أن فتح الباب لمح أن عيناي تترقرق ..وجلسنا في فناء منزله العامر دائما بالخضرة في ليلة صيفية قمرية واخذ يهدئ من روعي بكلمات حانية فقد كان يكبرني أيضا بأكثر من ثلاث سنوات ثم اويت إلى المنزل احاول ان اخلد إلى سويعات من النوم ولكن هيهات ….ووصلت إلى القاهرة بعد يومين من السفر والاجراءات …ومع اخر فوج حضر من سيناء وصلني خطاب منها عرفت منه سبب هذا النحيب الذي كان في الوداع ..فقد كان قرار اخيها انها لن تسافر إلى القاهرة لاتمام تعليمها الجامعي وسيكتفي بالثانوية العامة وبناء عليه انهم لن ينتظروا طويلا لاتمام ما اتفقنا عليه…وكان هذا هو الخطاب الاخير بعد الوداع الاخير....–