أهدَاهُ إليها
فتَح والدُها باب البيت، ثم أدخَل صندوقًا كبيرًا بصعوبة بالغة، جَرَت صوْب حِضنه، سألتْه ما هذا؟ عيناها اللتان تلمعان بالدهشة طالما أشعرَتَاه بالفرح، رفَعها لأعلى، بعد أنْ طبَع قُبلتَين على التفاحتَين اللتَين تزدادان احمرارًا كلَّما شعرتْ بالشغف. قال: كل عام وأنتِ حبيبة بابا. كرَّرت سؤالها: ما هذا؟ قال: هذا رمضان. أنزَلها إلى الأرض، وفتَح الصندوق. أوصله بالكهرباء؛ فتلألأ الفانوس الضخم، انعكست الألوان على عينَيها، فازدادتا مَلاحة وبريقًا، صرخَت وهي تقفز لأعلى: بابا.. أحبك، ما أجمله، أطول منِّي كثيرًا، احملني لأراه من أعلى.
سألتْه بجدية حين رفَعها: متى أكبر لأطوله؟ ثم أعقبت مباشرة: بابا أنت رجُل محترم. نظر طويلًا إلى صغيرته؛ ضمَّها وحدَّث عينَيها: أريدُكِ شاهقة مثله هكذا، زاهية، تشِعِّين ضوءًا وجمالًا؛ ابتسمتْ له باتساع النقاء.
منذ أكثر من عشرين عامًا لم يعُد أبوها يهديها فانوسًا، غادرت عيناه بعيدًا، لكن حدَث وأن طالت قامتُها مع الأيام، تجاوَزَت الفانوس الأكبر.
أنارته أوَّل أمس، وجلست تكتب بجواره: “أبي أنا لستُ مضيئةً مثله، لستُ صاخبة، اخترتُ ضوئي الأعمقَ، الأكثر توغلا بالذات، يقذفُني البعض بأحجار يقينه البائد، دون ضجيج أُلملمها، وألقيها بعيدًا. أبي أنا لستُ الشاهقة طولًا، لكن نخيلي يطرح رِفْعَة.
كلما بحثت عن ذاتي، ألملم فوانيسك التي أهديتني أياها، وأدلف معهم إلى الأكبر، أعرف أنني لست علاء الدين، لست المارد، لا أملك بساطا سحريا، بساط محبتك فقط يحملني، والنور الذي يدلف من مسام الروح.