اغتيال الجنرال كليبر على يد سليمان الحلبي.. كيف حدث ذلك؟

في مثل هذا اليوم 14 يونيو من عام 1800 تم اغتيال القائد العسكري الفرنسي الجنرال كليبر في حديقة قصره بالقاهرة على يد الطالب السوري الأزهري سليمان الحلبي نتيجة لاستفزازه لمشاعر المصريين، ويعد الجنرال كليبر أحد جنرالات فرنسا الذين اشتركوا في حملة نابليون بونابرت على مصر.
حسب ما جاء كتاب “موسوعة أشهر الاغتيالات في العالم أكثر من 100 شخصية عربية وأجنبية” من تأليف الحسيني الحسيني معدي: عندما قامت فرنسا بحملتها العسكرية على مصر (1801-1798) مستهدفة قطع الطريق بين إنجلترا والهند وجعل مصر مستعمرة فرنسية لتعوض بها فرنسا ما فقدته من المستعمرات مثل الهند وكندا، أثناء حروبها الطويلة في القرن الثامن عشر، وبعد أن استولى نابليون على الإسكندرية واحتل مصر، واستتب الأمر نسبيا بالنسبة له أراد أن يعود إلى بلاده وبالفعل غادر بونابرت مصر سرا في 12 أغسطس 1799 بعد أن عين قبل رحيله عن مصر الجنرال كليبر، قائدا للجيش وحاكما على مصر.
كان كليبر يرى أن الحملة الفرنسية مصيرها إلى الفشل، طالما بقيت للإنجليز السيادة في البحر الأبيض المتوسط، ولذلك فقد عجل بمفاوضة الأتراك على جلاء الفرنسيين عن مصر وأخذ العثمانيون يدخلون مصر، ولكن الحكومة الإنجليزية وقبل أن يصلها نبأ الاتفاق رفضت أن تأذن بجلاء الفرنسيين إلا كأسرى حرب، ورفض كليبر.. واستعد للمقاومة فلما وصل العثمانيون إلى ضواحي القاهرة هزمهم كليبر في عين شمس، فاضطروا إلى التقهقر سريعا إلى الشام، وبينما كان كليبر منشغلا بقتال العثمانيين انتهز الفرصة فريق من الجيش العثماني ودخلوا القاهرة وتحصنوا بها وأثاروا أهلها على الفرنسيين الأمر الذي جعل كليبر يحاصر القاهرة أكثر من شهر وعلى الرغم من شدة مقاومة المصريين فإن الفرنسيين تمكنوا من إخماد ثورتهم وتمكنوا من تدمير أحياء كاملة.. وأحرقوا البيوت.. وفتكوا بعلماء الأزهر.
وكان القائد العام للجيش الفرنسي – أي الجنرال كليبر – يقيم في منزل فخم بحي الأزبكية تحيط به حديقة كبيرة.. وقد حدث في ضحى يوم السبت 14 يونيو سنة 1800م أن الجنرال كليبر، والمسيو بروتان كبير المهندسين وأحد أعضاء البعثة العلمية الفرنسية التي قدمت مصر مع الجيش الفرنسي كانا يتريضان في الحديقة المشرفة على بركة الأزبكية، وكان كليبر قد تقدم رفيقه قليلاً، فبرز من أحد مماشي الحديقة فتى نحيف القامة متوسط الجسم يرتدي الزي التركي، وتقدم من القائد العام، فأشار إليه بالرجوع وكرر قوله: (مافيش) معتقدا أن الغريب يسأله الصدقة، لأنه كان رث الثياب والهيئة ولكن الفتى تقدم منه وأشار إليه أن له حاجة يلتمس قضاءها، ومد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد إليه القائد العام يده، فقبض عليها بيد عصبية قوية، وجرد بيده اليمنى خنجرا كان يخفيه تحت ثيابه، ثم انقض على الجنرال وطعنه بخنجره عدة طعنات سريعة أصابته في ذراعه وصدره وبطنه، فسقط إلى الأرض صريعا وهو يصبح مستغيثا فبادر زميله بروتان إلى اغاثته، ولكن المهاجم انقض عليه كذلك وطعنه عدة طعنات ألقته على الأرض وأفقدته الرشد، ثم وثب مهرولاً إلى مماشي الحديقة، فغاب فيها واختفى عن الأعين.
وما كاد المهاجم يختفي حتى تواثب الحراس من كل ناحية إلى مكان الاستغاثة فوجدوا قائدهم صريعاً في ممشى الحديقة والدم يقطر من جراحه، ووجدوا زميله بروتان ملقى على قيد بضعة أمتار منه، ولم يروا أثرًا للمهاجم، فذعروا واشتد اضطرابهم، وطار الخبر إلى الرؤساء والضباط، فهرولوا من كل صوب واشتد الضجيج والهرج، وانطلق عشرات الجند إلى الجهات المجاورة يفتشون عن القاتل أو القتلة، واعتقد الرؤساء أن تلك الفعلة إنما هي نتيجة المؤامرة كبيرة دبرها أهل القاهرة، فأصدروا الأوامر إلى القلاع والحصون بالتأهب، واحتاط الفرنسيون بالمدينة واندسوا إلى شوارعها، وسرى الرعب إلى القاهريين فأسرعوا إلى الفرار والاختفاء في المنازل والأحياء القاصية، وأغلق التجار حوانيتهم، فأقفرت الطرق، وساد المدينة سكون رهيب.
غير أن ذلك الرعب ما لبث أن تبددت سحبه بعد أمد قصير، إذ لم تمض ساعة حتى ظفر بعض الجند الذين انطلقوا في أثر المهاجم بشاب كان مختفيا في البستان المجاور المنزل القائد العام، وراء جدار متهدم، فقبضوا عليه، فقدم للاستجواب في الحال أمام مجلس عسكري.
وكان الجنرال الجريح يعاني حشرجة النزع، حينما قدم لفحصه كبير الأطباء.. وقد أسلم الروح بعد فحصه ببرهة وجيزة، أما المهندس بروتان فلم تكن جراحه خطرة على الرغم من كثرتها فأسعفت بالعلاج.
ظهر من الاستجواب الأول أن الشاب المقبوض عليه يسمى سليمان الحلبي وأنه ولد في مدينة حلب بولاية الشام وعمره أربع وعشرون سنة، وأنه قدم إلى القاهرة مع إحدى القوافل فنزل في الجامع الأزهر.
غير أنه أنكر ما نسب إليه من جريمة قتل كليبر، والشروع في قتل المهندس بروتان فتليت عليه الأدلة التي تدينه فأنكرها.. فقرر المجلس العسكري إحالته إلى العذاب، فشد وثاقه، ومازال يجلد حتى التمس الصفح، ووعد بقول الحقيقة فرفع عنه العذاب واستجوب ثانية فاعترف أنه قدم إلى القاهرة من غزة منذ واحد وثلاثين يوما، ولم يكن قدومه مع إحدى لقوافل، بل كان على هجين استحضره خصيصا لذلك، فقطع المسافة بين غزة والقاهرة في ستة أيام، وأنه جاء إلى القاهرة ليقتل الجنرال كليبر الذي اعتدى على الشعب.. والعلماء.. وبيوت الله.