اضطرت الكثير من المنشآت السياحية في مصر إلى الدخول في سباق لحرق أسعار خدماتها لجذب المزيد من الزائرين، بعد أن تسبب تهاوي الجنيه في تشجيع الكثير من الأجانب ذوي الإنفاق المحدود إلى تفضيل الوجهة المصرية لرخص أسعار فنادقها ومزاراتها مقارنة مع دول سياحية أخرى تشهد عملاتها الوطنية استقراراً مقابل العملات الأجنبية.
وأظهر تحليل مبيعات العملاء الخاص بمؤشر مكتب الخدمات المالية في وزارة البريد البريطانية، أنّ الرحلة السياحية إلى منتجع سياحي مصري، التي كانت تقدر بنحو 500 جنيه إسترليني قبل نحو عام أصبحت تكلف 210 جنيهات إسترلينية، بما يزيد من فرص استمتاع البريطانيين لقضاء إجازة رخيصة في وجهات مثل شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر شمال شرقي مصر، مع تخفيض هائل في المصروفات، بنفس المدة الزمنية والمستوى الفندقي الذي يحظى به المسافر، على نفس الرحلات المشابهة لها منذ عام.
وأشار التحليل إلى انهيار الجنيه المصري بنحو 72% مقابل الجنيه الإسترليني خلال الـ 12 شهراً الماضية وتحديداً منذ مارس/آذار 2022.
ولفت إلى أن الجنيه الإسترليني الذي تراجعت قيمته مقابل البيزو المكسيكي والدولار الجامايكي، منذ انتشار وباء كورونا، أدى إلى ارتفاع تكاليف السفر إلى منطقة البحر الكاريبي، مع انخفاض قيمة العطلات الخاصة بالسائحين من حاملي الجنيه الإسترليني، بينما يُمكّن الجنيه المصري الضعيف المسافرين من الحصول على رحلات أرخص، ودفع تكلفة أقل للإقامة والنفقات الأخرى بالعملة المحلية، رغم ظهور آثار التضخم وعدم الاستقرار الاجتماعي الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه في منطقة رخيصة مثل شرم الشيخ. وتوقع المؤشر أن يشهد العام الحالي ارتفاعاً في مبيعات الرحلات إلى مصر مع استمرار تراجع الجنيه.
على النقيض من ذلك، تظهر بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي في مصر لشهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن تهاوي العملة الوطنية تسبب في تراجع حركة السياحة الداخلية بنسبة 42.8% مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، بسبب تزايد الأعباء التي يواجهها المصريون، خاصة زيادة أسعار الوجبات الجاهزة بنسبة 43.1%، وخدمات الفنادق 27.2%، في إطار زيادة هي الأعلى من نوعها منذ 5 سنوات، إذ وصل معدل تضخم أسعار المستهلكين في ذلك الشهر إلى 26.5% مقابل 8% في نفس الفترة من العام الماضي. يقول مستشار وزير السياحة السابق، عادل المصري، إن زيادة عدد السائحين إلى مصر في الآونة الأخيرة، يرجع إلى اعتماد وكالات السفر على جلب منخفضي القدرة المالية، والاعتماد على “حرق أسعار البرامج السياحية”، بتقديم أسعار متدنية، على أسعار الفنادق، بما يرفع أعداد السائحين دون زيادة حقيقية في عوائد النشاط السياحي للدولة.
ويحذر المصري في بيان وجهه لأعضاء الغرف السياحية، حصلت عليه “العربي الجديد” من أن لجوء بعض منظمي الرحلات إلى حرق الأسعار يحرم الدولة من السائحين ذوي الدخل المرتفع القادرين على تحمل مزيد من النفقات، بينما اللجوء إلى السياحة الرخيصة، حيث تباع الليلة على المراكب السياحية بنحو 20 يورو، يؤدي على تدني مستوى العائد ونوعية السائحين.
ويؤكد أن تراجع السياحة في مصر وقع لأسباب خارجة عن إرادة القطاع، مطالبا الحكومة بإلزام الفنادق، بعدم خفض الأسعار، لا سيما مع تراجع أسعار العملة، بمعدلات كبيرة أمام العملات الرئيسية.
بدوره، يرفض عضو اتحاد الغرف السياحية، حسام هزاع، لجوء الفنادق العائمة أو الفنادق الكبرى، إلى تخفيض الأسعار، مشيرا إلى زيادة معدلات السائحين من غرب أوروبا، ودول الخليج، مع تطبيق الحد الأدنى للأسعار المعلنة لكل مستوى فندقي التي اعتمدتها وزارة السياحة بداية العام الجاري.
في الأثناء، يرى مديرو شركات سياحية، أن مواقع حجز رحلات السفر بالطيران وحجز الإقامة بالفنادق والشقق الفندقية عبر الإنترنت، بأنها وراء تراجع أسعار الرحلات السياحية إلى مصر، لعدم تحملها أية رسوم، أو ضرائب محلية عن الخدمات التي تقدمها، أسوة بشركات السياحة، التي تتحمل أعباء تشغيل العمالة، ودفع مستحقات مالية كبيرة للدولة.
وتبيع الشركات الأوروبية، الرحلات النيلية بين الأقصر وأسوان (جنوب مصر) في المراكب السياحية الفاخرة، لمدة 4 أيام و3 ليال، بسعر 350.3 جنيهاً إسترلينياً، للفرد في موسم الذروة بالشتاء الحالي، بما يعادل 12 ألفاً و300 جنيه ويبدي أصحاب المزارات والمنشآت السياحية، تبرمهم من لجوء وكلاء السفر إلى زيادة أفواج السياحة الرخيصة، مشيرين إلى أن هذه النوعية، تكتفي بقضاء أوقاتها وفقا للبرامج المحددة من قبل الوكلاء الأجانب وتظل داخل فنادقها، بمناطق البحر الأحمر وشرم الشيخ، دون أن تنفق أية أموال إضافية على المشتريات أو المزارات السياحية التي ينتظر ملايين المصريين عودة العمل بها، منذ توقفت أنشطتها نهاية عام 2019.
ويشير خبراء سياحة إلى خطورة انفراد وكلاء السياحة الأجانب، بتحديد نوعية الأفواج، وتسعير الرحلات، مشيرين إلى أن أغلب العوائد الناتجة عن النشاط بهذه الطريقة تُدفع في الخارج، لشركات الطيران وسلاسل الفنادق الدولية، بينما الفتات يأتي إلى المنتجعات السياحية المستقبلة للسائحين.
ويأمل قطاع السياحة زيادة حركة السياحة من بريطانيا وألمانيا وبولندا وأوروبا الشرقية، لتعويض العجز الشديد الناتج عن تراجع السياحة من روسيا وأوكرانيا، اللتين كانتا قبل الحرب تمثلان مورداً رئيسياً للسياحة.
وبلغت نسبة الإشغال في الغردقة على البحر الأحمر (شرق) نحو 40% خلال الشهر الماضي، فيما وصلت إلى 60% في شرم الشيخ، وينتظر زيادتها في إبريل/ نيسان المقبل، وفقاً لبيانات اتحاد مستثمري اتحاد السياحة في البحر الأحمر.
وتسعى الحكومة إلى زيادة عدد السائحين إلى نحو 30 مليون سائح سنوياً، بينما الطاقة الفندقية المتاحة لا تزيد عن 230 ألف غرفة فندقية تكفي بالكاد نحو 15 مليون سائح، في وقت أوقف فيه الحكومة إصدار تراخيص المباني والإنشاءات في المناطق السياحية، منذ 3 سنوات، مع عدم استكمال مشروعات قائمة، تعرضت لانتكاسات مالية، مع ظهور وباء كورونا، ونقل تبعية هيئة التنمية السياحية إلى وزارة الإسكان التي حولت أراضي الاستثمار السياحي إلى مشروعات عقارية، باهظة الثمن.
ويستبعد وكيل أول وزارة السياحة الأسبق، محفوظ علي، قدرة الفنادق على استيعاب أي تدفقات سياحية تفوق عام الذروة التي تحققت للسياحة المصرية عام 2010، والتي شهدت وصول 14.7 مليون سائح، وايرادات تاريخية بلغت 21.5 مليار دولار.
الجينه المصري (فاضل داود/Getty)
أسواق
سوق سرية للدولار في مصر: جهاز بالدولة يتربح من أزمة النقد الأجنبي
ويقول علي لـ”العربي الجديد” إن وزارة السياحة وضعت خطة طموحة خلال تلك الفترة تستهدف استقبال ما بين 20 و30 مليون سائح سنويا، واجهت مشاكل مالية وبيروقراطية، أحبطت المستثمرين، وأوقفت كثيراً من التوسعات الفندقية.
وأجرت الحكومة التخفيض الثالث على قيمة الجنيه، بنسبة 23%، في يناير/كانون الثاني الماضي، ليخسر ما يزيد عن 95% من قيمته أمام الدولار والعملات الصعبة منذ مارس/آذار من العام الماضي.
ووصف خبراء قرار التخفيض بأنه جرى بشكل مصطنع، لإلغاء دور البنك المركزي في إدارة سعر صرف النقد الأجنبي، رغم ما له من مخاطر على زيادة معدلات التضخم، ورفع قيمة الصادرات غير النفطية، التي تأمل الحكومة زيادتها إلى 100 مليار دولار في الفترة المقبلة.
ويتوقع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في تقريره الصادر نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، تباطؤ النمو الاقتصادي لمصر، خلال العام المالي الحالي 2022- 2023، إلى 4.3%، مدفوعاً بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وانخفاض معنويات المستثمرين وارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة الضغط على الحسابات الخارجية، وانخفاض قيمة الجنيه، وتسارع التضخم إلى معدلات قياسية.