تجنبا للدفن وتقسيم الميراث خلافا للشريعة.. دعوات لمسلمي ألمانيا لتسجيل الوصية
تضم ألمانيا نحو 4.5 ملايين مسلم يشكّلون مجتمعا له عاداته وتقاليده داخل المجتمع الألماني. ومن بين صعوبات الاندماج، يواجه هؤلاء المسلمون مشكلة توزيع الإرث وفق القانون الألماني، الذي يختلف عن التقسيم الذي ينص عليه الشرع الإسلامي.
ومع توافد مئات آلاف المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا منذ عام 2016، طفت بعض المشاكل الاجتماعية على السطح، في مقدمتها مسائل دفن الموتى وتوزيع تركاتهم وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، وهو الأمر الذي دعا القائمين على الجالية المسلمة للتنبيه على ضرورة كتابة وصية وتسجيلها بشكل قانوني.
كيف يقسّم الميراث حسب القانون الألماني؟
يقسّم قانون الإرث الألماني الورثة إلى 3 درجات:
الدرجة الأولى: الأولاد والزوجة. وهذه الفئة تأخذ كل شيء بالتساوي، فإن مات ابن أو بنت -في حياة والديه- وله أبناء، فإن الأحفاد يحجبون الجد أو الجدة، إذ إن هذه الفئة (الأولاد) تحجب بقية الفئات من الميراث.
الدرجة الثانية: الوالدان والإخوة والأخوات في غياب الدرجة الأولى، وتأخذ هذه الدرجة كل شيء بالتساوي. وإن كان بينهم أخ/ أخت مات قبل ذلك ولديه أبناء، فإن أبناءه يأخذون حصّته من الإرث.
الدرجة الثالثة: الأجداد والأعمام، يأخذون حصتهم بالتساوي في حال غياب الدرجة الثانية.
أما الوصية، فتحجب كل شيء إلا النصيب الإجباري الذي ينص عليه القانون، وهذا يحتاج إلى طعن قانوني ومحكمة.
وفي حال عدم وجود أي من الدرجات السالف ذكرها، فإن المقاطعة (الولاية) التي كان يسكن فيها المتوفى آخر حياته ترثه. أما إن توفي المواطن في دولة أخرى، فإن الحكومة الاتحادية الألمانية هي التي ترثه.
فما الوسائل التي تحقق للمسلمين في ألمانيا توزيع تركاتهم وفق الشريعة الإسلامية؟
مشكلات المسلمين مع نظام الإرث في ألمانيا
يقول خالد حنفي -الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ورئيس لجنة الفتوى في ألمانيا- إنّ ترْك المسلم وصية في ألمانيا يحل مجموعة مشكلات تواجه المسلمين عموما في البلاد، ومنها السماح بتكفينه ودفنه وتوزيع ميراثه وفق الشريعة الإسلامية. ولتحقيق ذلك، لا بد من تسجيل الوصية بشكل قانوني.
وتجيز الدولة الألمانية حرق جثمان الميت، إذ يلجأ كثير من الألمان إلى هذا الخيار بسبب غلاء الأرض وتكاليف الدفن التي تقع على ذوي الميت. وهنا يقول حنفي -للجزيرة نت- “نوصي المسلمين بضرورة وجود وصية مكتوبة لكل شخص منهم، ففي حال وفاة المسلم الألماني، يتم دفنه وتوزيع إرثه وفق القانون الألماني غير المطابق للشريعة الإسلامية. ويمكن للشخص أن يوصي بتوزيع الإرث كما يريد”.
من جانبه، يلفت فتحي سعد -إمام وخطيب مسجد السلام في مدينة بفورتسهايم- إلى أنه بإمكان أي إنسان في ألمانيا أن يكتب وصيته ببنودها كافة، ويضمن فيها بندَي “الدفن والميراث”، على أن تُسجّل هذه البنود عند كاتب العدل بوجود شهود، حتى يُعد الأمر مقبولا من الناحية القانونية.
ويقول سعد للجزيرة نت إن “هذا ما نوصي به كثيرا من المسلمين، فبعضهم يتزوج ألمانية ويكون منعزلا ويرتاد المسجد قليلا، وقد يُبتلى بعضهم بأمراض ويكون بعيدا عن بيئته الأصلية، وزوجته غير مسلمة، فتدفنه بطرق غير شرعية، كالحرق مثلا، أو تذهب لها أمواله كافة بعد وفاته. لكن عندما يكتب المسلم الألماني وصية قانونية، فإنها تحل مشكلة توزيع التركة، إذ سيتم توزيعها حسب ما أوصى به، لأن القانون الألماني يحترم الوصية”.
“الوصية أولا” في تنظيم الإرث
يقول كبير الأئمة في ألمانيا الشيخ أحمد هليل، للجزيرة نت، إن نظام الميراث في القانون الألماني يختلف عن الشريعة الإسلامية. فوفقا للقانون الألماني المادة 25 من قانون الهجرة والجنسية، كان الميراث القانوني بعد الوفاة خاضعا لقانون الدولة التي ينتمي إليها الموصي وقت وفاته، ويسري قانون الميراث الألماني عليه حتى لو كان يعيش في دولة أخرى.
لكن الأمر تغير مع لائحة الميراث في الاتحاد الأوروبي، وفق الشيخ هليل، لافتا إلى أنه “منذ 17 أغسطس/آب 2015، خضع الميراث القانوني بالكامل لقانون الدولة التي كان الموصي مقيما فيها إقامة اعتيادية حين وفاته (المادة 21 من لائحة التوريث في الاتحاد الأوروبي)”.
ويضيف كبير الأئمة في ألمانيا، “لكون القانون الألماني يساوي بين الذكور والإناث، وبين الزوج والزوجة، فقد لجأ كثير من المسلمين الذين يحملون الجنسية الألمانية إلى قانون الوصية. والقانون الألماني يعطي لكل إنسان حق التصرّف في ماله في حياته أو كتابة وصية حال وفاته، وتُقدَّم الوصية على كل القوانين الأخرى التي تنظم المواريث”.
الوصية تحافظ على الهوية الإسلامية
من جانبه، يشدد علي الشافعي -إمام وخطيب مسجد النور في كارلسروه- على أهمية الوصية للمسلم في ألمانيا، لكونها تحافظ على هويته الإسلامية. ويقول للجزيرة نت إن “ثمة أمورا بعد الموت توجب على المسلم الأوروبي الوصية، كالجنازة وتغسيل الميّت وتكفينه ودفنه في مقابر المسلمين، وكذلك الإرث. فقد يكون المسلم الأوروبي متزوجا من امرأة من غير دينه، أو قد يُسلم واحد من غير المسلمين ولا يُعلن إسلامه، وبعد الموت تقوم الزوجة غير المسلمة أو الأسرة غير المسلمة بدفنه على الطريقة غير الإسلامية أو بحرق جثمانه”.
وكذلك يكون تقسيم الميراث حسب القانون الألماني، فتستحوذ الزوجة على معظم التركة، وتأخذ ما يزيد على نصيب الابن والبنت، وقد تحرم أم المتوفى من الميراث. ومن الأمثلة الأخرى التي توضح أهمية الوصية، إذا مات مسلم أوروبي وله تركة وليست له عائلة تعيش معه في ألمانيا، أو ربما تعيش أسرته في بلد عربي، فسيذهب كل ماله إلى المدينة والبلدية التي كان يقطن فيها. أما في حال كتابة الوصية وتوثيقها قانونيا عند كاتب العدل، فيُقسّم المال وفق نظام الميراث في الإسلام . (الجزيرة)