لماذا يلجأ الأوروبيون إلى حرق جثث موتاهم؟
كثير من الأوروبيين باتوا يلجؤون لخيار حرق موتاهم نظرا لانخفاض التكلفة
لم تعد ثقافة حرق جثث الموتى مرتبطة بديانات دول شرق آسيا، وإنما باتت كثير من الدول الغربية ذات الغالبية المسيحية تسير على ذات الخطى وإن بدوافع مختلفة.
وسنة بعد أخرى، تزداد ظاهرة حرق الموتى في أوروبا وأميركا الشمالية بعد أن كان الدفن تحت الأرض التقليد الراسخ في تلك الدول، ويزداد مع هذه الظاهرة التفكير في الاستفادة ماديا وعمليا من رفات الموتى في التدفئة من زمهرير الشتاء بعد أن استفادت منه شركات لأغراض تجارية.
وأصبح 85% من السويسريين يختارون الحرق لموتاهم، فيما بلغت نسبة حرق الموتى 77% في الدانمارك، و75% بألمانيا و73% في بريطانيا، بحسب وكالة الأنباء الألمانية.
أما في أميركا الشمالية، فكشف تقرير صادر في 2019 عن الرابطة الوطنية لمديري الجنازات (National Funeral Directors Association (NFDA) عن تزايد ارتفاع شعبية حرق الجثث التي تجاوزت معدلاتها معدل الدفن للسنة الرابعة على التوالي.
وزاد عدد محارق الجثث المرخصة في الولايات المتحدة بنسبة 8.9% على مدار عامي 2017 و2018، وتشغل محارق الجثث ما يقرب من ثلث دور الجنازات.
ووفقا للتقرير الذي حمل عنوان “حرق الجثث والدفن” فإنه بحلول عام 2040 من المتوقع أن يكون معدل حرق الجثث في الولايات المتحدة 78.7% بينما يُتوقع أن يكون معدل الدفن 15.7% فقط. وأشار التقرير إلى أن ذلك دليل على أن حرق الجثث ليس اتجاها يتلاشى وإنما ظاهرة تجد قبولا بل وتفضيلا لدى الناس.
ورغم أن جائحة كورونا قد تكون أسهمت في زيادة ظاهرة حرق الجثث، فإن أسبابا أخرى أكثر أهمية تدفع الناس في الغرب إلى اللجوء لحرق جثث موتاهم، أهمها قلة التكلفة الاقتصادية للحرق التي تبلغ ثلث تكلفة الدفن بالطريقة التقليدية والتي تتطلب تجهيزات للنعش أو التابوت الخشبي ومراسم للدفن، ونفقات إضافية أخرى.
وتبلغ تكلفة استئجار قبر دائم في بعض المدن الفرنسية أكثر من 7 آلاف يورو، بينما تصل إلى 15 ألفا و528 يوروا في العاصمة الفرنسية باريس، بحسب تقرير لصحيفة لوموند نشرته في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وفي هولندا تتراوح تكلفة الدفن بين ألف و4 آلاف يورو في السنة، بحسب المكان وما إذا كان قبرا خاصا أو في مقبرة عامة.
كما أصبح تساهل الكنيسة المسيحية مع حرق الجثث بعد الوفاة عاملا محفزا لدى طائفة أخرى بعد أن كانت تتشدد في ذلك.
وتزعم مصادر أخرى أن لعلمية حرق الجثث تأثيرا إيجابيا على البيئة حيث توفر عملية حرق الجثث بدلا من دفنها مساحات أكبر على الأرض يمكن أن يستفيد منها الأحياء، لكن حرق الجثث يتطلّب الكثير من الوقود، وينتج عنه ملايين الأطنان من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الرفات بعد الممات
وتتم عملية حرق الجثة عادة بوضع الجثة في نعش أو حاوية وتحرق في فرن خاص، وتستغرق هذه العملية من ساعتين إلى 3 ساعات، في حرارة تبلغ ألفي درجة مئوية. بعد ذلك يسحق ما بقي من العظام حتى يصبح رمادا ويوضع في جرة ويسلم لأقرباء المتوفى.
بعض أقرباء المتوفى قد يحتفظون ببقايا الرفات في قنان، والبعض الآخر يدفنونه في مقبرة، كما قد يطلب بعض الأشخاص أن يذر رماد جثثهم في أحد الأماكن التي يفضلونها، وبعضهم ينثر رماد جثته في البحر.
ومع الزيادة في معدل حرق الجثث تثار مسألة مصير الرفات بعد الحرق، وقد أشار تقرير حرق الجثث الأميركي إلى أن نحو 42% من الرفات المحترقة تعاد إلى العائلات، بينما تدفن 35% في مقبرة، ويبعثر 16% من رفات الجثث المحروقة في مواقع مختلفة.
ومن هنا انتشرت شركات “حرق الموتى” في أوروبا بهدف استعمال رمادها لإنشاء شعاب مرجانية أو ضغطها وتحويلها إلى ألماس.
وبحسب تقارير إعلامية لوكالة الأنباء الألمانية فإن خبراء في دول أوروبية يتدارسون فكرة الاستفادة من الحرارة الناجمة عن حرق الجثث للتدفئة في فصل الشتاء.
ففي دول مثل السويد والدانمارك تحاول شركات الاستفادة من الحرارة الناتجة عن عملية الحرق في تدفئة المباني خاصة بعد أزمة الطاقة التي عصفت بالقارة العجوز إثر انقطاع الغاز الروسي عنها على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن لينارت أندرسون وهي مديرة لإحدى المحارق في السويد أنهم سيستخدمون عملية الحرق في تسخين مبانيهم الخاصة ويمكنهم مستقبلا الاتصال بشبكة التدفئة في المناطق المحيطة بالمحرقة.
ويأتي هذا الطرح مع تساؤلات أخلاقية تثار حول إنسانية هذا الفعل الذي حول الإنسان إلى سلعة يمكن أن تباع وتشترى بعد وفاته بدلا من إكرامه ودفنه.
وقد لاقت هذه الظاهرة انتقادا لما تحمله من إهانة للإنسان، وقد شبهها الكاتب والأكاديمي عبد الله البريدي بالهولوكوست التي أهان فيها النازيون الإنسان وأحرقوه حيا، لكنه أطلق على هذه الظاهرة الجديدة وصف “الموتوكوست” بمعنى حرق الأموات.
ويشير البريدي إلى أن هذا طور جديد من “إبداع” الحضارة الغربية وصلت إليه في تعاملها مع الإنسان والاستفادة المادية منه حتى بعد مماته.
الكنيسة تخفف القيود
وإن كانت الكنيسة الغربية طوال القرون الماضية تحرم حرق الجثث باعتباره يتعارض مع تعاليم البعث يوم القيامة، فقد خففت من القيود كثيرا في العقود الماضية، وبدأت في السماح بحرق الجثث في عام 1963.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من 2016 قال الفاتيكان في وثيقة إنه يفضل دفن جثث الموتى بدلا من حرقها، لكنه أوصى بالإبقاء على رماد الجثث التي يجري حرقها في “مكان مقدس” وعدم الإبقاء عليها في المنزل أو تقسيمها بين أفراد الأسرة أو نثرها في الهواء.
وأفادت الوثيقة بأنه في حالة اختيار حرق الجثة “فإن رماد المتوفى يجب أن يوضع في مكان مقدس مثل مقبرة أو في خزائن خاصة أو في كنيسة أو في مكان خصص لذلك”.
وأضافت “لا يسمح بنثر رماد المتوفى في الهواء أو على الأرض أو في البحر أو بأي شكل آخر أو أن يحفظ في تذكارات أو قطع مجوهرات أو ما شابه ذلك”.
أما في الإسلام فإن الأصل عدم جواز حرق جثة الميت لأن له حرمة كحرمة الحي، فقد قال النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) “كسر عظم الميت ككسره حيا”، وهذا يعني أن حرقه ميتا كحرقه حي، كما أن إكرام الميت يقتضي تغسيله وتكفينه ودفنه في التراب