ما بين النظرية والتطبيق.. أين العدالة في الوطن العربي؟
تعتبر العدالة القضائية والاجتماعية في حال تحقّقهما أبرز المقومات للمجتمعات الصحية، بحسب ما جاء في المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية عن السلطة الحاكمة في الوثيقة التي نشرتها الأمم المتحدة؛ نظراً لمعرفتها الجيدة بما تشكله العدالة من أهمية، لخلق مجتمع سويّ ومتحضر، وقائم على إعطاء كل ذي حقٍّ حقه، من خلال ردّ المظالم إلى أهلها، وإزالة الفروق بين الطبقات الاجتماعية.
ومن ضمن هذه المبادئ نجد أن على السلطة القائمة في الدولة كفالة استقلالية القضاء، بشكل كامل دون أي تقييد، أو تأثير عليها، أو التدخل في أحكامها التشريعية، كما أن الدولة عليها كفالة حرية التعبير لكافة العاملين في السلك القضائي، وذلك وفقاً لما جاء بتلك المبادئ، وينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
العدالة القضائية
لكن ما يعاني منه المواطنون في الوطن العربي بشأن العدالة القضائية، في حقيقة الأمر هو أمران، الأول هو التباطؤ في الإجراءات، وذلك يعني أن القضية الواحدة تستمر لشهور، وفي بعض الأحيان لسنوات، في إجراءات بيروقراطية مملة وعقيمة، وغير ناجزة، فنجد أن هناك من يموت ومازالت قضيته تُتداول في المحاكم.
وهذا يُسهم في تأخير تحقيق العدالة، ويجعل العديد من المواطنين يلجأون لأخذ حقوقهم بطرق غير مشروعة، أو عن طريق الجلسات العرفية، ومن ليس لديه القوة أو كبير ما لقيادة الجلسة العرفية يتم هدر حقه، ما يجعل المواطن يشعر بالظلم الشديد في بلده من عدم تمكّنه من أخذ حقوقه بشكل سليم وقانوني من خلال الإجراءات العادلة الطبيعية.
وأصبح هناك العديد من الدول العربية التي تتبع سياسة العدالة الناجزة، من خلال تغيير وتطوير السياسات البيروقراطية، التي كان لها دور كبير في تأخر الوطن العربي على مختلف الأصعدة، والعمل على تطوير آليات الإجراءات القانونية، وميكنة الهيئات القضائية، بشكل يسمح لها بمواكبة التطور الذي يحدث في العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية.
العدالة الاجتماعية
أما في الشأن الخاص بتحقيق العدالة الاجتماعية فيمكنك القول إن هذا المفهوم غير محقق على الإطلاق في كثير من الدول العربية، ولاسيما مع الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة الناتجة أولاً عن مواجهة العالم لكورونا، وثانياً أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي رفعت مستوى التضخم لمستويات لم يشهدها أي اقتصاد على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الأولى.
وهذا التضخم أدى لزيادة الأسعار بشكل غير مسبوق، في ظل ارتفاع مستوى معدلات خط الفقر، واتجاه أبرز الشركات العالمية لتخفيض العمالة لديها من أجل الحفاظ على مستوى الأرباح، وانخفاض معدل الرواتب للموظفين سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
وبقليل من الجهد يمكنك أن تتعرف على متوسط مستويات الدخل لمواطني الوطن العربي، وهي على النحو التالي:
في مقدمة تلك الدول تأتي قطر، بمتوسط دخل للفرد 3201 دولار، وتأتي الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني، بمتوسط دخل للفرد حوالي 2637 دولاراً، بينما تأتي المملكة العربية السعودية في المركز الخامس، بمتوسط دخل للفرد هو 1681 دولاراً، وتأتي تونس في المركز الـ11 بمتوسط دخل للفرد 305 دولارات، ومصر في المرتبة الثالثة عشرة بمتوسط دخل للفرد 222 دولاراً.
كل هذا يجعلك تتعرف عن بعد على الفروق بين الطبقات في هذه المجتمعات، فمثلما نجد في قطر مازالت الحكومة قادرة على الحفاظ على طبقتها المتوسطة، لإدراكها الشديد لأهميتها في تماسك وترابط المجتمع؛ ما يضمن الحفاظ على العدالة الاجتماعية، والتي تُسهم في خلق التنمية المستدامة. وانظر إلى مصر وتونس لتتعرف على قدر ارتفاع مستوى خط الفقر في هاتين الدولتين، وانصهار طبقتهما المتوسطة مع الطبقة الفقيرة؛ ما يساعد على شعور المواطن فيها بعدمية العدالة الاجتماعية، فببساطة الغني يزداد ثراءً، والفقير يزداد فقراً، ويحاول بصعوبة توفير احتياجات يومه.
في النهاية، يجب على الدول العربية النظر في المبادئ الأساسية لتحقيق العدالة والمساواة، والتي نُشرت من قِبل الأمم المتحدة، والتي ستُسهم دون شك في تحقيق العدالة الاجتماعية، بحيث يشعر المواطن في حدود هذه الدول بالمساواة مالياً، كما ستُسهم في تحقيق عدالة قضائية وقانونية ناجزة، تُسهم في عدل كِفتَيْ ميزان العدالة بداخلها، بشكل يجعل المواطن يشاعر بأنه قادر على أخذ حقه في دولته. المصدر:عربي بوست