أخبارمقالات وآراء

جرائم حرق المصحف الشريف

الدكتور عادل عامر

ان جرائم حرق القرآن الكريم وغيره من الحوادث المدفوعة بالكراهية الدينية والإسلاموفوبيا تعد انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مؤكدة أن الدول لا يمكن لها أن تُعفى من التزاماتها القانونية في هذا السياق، مؤكدة ضرورة قيام الدول بإنشاء نظم المساءلة القانونية لمنع ومواجهة هذه الحوادث. لان حوادث إحراق المصحف الشريف لن تضرَّ الإسلام أو القرآن في شيءٍ وإنَّما تزيد المسلمين إيمانًا وثقةً بدينهم؛ لأن الله قد تكفَّل بحفظ كتابه،. أن الجريمة في حقيقتها تسيء -في جملة إساءاتها- إلى المفهوم الحقيقي والرشيد للحريات وفق مبادئها التي تنادي باحترام المقدس، وعدم إثارة المشاعر نحوه بأي استفزاز تحت أي ذريعة.

 سقطت مزاعم حُريّة التعبير في الغرب والمرتكزات الديمقراطية التي كان تتشدق بها أوروبا، التي جاهرت بالعداء للعرب والمسلمين، وما حدث في عدد من العواصم الأوروبية في وضح النهار من حرق لنسخ القرآن الكريم، كان بمثابة خروج لحقد دفين وكراهية معلنة للإسلام والمسلمين، لدى أحزاب اليمين الذي ما انفك يتمدد في أوروبا.

خصوصاً عندما قام المتطرف السويدي الدانماركي راسموس بالدون، زعيم حزب الخط المتشدد مع جماعة موالية له بإحراق نسخة من القران الكريم أمام مقر السفارة التركية، وما أعقبه من عمليات حرق للقرآن في عدد من العواصم الأوروبية.

 ومع صُعود الأحزاب اليمينيّة الفاشيّة في مُعظم الدّول الأوروبيّة، أضحى استفزاز مشاعر المسلمين من خلال حرق المصحف الكريم، مساراً مشيناً وعبثياً وغير أخلاقي، ينم عن احتقار واستهانة واستفزاز، خصوصاً عندما تتكرر الجريمة ذاتها، فإن الأهداف العبثية لا يمكن أن تكون خافية على أي مراقب لطبيعة مسار اليمين الأوروبي المتطرف.

وتبدو أوروبا مرة أخرى أمام اختبار حقيقي للتمييز والفصل، بين حرية التعبير والرأي التي تكفلها شرعة حقوق الإنسان من جهة، وبين امتهان المقدسات ومشاعر نحو ملياري مسلم حول العالم من جهة ثانية. ونحن اليوم إزاء السيناريو ذاته الذي يتكرر مجددا، حيث تعمد مجموعة من اليمين المتطرف في السويد والدنمارك، الي أحراق المصحف في استفزاز واضح لأكثر من مليار ونصف من المسلمين في العالم. والمطلوب من كل الحكومات الأوروبية، التي وقعت فيها هذه الانتهاكات المتطرفة، بالتصدي بشكل عاجل لكل هذه الممارسات التي تسهم في تأجيج الكراهية والصراع بين أتباع الأديان.

إن حرق نسخة من المصحف في عدد من العواصم هي جريمة تشجّع على جرائم الكراهية والإسلاموفوبيا.. والهجوم على القيم المقدسة ليس حرية بل بربرية حديثة، الي جانب أن السماح بهذا العمل المعادي للإسلام، الذي يستهدف المسلمين، ويهين قيمنا المقدسة، تحت ستار حرية التعبير، أمر غير مقبول على الإطلاق.

إن الغرب على ما يبدو ينظر إلى حرية التعبير والتفكير واختيار المعتقد وحقوق الإنسان وكأنها حقوق حصرية لشعوبه فقط، أما الآخرون فإنه يسمح بالتجاوز على دينهم وحقوقهم، على اعتبار أن هذا حرية تعبير، وليس تجاوزاً، من دون أن يفكر هؤلاء بأنهم بفعلهم هذا يظهرون للعالم وجهاً عنصرياً بعيداً تماماً عن كل شعارات التحضر والعلمانية.

وفعلياً فحرق المصحف اعتداء سافر، وسلوك مقيت، لا يقود إلى الاستقرار، ولا يبني الثقة، وعليه فالسؤال المطروح: لماذا يعتبر حرق كتاب مقدس يمثل أعلى رمز لأمة تعدادها مليار ونصف المليار حرية تعبير، وليس جريمة كراهية موجهة ومقصودة؟

الغريب ليس في تناقض بعض دول الغرب وتصرفهم بمنطق عنصري شديد التطرف خدمةً لأجندات انتخابية ربما، ولكن في أن يناصر بعض المسلمين هذه الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتبرون حرق القرآن حرية تعبير! فيا سادة، إن حرية المعتقد تتلخص في اختيارك الدين أو رفضك له متحملاً نتيجة خيارك، لكنّ اعتداءك على مقدسات دين ومشاعر ملايين المسلمين هو جريمة لا علاقة لها بالحرية.

أن “اتفاقية فينا للعلاقات الدولية عام 1961 نصت على انه عندما يتصرف السفير بخلاف القانون في الدولة التي هو فيها، وعندما يتم ابلاغه انه شخص غير مرغوب به من قبل الدولة التي هو فيها وفق المادة 9 من هذه الاتفاقية، والمادة شرحت واضافة ان من حق الدولة ان تنهي اعمال البعثة، وفقا لظروف معينة”.

 “هناك فرق في التعبير بين شخص غير مرغوب فيه وغير مقبول به وفق هذه الاتفاقية، فالشخص غير المرغوب فيه تستخدم لأعضاء السلك الدبلوماسي او بعثة الدبلوماسيين، اما شخص غير مقبول  به تستخدم للفنيين ومن غير الدبلوماسيين في السفارة”. أن “النقطة الاخرى يحق للعراق طرد السفير السويدي (السفيرة)، عند انتهاك المواد 41،42، من الاتفاقية بسبب ان التصرف لا يحترم الدولة التي هو فيها، يعني ليس فقط ان يقوم السفير بتصريحات او تحريض على عنف او الطائفية، قد تكون العلاقات متوترة بين الدولتين التي فيها السفير والتي تشمل تحريض دولة السفير على هذه الانتهاكات التي تحصل وتضر الدولة التي فيها السفير يتيح للدولة التي هو فيها ان تعلمه انه شخص غير مرغوب فيه وتقوم بطرده وتطرد كل الدبلوماسيين والفنيين وتغلق السفارة وفق المادة 41،42 من اتفاقية فينا”.

أن “هناك أمثلة دولية على هذا الموضوع، مثلا السفير النمساوي، عندما اصبح ممثل الامم المتحدة فورد هايل طردته الولايات المتحدة الامريكية واعتبرته شخصا غير مرغوب فيه، لأنه اخفى معلومات عن النازية، كذلك الاتحاد السوفيتي عام 1962، طرد السفير الامريكي بسبب تصرفاته ضد الاتحاد السوفيتي وربطه من خلال تصريح بين الاتحاد السوفيتي والنازية”.

“هناك مبدأ اخر هو مبدأ جدار الصمت الازرق هذا لا يسمح للأجهزة الامنية بخرقه واعطاء المعلومات الى الذين أدنى منهم ونستخلص من كل ذلك ان العراق وفق اتفاقية فينا يستطيع ان يستدعي السفير او السفيرة ويعلمها بانها شخص غير مرغوب فيه ويطردها من العراق وفق المواد المحددة”، مضيفا أن “الجريمة التي حصلت مست امن ووحدة العراق ومست المعتقدات الدينية المقدسة وبالنتيجة العراق يستطيع ان يقوم بهذا الاجراء كرد على ذلك وغلق السفارة السويدية”.

أن “العقوبة القانونية للذي قام بحرق المصحف الشريف في السويد، وهنا وفق القانون الدولي مثل هكذا اجراء يحسب على الدولة التي فيها هذا المجرم لان الدولة عليها ان تلتزم بميثاق الامم المتحدة مواد 1،2،3 من الميثاق التي منعت الدول من اساءت بعضها للبعض الاخر سياسيا اجتماعيا دينيا اقتصاديا”، مبينا أن “مثل هكذا تصرفات تسيء لملايين المسلمين وقد تحدث اثر وقد يكون هناك تطهير عرقي للمسلمين في هذه الدول وبالتالي هذا يخالف النظام الداخلي للمحكمة الجنائية الدولية بالمادة 6، والمادة 5 من قانون المحكمة وفق اتفاقية روما 1998، وهذا يُجب تحرك منظمة المؤتمر الاسلامي المعنية في شؤون المسلمين لمنع مثل هكذا تجاوزات كما قلنا تمس الشعور الديني”. 

ان “القانون العراقي ولاسترداد هذا المجرم، فقانون العقوبات كان صريح في المواد 14، و9، و6  بشأن استرداد المطلوبين والتي تكون بإيعاز من رئيس مجلس القضاء الاعلى، للادعاء العام الذي فيه شعبة خاصة لملف استرداد المطلوبين وإحالة الموضوع لإحدى المحاكم التحقيق لإجراء التحقيق اللازم واعداد ملف بذلك، ومن ثم يتم مفاتحة الخارجية العراقية لإرسال الملف للإنتربول الدولي الذي بدوره يخاطب السويد لتسليم هذا المجرم الى السلطات العراقية وفق اتفاقية الانتربول الدولي الموقع عليها 195 دولة من ضمنها العراق والسويد وهذه المنظمة تصدر سبعة مذكرات اخطرها الحمراء معززة بالأدلة”.

أن “المواد 7، و6 من قانون العقوبات العراقي تقول ان الجريمة حتى لو ارتكبت خارج العراق ولها مساس بداخله يمكن محاكمة الشخص الذي قام بذلك وفي حالة تسليمه ستكون محاكمته وفق المادة 372 من قانون العقوبات العراقي وهي عقوبة ازدراء الاديان والتي تصل الى الحبس 3 سنوات”.

“فيما يتعلق بالتظاهر والاعتراض فهو امر مشروع في الذي حصل فان ذلك جائز لان القضية مست معتقدات المسلمين، والتظاهرات عبرت عن الارادة الشعبية الجماهيرية والتي كان لها رد فعل كبير وغاضب وهو موقف مشرف يحصل لهذه الجماهير والتي بالتأكيد قالت كلمة الفصل في الموضوع”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى