أخبار

سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي السابع

سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي السابع، ولد عام 54هـ في المدينة المنورة. ولاه أبوه على فلسطين، ولما ولي الخلافة قام بحركة إصلاحية واسعة، فعزل عمال الخليفة الذي سبقه وقرّب خصوم الحجاج من أمثال يزيد بن المهلب، وحكم نحو 3 سنوات، وأوصى بالخلافة من بعده لعمر بن عبد العزيز، وتوفي في صفر سنة 99هـ عن عمر يناهز 45 عاما.

النشأة والتكوين

وُلد أبو أيوب سليمان بن عبد الملك بن مروان في المدينة المنورة عام 54هـ في خلافة معاوية رضي الله عنه.

أمه ولادة بنت العباس العبسية، وهي أم أخيه الوليد، وعند أخواله بني عبس أقام فترة من صباه، فنشأ على أخلاق البادية وفصاحة أهلها

ولما كان بالشام عند أبيه عبد الملك بن مروان عهد بتأديبه إلى اثنين من الأئمة الأعلام، هما عامر بن شراحيل الشعبي ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري.

ولاه أبوه على فلسطين، وظل عليها في عهد أخيه الوليد، فنزل باللُّد وأحدث مدينة الرملة لوقوعها في المنتصف بين السهل الساحلي على امتداد البحر الأبيض المتوسط وبين الغور شرقا، وقد بنى فيها مسجدا ودارا للإمارة وجعل فيها صهريجا للماء، واحتفر فيها الآبار، وذكروا أنه من حبه لها أراد ألا يبرحها بعد خلافته، عازما على نقل عاصمة الخلافة إلى بيت المقدس.

أراد أخوه الوليد -بمشورة من الحجاج- أن يخلعه من ولاية العهد غير أن المنية عاجلته، فبويع سليمان بالخلافة منتصف جمادى الآخرة سنة 96هـ، وكان حينها بالرملة، فأخذ عمر بن عبد العزيز البيعة له في دمشق.

خلافته

يرى بعض المؤرخين أن خلافة سليمان كانت عودة أخرى إلى مسار العدالة والوئام ورد المظالم بعد سنوات من الصراع الداخلي الذي صبغ الخلافة الأموية في عهد أبيه عبد الملك وأخيه الوليد.

ومنذ أن اعتلى سليمان المنبر في أول خطبة له إبان تسلمه منصب الخلافة، ذكّر الناس بالعودة إلى الله وإخلاص النيات واتخاذ كتاب الله إماما والرضا به حكما.

كما أولى العلماء والصالحين الرعاية والتقدير، وأوكل إلى أهل الخبرة والمعرفة منهم مهام المشورة والوزارة، فاتخذ عمر بن عبد العزيز مستشارا له، كما صحب التابعي الجليل رجاء بن حيوة، فكان لا يقطع أمرا دونهما.

وقد كان من مشورتهما عزل عمال الحجاج الذين ارتكبوا مظالم بحق الرعية، ومنهم يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج ومستودع أسراره، وعثمان بن حيان والي المدينة، وخالد بن عبد الله القسري والي مكة، ومحمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج والي اليمن.

وكذلك أشارا عليه بإطلاق الأسرى من السجون، وإعطاء الهبات والعطايا لمن ارتكبت في حقه المظالم، كما أشار عليه عمر بن عبد العزيز برد الصلاة إلى وقتها بعد أن كانت تؤخر إلى آخر وقتها.

” alt=”” aria-hidden=”true” />قبة سليمان: تنسب إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وذكر بعض المؤرخين أنها من بناء الأمويين، لكن يعتقد أن بناءها الحالي تم في العهد الأيوبي عام 600هـ/1203م، ورُممت في العهد العثماني. استخدمت هذه القبة مكانا للعبادة والتأمل والخلوة، ثم لحفظ أوراق وسجلات المحكمة الشرعية وسجلات الأقصى، ثم رممتها دائرة الأوقاف واستخدمت مقرا لقسم الواعظات، لكنها تحتاج لترميم آخر حاليا.
قبة سليمان تنسب إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، استخدمت مكانا للعبادة والتأمل والخلوة (الجزيرة)

الإصلاح في السياسة والاقتصاد

روى ابن أبي الدنيا عن محمد بن يزيد قال “بعثني سليمان بن عبد الملك إلى العراق، إلى المسجونين من أهل الديماس، الذين حبسهم الحجاج في واسط؛ فأخرجتهم، وفيهم الواعظ البكاء يزيد الرقاشي، والتابعي يزيد الضبي.. وعنّفت ابن أبي مسلم الثقفي وزير الحجاج على صنيعه، وكسوت كل رجل ممن أطلقتُ ثوبين”.

كان عزل سليمان للولاة الجائرين بداية الطريق في الإصلاحين السياسي والاقتصادي اللذين قام بهما خلال فترة حكمه، فضلا عن فصل ولاية الخراج عن الولاية العامة لتتسنى له مراقبة المال العام.

كما أنشأ ديوان النفقات لتسجيل الواردات والصادرات من أموال الدولة، وضبط النفقات، إذ كانت الدولة تمر بمرحلة توسع كبير، مما يحتاج معه إلى ترشيد الإنفاق

الفتوحات في عهده

كان سليمان بطبعه “لين الجانب لا يعجل إلى سفك الدماء” حسبما وصفه المسعودي، ولميله الطبيعي إلى الموادعة، فضلا عما ذكر من تغيير شامل للولاة والعمال في المدن وعلى الثغور، فإن الفتوحات في عهده لم تكن كما كانت على عهد سلفه الوليد أو أبيه عبد الملك.

” alt=”” aria-hidden=”true” />أسوار القسطنطينية باسطنبول_ خاص الجزيرة
صور لأجزاء من أسوار القسطنطينية بإسطنبول (الجزيرة)

ومن أبرز الحملات العسكرية في عهد سليمان بن عبد الملك:

فتح مدينة الصقالبة قرب أرض البلغار سنة 98هـ، وغزو دهستان وجرجان وطبرستان جنوب بحر قزوين على يد يزيد بن المهلب.

كما حاصر القسطنطينية بقيادة أخيه مسلمة، وقد أطلق سليمان عدة جيوش في أرض الروم ليبعد أنظارهم عن الهدف الرئيس من الحملة، ففتح عددا من المدن والحصون شمال الشام وشرق الأناضول، كما أمر بصناعة سفن جديدة بمصر لدعم الأسطول البحري، وجمع الأسلحة والآلات للحرب والحصار.

وعندما أمر بحصار القسطنطينية انتقل إلى مرج دابق ليكون أقرب إلى ميدان المعركة، وأقسم أنه لن يغادرها حتى يفتح الله على أخيه هناك.

غير أن مناعة الأسوار ومهارة المُهندسين الروم في ترميم ما يتهدَّم منها بسرعة، وتوفّر أدوات الدفاع لديهم، وهجوم البلغار من الشمال الغربي، وفتك البرد بالجيش المسلم، ردّت الجيش وقائده وأرجعته إلى الوراء، حتى سمع بنبأ وفاة أخيه وتولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، الذي أرسل إليه بفك الحصار والعودة إلى الشام.

” alt=”” aria-hidden=”true” />عمر بن عبد العزيز.. أشج بني أمية ونبوءة الفاروق وخامس الخلفاء الراشدين
عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك (مواقع التواصل- صورة تخيلية)

استخلاف عمر بن عبد العزيز

كانت لعمر بن عبد العزيز عند سليمان منزلة رفيعة ومكانة خاصة دون بني مروان، فقد اتخذه مستشارا لا يقطع أمرا دونه، وذلك لما تحلى به من علم وحسن خلق واستقامة، لذا فقد حرص على استصحابه طوال مدة خلافته في حله وترحاله.

ولمّا مرض سليمان في مرج دابق وأحس بدنوّ أجله، رأى أن يختم حياته بعمل ينفعه في آخرته من جهة ويحفظ على المسلمين أمر دنياهم من جهة أخرى. فاستشار وزيره رجاء بن حيوة في أمر ولاية العهد، فأشار رجاء عليه بعمر بن عبد العزيز، ثم قال لجمع من بني أميّة عندما سألوه عن ولاية العهد “لأعقدنّ عقدا لا يكون للشيطان فيه نصيب”.

ذكر الطبري في خبر استخلاف عمر بن عبد العزيز عن رجاء بن حيوة أنه قال “لمّا ثقل سليمان عهِد في كتاب كتبه لبعض بنيه وهو غلام لم يبلغ، فقلت: ما تصنع يا أمير المؤمنين؟ إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف على المسلمين الرجل الصالح. فقال سليمان: أنا أستخير الله وأنظر فيه ولم أعزم عليه، قال: فمكث يوما أو يومين، ثم خرّقه فدعاني فقال: ما ترى في داود بن سليمان؟ فقلت: هو غائب عنك بقسطنطينية وأنت لا تدري أحيّ هو أم ميت، فقال لي: فمن ترى؟ قلت: رأيك يا أمير المؤمنين، وأنا أريد أنظر من يذكر، قال: كيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟ فقلت: أعلمه والله خيّرا فاضلا مسلما، فقال: هو والله على ذلك”.

ثم عهد بالخلافة بعد عمر إلى يزيد بن عبد الملك ليرضي بني أميّة، وكانوا حريصين على أن تبقى الخلافة في أولاد عبد الملك، فأبقاها لهم وأرضاهم بذلك.

وفاته

مرض سليمان بدابق فلما كان يوم الجمعة أمر خاله فوضأه، ولبس حلة خضراء واعتم بعمامة خضراء وجلس على فراش أخضر، وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه وشمر عن ذراعيه فقال: “أنا والله الملك الشاب” فخرج إلى الصلاة يصلي بالناس الجمعة فلم يرجع حتى وعك.

دخل رجاء على سليمان فإذا هو يموت، فوجهه إلى القبلة فأفاق يقول “لم يأن لذلك بعد يا رجاء”، فلما كانت الثالثة قال “من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئا، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله” فوجهه إلى القبلة فمات.

فغطاه رجاء بقطيفة خضراء وأغلق الباب عليه، وأرسل إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق، فقال: بايعوا لمن في هذا الكتاب، فقالوا: قد بايعنا، فقال: بايعوا ثانية، ففعلوا، ثم قال: قوموا إلى صاحبكم فقد مات، وقرأ الكتاب عليهم، فلما ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بني مروان، فلما قرأ وإن يزيد بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشيء. ونادى هشام قائلا: لا نبايعه أبدا، فقال رجاء: أضرب عنقك والله، قم فبايع.

وكانت وفاة سليمان في العاشر من صفر 99هـ الموافق يوم 22 سبتمبر/أيلول 717م، في مرج دابق، وقد اختلف المؤرخون في سبب وفاته ويرجح بعضهم أنها كانت كمدا على ابنه أيوب الذي سبقه بشهر ونصف الشهر.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى