أخبارمقالات وآراء

عيد الام .. من كتاب يوميات طبيب سيناوي

كل سنة وانتي طيبة يامة..اه كنت دايما بقولك كدة..والطيبة دي مش مرتبطة اذا كنت قد رحلتي عن عالمنا ام لا..فانت طيبة في قلبي..طيبة في عقلي وقلبي ووجداني..فمازلت تعيشي معي فقد رحلت جسدا فقط فلا يمر يوم رغم مرور اكثر من عقدين على الرحيل فمازلت اذكر كل يوم مثل من الأمثلة التي كنتي ترددينها وانا اسجلها على صفحات ذاكرتي وما ان اقابل موقف او حدث الا واتذكر وارددأحدها واترحم عليك..صحيح ان برحيلك قد رحل جزء مني..فهكذا الايام والسنون تمر وكلما رحل حبيب أو صديق أو اخ يموت فينا جزء الى ان تحين الساعة فيرحل ماتبقى..نعم فمن يعيش الان هو بقايا انسان..اتذكر ليلة ان صحوت لتصلين الفجر يوما وانا اجلس على مكتبي في فرندة الدار البحرية وكان يوم عيد الام وانا في الثانوية العامة..وقلت لك كل سنة وانت طيبة ياحجة وهيبة”ياسمين”النهاردة عيد الام عايزاني اجيبلك ايه هدية..فنظرت الي نظرة حانية وانت تقولين” انا مش عايزة حاجة انا هديتي انك تجبر بخاطري وتخش كلية الطب”وبدأت الصلاة…اذكر عندما كنت تودعين اخي سعيد واختي كوثر للسفر الى القاهرة في مشهد لا يعرفه الا من عاشه تحت الاحتلال الاسرائيلي حيث إجراءات الصليب الاحمر الدولي وتغيب عاما كاملا بلارسائل ولاتليفون وكأنك تودع الحياة..ولسان حالك اديك مونسني بس مش عارفة هعمل ايه لما انت تسافر ..ثم تنفجر في نوبة من البكاء..واحاول ان اسري عنها..فأسالها ..انت رضيتي ازاي يامة تجوزي ابوية وتكوني زوجة ثانية وغريبة دة حتى اسمك غيروه وخلوك وهيبة على اسم ستك بدل ياسمين..فتمسح دموعها وتضحك بلا صوت وتستعيد شريط الماضي وتقول..ابوك كان مسافر ابو صوير هوة وعمك وميلوا علينا بحكم المودة لان جذور جدك اي والدها سيناوية..وكان الوقت قرب الغروب وحان وقت العشاء ولان ياسمين كانت كبرى أخواتها البنات ولازال أخيها صغيرا فقد كانت هي التي تقوم بخدمة الضيوف..وقد رأها ابي هكذا قصت علي ولم يبت ليلته في ضيافتهم الا وقد خطبها من والدها وسافر في اليوم التالي ليبتضع تجارته مع عمي ولم يعد الى العريش الا ومعه العروس الجديدة”ياسمين”… وانت عارف في زمننا لاتملك البنت الاعتراض طالما وافق والدها..وهكذا كنا نتجاذب أطراف الحديث عندما أراها حزينة..فاكرة يامة لما سافرت اشتغل مع سعيد كامل ابن خالتي في الاجازة وهو يكبرني بسنوات وفضلت توصيه علي وكأنه رايح يفسحني..وطبعا كانت فسحة سودة ورجعت أصابع ايدية مخرمة من خلطة المحارة فقد كان رحمه الله اسطى مبيض محارة وهو الوحيد في اخوته الذي لم ينل قسطا من التعليم ولكنه كان ودودا وخفيف الظل وصاحب نخوة.. ولما رجعت فضلتي تبكي وتقولي ياريتني ماوافقت..بس برضه كنت هسافر..فاكرة يامة لما اخدوني اليهود وقالولك اني سافرت مع سعيد ولما خرجت قلتيلي انا مكنتش مصدقة وكان عقلي بيجيب ويودي وازاي تسافر من غير شنطة ومن غير ماتقول بس الحمدللة انك مطولتش..كنت اتجننت..فاكرة يامة لما حصلت على الثانوية العامة وكنت الاول على سيناء وقطاع غزة”لان الامتحان كان موحدا وياتي من القاهرة بطائرة الصليب الاحمر الدولي وبأشرافه.. وفضلت تزغرتي وتبكي في نفس الوقت وانا مش فاهم..وعرفت بعدين ان فرحتك اني حققت املك ان ادخل كلية الطب وكانت دموعك اني هسافر ونفترق..وانا روحي فيكي وروحك فية.. ولما لا وانا اصغر أبنائك ومات ابي ولا اذكر ملامحه فقد كان عمري عامين..وكنت انت الاب والام والمعلم.. فعلا كانت روحك فية حتى لما عدت من سفري بعد دورة تدريبية على جراحة المناظير في القاهرة ووجدتك في الفراش ولم يخبرني احد انك سقطت وحدث كسر في عظمة عنق الفخذ ..ويعلم الاطباء ومن مر بنفس الحدث انها ليست سهلة في سن الشيخوخة..ولم البث بجوارك الا ساعات ومن فرط حزني الذي حاولت اخفاؤه اصبت بجلطة في الشريان التاجي وانا لم اكمل عامي الخامس والثلاثين ولولا ستر الله ودعائك لما نجوت..وعندما سافرت الى الولايات المتحدة بعدها باعوام واشتد بك المرض فقلت لاختي متخافيش انا مش هموت الا لما اشوف صلاح…وقد كان…وهاانذا..احن اليك اذا جن ليل وشاركني فيك كل صبح جميل..كم احن الى فطيرة الصاج التي كانت تختلط بدموعك اثر دخان الحطب وقليل من الزعتر والدقة وزيت الزيتون..وما اروع زيتونك الذي خضبه الاصفرار وبعض من الفلفل العرايشي الحار انه اجمل مذاقا من شهد الملكات…اشتاق الى حنونة كنت تخبزينها على عين الفرن الطيني العلوية الهادئة وهي عجينة عليها مسحة بيض وقليل من الفلفل الاسود هي اروع واجمل من البيتزا الإيطالي وكانت هذه هي جائزتي لاني دعوت الجيران ..حتى زغدتك وانا استحم صغيرا والصابون يحرق عيني و انااحاول الفكاك من بين يديكي اتذكرها مع نفسي واحكيها ضاحكا..والراديو الترانزستور الذي كنت تضعيه بجوارك في يقظتك ونومك وقد ضبط مؤشره على اذاعة لندن تنتظرين خبر الفرج برحيل الاحتلال… وحفلة الخبيز لكل جيران الشارع..احن الى كعك العيد وليلة العيد ولمة العيد وعجين الكعك وسهرةالجيران حتى السحور في اواخر رمضان ورصة الصيجان …كنت محور حياتنا وسبب طبيعي للمتنا وبعدك افترقنا واذا الاحباب كل في طريق..هكذا كلما اتى يوم عيدك اتحدث مع نفسي واكتب الكلمات عندما اخلو اليها لينسكب حديث الروح وتنسكب معه الدموع التي لا استطيع ان اوقفها الا اذا توقفت حروف الكتابة..سلام عليك يوم عيدك وسلام على كل الأمهات المكافحات الذين سطروا بعرقهم ودموعهم صفحات من تاريخ الوطنية وبناء الاجيال..سلام على روحك الطاهرة ..فهكذا يرون الأبناء امهاتهم ملائكة..وانا ككل الأبناء ولكني احبك كغيث السماء وكفيض نهر بلاسدود وبلا شطئان وبلا حدود..والى ان نلتقي اهدي اليك كل لحظة فرح عشتها وكل لحظة سعادة لمست شغاف قلبي وكل نجاح عرفته وكل مكانة تمنيتها لي..اليك كل عمري الى ان نلتقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: