سبعون عاما على ثورة يوليو
أرى تداول صور وبكثرة على الصفحات والجروبات تصور شوارع مصر أيام الملكية واخرى تبرز كيف كانت مصر تنقق على دول الخليج واخرى تصور أن العالم كان يأتي إلى مصر لينال رضاها…وكأن مصر كانت مستقلة تماما ولايوجد مندوب سامي بريطاني يوجه كل حركات الملك وكأن شعبها كان يعيش رغد العيش …في الوقت الذي كان احمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة يطرح مشروع القرش لمكافحة الحفاء فأكثر من نصف الشعب كان كذلك ناهيك عن سيركاريا البلهارسيا التي كانت تنهش اكباده.. ويروجون أن مصر كانت دائنة لانجلترا والحقيقة انها مستحقات عن خدمات لوجستية قدمتها مصر لانجلترا في الحرب العالمية الثانية قيمتها ٤ مليون جنيه وان الملك كان لمصر والسودان وان ثوار يوليو تخلوا عن السودان في تزوير واضح للتاريخ فهناك فرق بين دولة تحت التاج ذات سيادة ودولة تحكمها..فاستراليا وكندا ونيوزيلندا مثلا تحت التاج البريطاني لكنها دول ذات سيادة…وكلام ولغط كثير يحتاج إلى مزيد من التدقيق…وكما تعودنا من جماعات معينة التشكيك في كل شئ وعلى ثورة يونية ثورة ام انقلاب نفس الكلام ونفس الجماعات بالإضافة إلى القوى الرجعية وطبقة المستفيدين من باشوات ذاك العصر حيث تلاقت مصالحهم مع هذه الفئة كانوا يشككون في ثورة يوليو ١٩٥٢ …نعم كانت حركة الجيش ولكن ما أن انطلقت الا وهدرت الجماهير تملأ شوارع مصر تؤيدها ولم تكن هناك تنظيمات تحض الجماهير على الخروج فحزب الاغلبية انذاك”الوفد” لم يكن منضويا تحت لواء الثورة ولايوجد وقتها لا اتحاد قومي ولا اتحاد اشتراكي فمن الذي اخرج الجماهير؟… نعم كانت كذلك حركة جيش ايدها الشعب بدون اي سفك دماء وهل هناك انقلاب يقف يودع الرئيس او الملك السابق ويطلق له التحية بالمدفعية ويودعه على اليخت الملكي إلى منفاه الذي اختاره بحمل معه مخصصاته الملكية…حتى في أزمة مارس ١٩٥٤ حيث تم عزل الرئيس محمد نجيب بعد أن ابرم اتفاقات مع الاخوان ليعود الجيش لثكناته وبالطبع يتولون هم الحكم بصفتهم الجماعة المنظمة وقتها قالوا ان هذا هو انقلاب على الثورة والحقيقة انه كان وقف لتيار الثورة المضادة …انا لا ادافع عن ثورة يوليو ولكني عندما استعرضت تاريخ الانجازات في العشر سنوات الأولى وجدت تحولا كبيرا في تاريخ مصر وخاصة في تحقيق العدالة الاجتماعية التي ظلت مطلبا جماهيريا حتى ثورة يناير ٢٠١١..ومجانية التعليم الجامعي الذي افرز كل جيلنا وماقبله والالف مصنع الذين كانوا العمود الفقري لمصر وقت الحرب والسد العالي الذي كان درع امان للوطن حتى عهد قريب كان مصدر الكهرباء الوحيد…وتأميم القناة والاستقلال السياسي وغيرها أجد أن الثورة كانت ثورة شعب من أجل الشعب…ولولا سوء التقدير الذي واكب حرب اليمن والتي كان هدفها الأول السيطرة على باب المندب لضمان تأمين قناة السويس ولكن استغلها الغرب لتوسيع دائرتها لتوريط عبد الناصر في محاولة لكسب مشروعه في المنطقة واستكمال المخطط بحرب يونيو ١٩٦٧ وتلك الهزيمة التي كادت أن تقضي على المشروع تماما…ودائما اسأل نفسي..أذا كان عبد الناصر كان مدفع صوت كما يقول بعض الذين يقرأون التاريخ بعيونهن فقط وانه كان يريد الزعامة فقط ..اسأل إذا كانت إسرائيل قد استطاعت ان تهزم مصر لأنها لم تكن تملك قدرات الحرب؟ فلماذا استطاعت إسرائيل أن تهزم سوريا وتحتل هضبة الجولان ولبنان وتحتل الجنوب والاردن وتحتل الضفة الغربية وغور الاردن..وقوات منظمة التحرير الفلسطينية؟…هل كانوا هؤلاء أيضا يقودهم عبد الناصر..ام أن المؤامرة التي حاكتها امريكا وانجلترا وحلفائهم محكمة لتكون كفيلة بإسقاط مشروع عبد الناصر في المنطقة العربية وفي أفريقيا بعد أن ايقظ شعوبها لتتمرد ضد الاستعمار الذي كان وما يزال ينهب ثرواتها ويبقي عليهم في غيابة الجب …انا لا ادافع عن عبد الناصر ولكني كنت احلم مع الحالمين أن يكتمل المشروع مثلما بدأ وان تكون مصر في نفس التوقيت مع الهند والصين واليابان وبعض دول أوروبا الذين شكلوا مع عبد الناصر مجموعة عدم الانحياز… لقد ظل الحلم مفقودا برغم انه يعيش في وجدان جيل كامل…واتفهم جيدا كل قراءات الجيل الحالي ولكن اقول لهم لايمكن أن تحكموا على حقبة لم تعيشوا احداثها ولم تدرسوا ملابساتها.. والتاريخ المكتوب فيه من يحب وفيه من يكره وعليك أن تدرس الأمور جيدا قبل أن تحكم وفق معطيات مر عليها سبعة عقود… فالمعايير مختلفة ولكل زمن دولة ورجال